القاهرة 11 مايو 2011 الساعة 03:57 م
كتبت/ ماجدة موريس
إذا كان التليفزيون عاقلاً، فالمواطن "مجنون" وإذا كان الإعلام "مكبردماغه" فالمواطن "مشغلها" ..واذا كانت زيارة رئيس وزراء مصر، المهمة جداً، لمحافظة قنا بعد أحداثها الشهيرة " رفض المحافظ القبطي وقطع السكك الحديد إلخ " غيرمهمة للتيلفزيون المصرى فقد رأها المشاهد المصرى مهمة للغاية، وبحث عنها في قنوات أخرى، فوجدها، لحسن حظه، فى قناة جديدة ناشئة لها من العمرشهر واحد أو أقل هي قناة الجزيرة مباشر مصر، وهذه هي القضية بين "التليفزيون المصرى" و" الشعب المصرى"... فقد اشتغل التليفزيون طويلا في العهد البائد لدى النظام الذى كان يحكم مصر، وبرغم "جيوب القلق" التى حاول بعض الإعلاميين الشرفاء الخروج فيها عن المنظومة المقررة لكن الإتجاه الغالب كان أن النظام علي حق دائما، من الألف للياء، وأن النظام يعرف دائما ماذا يريد الناس وأن المسلسلات وبرامج الترفيه والمطبخ هي أفضل ما يقدمه التليفزيون للناس، كما أن نجوم السينما والتمثيل بالذات، أو نجوم الرياضة، هم الذين يستحقون أن تفرش لهم الأ بسطة فى أروقة التليفزيون وتحجزلهم المساحات فى البرامج، وأن يقتصر الظهور عليهم فقط فى برامج رمضان.. واليوم تفرض أحداث ثورة 25 يناير أسئلة جديدة على الإعلام المصرى المسموع والمرئى، العام والخاص، أولها سؤال الأولويات والتى تعبر بالضرورة عن الخطط والاستراتيجيات يجب أن يضعها المسئولون عن هذا الإعلام، سواء كانوا ملاكه، أوقياداته كما هو الحال فى الإعلام العام الذي نسميه أحياناً إعلام الدولة أو الإعلام الرسمي والصحيح أن الوصف الأخير هذا يجب أن ينتهى إلي الأبد، لأن الإعلام المصرى ليست مهمته أن يكون صوتا لأحداث رسمية أو أشخاص رسميين، وإنما أن يكون صوتا للجميع لا يبدي اهتماماً خاصاً بما يخص الحكومة والنظام والبروتوكولات الرسمية علي حساب المجتمع بكل طوائفه، والمواطن بكل احتياجاته وقناعاته، الإعلام المصري ليس مطلوباً منه أن يتجمل، أو يغطي الحقائق الميدانية والواقعية مقابل شئ آخر، وما ذكرته في بداية كلامي ربما يكون تبريره أن زيارة شرف لقنا فشلت بسبب تدخلات كثيرة وهرج وفوضي وهتافات، ولكننا كمشاهدين علي استعداد للقبول بتحقيقات استقصائية عادلة ونزيهة حول ما حدث في قنا، بأكثر من استعدادنا للقبول بموجز محدود نمطي يعرض في نشرة التاسعة مساء ويشبه ما رأيناه لمدة نصف قرن حول الزيارة والتركيز علي الصور الإيجابية فقط للدكتور شرف وهو يوزع عددا من الوحدات السكنية علي بعض مستحقيها لا يجب أن يتركنا الإعلام العام للدولة تعتمد فقط علي تغطيات قناة الجزيرة مباشر وتفسيراتها وهى أيضا لم تفسر لنا لماذا صرخت امرأة قناوية طالبة الكلمة فى هذا اليوم فتم قمعها فورا، ولم تفسر لنا منع الكثيرين عن الكلام لدرجة جعلت رئيس الوزراء ينتظر طويلا حتي يأخذ الكلمة ولم تشرح لنا ما شرحه البعض حول عودة ضباط أمن الدولة ورجال مبارك الفعالة وشطبهم لأسماء الشباب المدعوين للاجتماع واستبدالهم بشخصيات أخرى.. لا يمكن أن يقبل الموطن إهدار حقوقه.. كمشاهد بعد سنوات طويلة من التعامل معه باعتباره ناقص الأهلية ناقص الإدراك ولا يجب أن يقبل التليفزييرن المصرى بإهدار دوره باعتباره جهاز الحكومة وبوق النظام بعد الآن، لأن كل الأمور اختلفت فلا النظام يخيف أحدا من المواطنين، ولا الحكومة، كما أن جيش الفضائيات العريية والدولية النشط فى مصر لا يستطيع التقاط أنفاسه من كم الأحداث والمتغيرات، وما يؤكد هذا ما حدث مساء السبت الماضى حين كانت قناة mbc العربية ومقرها لندن أول من بث صورا لنا فى مصر عن حدث حرق كنيسة العذراء بامبابة واقتحام كنيسة مارمينا، لا أدرى كيف صورها سبقت القناة الأولى التى اكتفت بتليفون فى نشرة الواحدة صباحا، وكذلك قناة النيىل للأخبار، وبعدها كانت قناة on أول قناة مصرية تعرض علينا هذا الحدث المؤلم قبل الثانية من صباح الأحد 8 مايو.
الحال زفت ..لكن المشكلة اتحلت !!
الأمر الأخر في منظومة العلاقة بين الإعلام والمواطن هو حق المواطن في التعبير عن نفسه من خلال كل الأمور في حياته الضرورية وهو حق مواز لحقه فى معرفة ما يحدث فى بلده، وهذا الحق يعنى انه على جهاز التليفزيون أن يكون شاهد حق على حالة المواطن فى كل مكان من مصر وليس القاهرة فقط، ليصل هذا الحال الى الجميع الناس والقيادات التى تملك الحق، ولقد تساقطت في السنوات العشرين الماضية كل البرامج التي تقدم علي الشاشة حال الشعب وإهمال المحليات والمسؤلين التنفيذيين في كل المحافظات ، توقف برنامج "قضية للمناقشة" الذي كان يقدمه الكاتب الصحفي الكبير الراحل سعيد سنبل وتخرجه عفاف طبالة ويبدأ حلقاته بفيلم تسجيلي عن الاحوال المتردية في الواقع المصري في المكان موضوع المناقشة ثم يدور حوار ساخن وموضوعي وتوقف برنامج مهم آخر بعنوان "لو كنت المسؤل" كانت تقدمه سهير الأتربي التى اختيرت لتكون رئيسة للتليفزيون فى منتصف التسعينيات فأوقفت برنامجها ولم تقدم له بديلا، وتوقف اسرع من هذا برنامج مهم قدمته الإعلامية "صديقة حياتى" ن الشارع المصرى والإهمال الجسيم فيه بعنوان "الحل إيه".. وأخيرا أوقف برنامج القناة الثا لثة "تحقيقات الثالثة" الذى كان يلبى استغاثات الناس فى كل مكان من تدهور أوضاعهم ومعيشتهم وفيه لأول مرة وصلت كاميرات التليفزيون المصرى المناطق العشوائية لترينا المجارى وهي تخترق البيوت وتلال القمامة أمام المدارس إلخ وهو ما جعل البرنامج يحظي باهتمام كبير من الناس الذين وجدوا فيه أملا فى وصول صوتهم للمسئولين فى كل حلقة حتى يقولوا إن المشكلة فى طريقها للحل وان السيد المحافظ أو رئيس الحى اصدر أوامره فورا بإزالة كذا او كذا .. ثم توقف البرنامج.
باقة المحروسة المرفوعة من الخدمة
الأمر الأخير فى هذه المنظومة العلاقة بين المواطن واعلامه هو السؤال عن الجهاز الذي يقوم بهذا العمل، وهل هو التليفزيون في مقره الرئيسى بالقاهرة بماسبيرو فقط أم أن للقنوات المحلية الثمانى دورها الضرورى فى مسح مصر اخباريا ومعلوماتيا وغعادة الإعتبار للمجتمعات المحلية ولملايين المشاهدين المنسيين من الاهتمام إن السؤال عن الغمكانيات التى يحتاجها إعلام الدولة العام لهذا المسح مردود عليه بأن باقة المحروسة المحلية موجودة ومعطلة وكان أنس الفقي ينوي اعادة افتتاحها، ولماذا يتعطل آلاف الإعلاميين من أبنانها ولا يشاركون فى نقل ما يحدث فى محافظاتهم إلى كل مصر عبر أوقات خاصة تخصص لهم على خرائط القنوات الأرضية الأولى والثانية وخرائط قطاع الآخبار وقناة الأخبار والفضائية، وهل من الممكن فى حالة تشغيل القنوات المحلية أن تسبق أى فضائية خاصة التليفزيون نقل أحداث مصر.. إن ما يحدث من تراخ فى تقديم تحقيقات جيدة وموثقة عن الأحداث فى مصر، وتهميش أحداث بعينها مثل مؤتمر مصر اليوم، يجعل الأمر بالغ الصعوبة على المواطن المصرى الذى يفاجأ بأحداث جديدة يوميا، ويعجز عن فهم ظواهر تثير قلقه، وتنقصه المعلومات الضرورية فى أغلب ما يقدم من برامج المساء فى كل القنوات حيث ينصب اهتمام العاملين بها على تسجيل بعض الأحداث التى يرونها جديدة فقط، مثل زيارة مرشد الإخوان لمشيخة الأزهر، أو ظهور سياسى متقاعد أو خروج سجين سياسى من السجن، هذه هي أكثر النماذج جاذبية لصناع البرامج الجماهيرية بينما يختض الجهد القائم على المعلومات والتتبع وتقصى الحقائق كثيرا للدرجة التى جعلت من ثلاثية برنامج آخر كلام على قناة on لمقدمه يسرى فودة عن ما حدث فى الطب الشرعى المصرى أثناء الثورة وقبلها وبعدها نموذجا فريدا فى التناول الإعلامي، وأخشى أن أقول إن التليفزيون المصرى خسر كثيرا بإلغائه برنامج من قلب مصر الذي استطاع أن يكون منفذا للمشاهد على الكثير مما حدث فى مصر فى السنوات الثلاث الماضية وكان أجرأ من قدم تزوير الانتخابات الأخيرة وكانت مقدمته لميس الحديدى القادرة على طرح أصعب الموضوعات وتقبل النقد، الآن نريد أن تتحول كل قنوات المحروسة إلى تغطيات حقيقية نزيهة من قلب كل مكان فى مصر لأن نزاهة الإعلام العام الوطنى هي جزء لا يتجزأ من نزاهة الحكم بعد ثورة 25 يناير، فحق المشاهد فى المعرفة وفى توصيل صوته ومشاكله مقدس ويسبق بالتأكيد حق أجهزة الإعلام فى تناول ما يحدث من زوايا تخصها أو تخص القائمين عليها، فكفانا أجندات إعلامية وعلى الإعلام أن يعيد النظر فى ترتيباته ويدرك أن النظام السابق لن يعود .
|