القاهرة 27 نوفمبر 2018 الساعة 11:17 ص
كتب : عاطف محمد عبد المجيد
هناك نصوص كثيرة نُجهد أنفسنا في البحث والتفتيش عما بها من خلْق وإبداع، فيما يبوء مسعانا غالبًا بالفشل الذريع, ولكنَّ هناك نصوصًا كثيرة على شاطئ آخر، تفوح إبداعًا وشاعرية، يكفيك أن تقترب منها حتى تتأكد من ذلك؛ إلى هذا الأخير تنتمي قصائد ديوان " بهية اسم للبكاء " للشاعرة بهية طلب، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب ويضم أربع عشرة قصيدة منها ما كُتب قبل العام 90 ومنها ما كُتب بعده حتى العام 2010.
لا تكتب بهية طِلب القصيدة تقليدًا لآخرين، أو بحثًا عن لقب شاعرة، مما يضفي عليها بريستي?ًا اجتماعيًّا زائفًا ومُزيَّفًا، بل تكتب بكل صدق لتُعبّر عن ذاتها، متخذةً من الكتابة قميصًا واقيًا، يحميها من هجير الحياة، وما فيها من مآسٍ وإحباطات وانكسارات، تُنهك الجسد والروح، جاعلة إياهما يمقتان الحياة حد الوصول إلى عتبات الانتحار.
في ديوانها هذا تحاول بهية طلب أن تتحدى الألم، رغم كِبَر حجم المعاناة، متدثرة بالقصيدة / الترياق الذي تحتسيه؛ ليمنع عنها شبح الموت وتوحّش المرض الجسدي والروحي.
هنا تكتب بهية طلب كي تهزم الواقع الذي يحيط بها، ويطوّقها بمعاناته وجراحاته التي لا تلتئم، محاولاً أن يكسر شوكتها ويُلقي بها في جُب الوحدة, تحاول بهية طلب كذلك أن تبدو صلبة أمام شراسة هذا الواقع الذي يصيب كل من يستسلم له بالكآبة والانهزام النفسي, ببساطة غير معتادة تكتب طلب قصيدتها معبرة عما يدور في عوالمها الباطنية، كاشفة لمتلقيها أسرارها الحياتية، وكطفلة بريئة تبوح دون أن تخشى تأنيبًا من أحد.
في قصيدتها تبث طلب آلامها وأفراحها، عذاباتها ولَذّاتها.
" وعاشقة
ستبقى تهيم
على ذروة الوجد لكنها لن تحط
بقاع التعشّق حتى تموت
أتشتطّ في غيّها
سلام عليكم "
كذلك يتضح عشق بهية طلب للقصيدة، إذ تتفانى في إخراجها في أجمل ثوب ممكن، فكرة وإيقاعًا وسردًا شعريًّا ينساب رقراقًا، رغم ما يوحي به من ألم، تعاني منه الذات الشاعرة.
" أتجاسر حينًا
أتحدى شكك هذا الرابض بين جفون الغيم
يصير سيولا تطردني منك
فأمد حدودي
لا تحتد
أتطاول داخل نبضك سنبلة
تنمو من رقراق دمائك
وأعيدك لك "
للعشق تهرول بهية طلب فرارًا من جفاف القلب إلى سهول المشاعر التي من دونها، لا تكون ثمة حياة.
" رجل يبدعني مدنًا للوله
لو لامس كفي
ويلم نثاري في قبضته يذروني
خلجانًا تترنم باسمه
هو خاض طقوسي...
أتشهاه يطوق خصري في وسط الشارع
أزجره لو حملق في مرتديات الجينز والميني "
طوال الوقت لا تنسى بهية طلب جراحها التي تسكنها وتؤلمها ليل نهار:
" أخرجتني التواريخ من كنهها
فاستكانت رياحي
على صدر أمي
لكي لا أضمد جرحًا بجرح..."
في قصيدتها مسافة لكذب واضح تقارن بهية طلب بين أنثى تمارس حريتها كما يحلو لها زِيًّا وسلوكًا، وبين أخرى تُقيّد نفسها فكرًا وجسدًا داخل خيمة متنقلة:
" أعرف أنها حملقتْ فيّ جيدا
وتأكدت من طول قرطي
رغم عينيها الملثمتين
وحسدتني
لأنني أتحرك ببساطة
في بنطال الجينز الضيق جدا
وهي تتعثر في عباءتها الفضفاضة "
أما في قصيدتها التي جعلت عنوانها عنوانًا للديوان فنجد أن الذات الشاعرة تعبر عن وحدتها التي تقاسي منها رغم جمالها وعينيها الضاحكتين:
" عيناي ضاحكتان
ووجهي أجمل
وأبكي بمفردي
لأنني لم أقابل أي رجل
يقبل أن يُقتل من أجلي ! "