القاهرة 13 نوفمبر 2018 الساعة 11:40 ص
كتب : د.محمد السيد إسماعيل
" المؤتلف والمختلف ..قراءات فى شعر العامية المصرية " هو عنوان الكتاب الأخير الذى أصدره الشاعر الباحث مسعود شومان, ويبدأ الكتاب بمقدمة طويلة مستفيضة يحدد فيها الباحث دوافعه لتناول شعر العامية المصرية والغايات التى يسعى إلى تحقيقها, ورغم أن المساحة التى يتعرض لها الكتاب كبيرة حيث يبدأ من الرائد الكبير بيرم التونسى وصولا إلى أحدث الأجيال الراهنة فى حركة شعر العامية, أقول على الرغم من كل هذا؛ فإنه لايقدم استقصاء لكل الأسماء بطبيعة الحال لأن ذلك يحتاج – كما يقول الباحث – إلى جهد مؤسسي يقوم به مجموعة من الباحثين كما أنه لا يتوقف عند جيل محدد أو موجة شعرية واحدة يستقصى سماتها الموضوعية والجمالية, بل يهدف إلى " الوقوف على إبراز أهم الاتجاهات الشعرية والظواهر التى تجلت فى هذا النوع الشعرى بوصفه تجليا ذا أثر بالغ فى حركة الشعر الحديث ".
" المؤتلف والمختلف ...." مسعود شومان ص 5شركة الأمل للطباعة والنشر 2016"
وإذا كان بيرم التونسى قد جمع بين الزجل وشعر العامية فإن التأريخ لشعر العامية المفارق للزجل يبدأ – حقيقة – بالشاعر الرائد فؤاد حداد بأشعاره التى تعد من إنجازات شعر العامية فى مصر, والذى مثل مع صلاح جاهين بحكمته وبساطته الآسرة, وفؤاد قاعود الذى جمع فى تفرد بين خصائص الشاعرين السابقين دون أن يفقده ذلك صوته, أقول لقد مثل فؤاد حداد مع جاهين وقاعود المثلث الذهبى لشعر العامية الذى فتح الطريق للأجيال اللاحقة, سواء جيل الستينيات بشعرائه الكبار المعروفين مثل عبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب وأحمد فؤاد نجم وسمير عبد الباقى وحامد البلاسى, وجيل السبعينيات الذى أحدث تحولات شعرية لافتة وشهد بروز أسماء شعرية متميزة مثل ماجد يوسف ومحمد كشيك, وصولا إلى جيل الثمانينيات الذى أخرج شعر العامية من عزلته الجمالية السبعينية والذى بدأ بعض شعرائه طريقهم الشعرى بكتابة قصيدة التفعيلة ثم تحولوا إلى كتابة قصيدة النثر, من أمثال يسرى حسان ومحمود الحلوانى ومجدى الجابرى الذى يعد رائد هذا الجيل فى كتابة قصيدة النثر, ثم تأتى تجارب الشعراء الأحدث من أمثال : أشرف عتريس وجاسر جمال الدين والسعيد المصرى وسيدة فاروق وطارق هاشم.
كل هذا يمكننا من القول أننا مع كتاب يقدم بانوراما واسعة لخريطة شعر العامية فى مصر, ولكى يقدم الباحث هذه البانوراما فى صورة منظمة تتيح للقارىء متابعة مسيرة تطور هذا النوع الشعرى؛ فقد لجأ إلى تقسيم الكتاب إلى أربعة فصول تحمل العناوين التالية :
الإبداع بالعامية ..آليات التراث والمأثور الشعبى, وتناول فيه شعراء أربعة هم : بيرم التونسى وفؤاد حداد وصلاح جاهين وفؤاد قاعود.
ويحمل الفصل الثانى عنوان " شعر العامية وتنوع الأشكال والرؤى, ويتناول فيه أشعار عبد الرحمن الأبنودى وسمير عبد الباقى وحامد البلاسى.
ويحمل الفصل الثالث عنوانا لافتا هو " رحيل الشعراء وسؤال الموت ", ويتناول فيه أربعة شعراء شباب ماتوا فى عمر مبكر هم : خالد عبد المنعم ومجدى الجابرى ومحمد عبد المعطى وصابر فرج.
ويأتى الفصل الأخير بعنوان " تجليات الذات والمكان فى شعر العامية ", ويتناول فيه كلا من : محمد كشيك ومدحت منير وجاسر جمال الدين ويسرى حسان.
وتمتاز هذه الفصول بتقديم قراءات واعية تستبصر خصوصية كل شاعر وما ينفرد به من خصائص موضوعية وجمالية؛ فعندما يتناول – على سبيل المثال – صلاح جاهين نجده يتوقف أمام استلهامه وتوظيفه التراث والمأثور الشعبى, وهو مايلاحظه أيضا عند سمير عبد الباقى, وعندما يتوقف أمام شاعر لم يأخذ حقه من الذيوع وهو حامد البلاسى نراه يتناول رباعياته التى لاتقل أهمية عن رباعيات صلاح جاهين, وفى توقفه عند فجيعة الموت المبكر لبعض شعراء العامية نجده يتابع – فنيا – تيمة الموت وتكرارها اللافت فى أشعارهم.
ولاتقل الملاحق التى ختم بها الباحث كتابه أهمية عن الفصول السابقة فهو يقدم ببليوجرافيا وافية عن الشعراء المدروسين, وثبتا دقيقا بدواوينهم وتواريخ صدورها, ثم يقدم كشافا – وهذا جهد محمود حقا – بدواوين شعر العامية المصرية الصادرة على مدار خمس وثلاثين سنة من 1980إلى 2015, وهو عدد كبير حقا فقد بلغ مائتين وتسعة وستين ديوانا, ويعد ذلك البحث بداية لضرورة توافر الجهود النقدية المتابعة لدراسة هذا الإبداع الشعرى الكبير.