القاهرة 09 اكتوبر 2018 الساعة 04:3 م
حاورته: رحمه منصور
قضيته الأساسية فى أعماله هى الإنسان، لم ينحاز يوما لحزب ودوما ينتقد السياسات الحاكمة دون أن يأبى لأحد ، دائما ما ينبذ الحرب من خلال كتاباته المسرحية ففى أحد مؤلفاته يقول "فى الحرب يخسر الرجل أطرافه، ويتحول إلى أشلاء ومزق، ويفقد الإنسان إنسانيته، ويتحول الجميع إلى وحوش ضارية" هو الكاتب المسرحى على عبد النبى الزيدى من مواليد الناصرية بالعراق عام 1965 له العديد من الكتابات المسرحية، حصل على الكثير من الجوائز فى التأليف المسرحى منها: جائزة أفضل عمل متكامل عن مسرحية " ثامن أيام الأسبوع " في دولة اليمن2004، الجائزة الأولى في مسابقة "قناة البغدادية " الإبداعية عام 2008 عن نص مسرحية " لعنة عنترة"، جائزة درع الإبداع الأولى عن مسرحية " ثامن أيام الأسبوع" فى مهرجان الجامعات العربية في القاهرة 2007.
كان له هذا الحوار مع مجلة مصر المحروسة
- بدايتك الفنية كانت فى الثمانينيات عاصرت ثلاث حروب الأولى مع إيران والثانية مع الكويت والحرب الثالثة هي الغزو الأمريكي للعراق هل ما زال المسرح العراقي صامدا بعد هذه الحروب والصراعات السياسية والطائفية والاجتماعية التي مرت على العراق؟
- هذه ثلاثة كوارث مرّت على العراق فتكت بمئات الآلاف من البشر ودمرت الاقتصاد وشطبت على السلام في البلاد، لم تبق سوى الذكريات التي يتداولها الناس عن الماضي البعيد علّهم ينسون قليلا ما حدث لهم، كل هذا كان له الأثر البالغ على مسرحنا العراقي الذي تحوّل بالضرورة إلى (مسرح سياسي) بطريقة وأخرى. ظهرت عروض مسرحية تمجّد الحروب والسلطة آنذاك وبالمقابل كان هناك مسرحا معارضا في الداخل يقدم عروضه بجرأة عالية خاصة في التسعينيات، ولم يتوقف على الإطلاق عن عطائه الكبير رغم الظروف الصعبة والكارثية التي تأثر بها الوطن عموما.
المسرح بالنسبة لمسرحيي العراق كان فرصة لتسجيل المواقف وتوثيق الحقائق إبداعيا، حتى ما بعد 2003 وظهور موضوعات جديدة تختلف كل الاختلاف عن عقود مسرحنا العراقي السابقة حاولت العروض أن تواكب ما يحدث رغم بشاعة ما يجري في الشوارع من نزيف يومي وقتل على الهوية، ولكن ترى كل هذه المواضيع كانت حاضرة في المشهد المسرحي وهي تدين وتندد بالطائفية والقتل وتدعو الناس الى التوحد ضد القتلة، المسرح عندنا ظل صامدا وما زال يقدم عروضه التي تشاكس المشهد السياسي الفاسد اليوم والقامع لإرادة الشعب وتطلعاته بحياة كريمة، والشواهد كثيرة، أستطيع القول بأن مسرحنا اليوم هو مسرح معارض للفاسدين والسلطة والأحزاب ويقف مع الإنسان وهذا هو الأهم.
ــ هل استطاع المسرح نقل صورة المعاناة في دول ما يسمى بالربيع العربي التي تعاني من الصراعات السياسية والطائفية؟ وما هي أهم الأعمال المسرحية التي نجحت في ذلك؟
ــ نحن في العراق لا نؤمن بشيء اسمه (الربيع العربي) ونراه خريفا بشعا، وقد جلب لتلك الشعوب دمارا كبيرا في الأرواح والإقتصاد وانتهكت حرية الإنسان وهجر من بلاده قسراً، ونرى أيضا ان الصراعات الطائفية هي بضاعة خارجية استطاعت أن تجد لها موطئ قدم في مجتمعاتنا المسالمة وحدث الذي حدث للأسف، وكل البلدان التي حدث فيها هذا (الخريف) صعدت فيه مناخات التطرف الديني المخيف.
ومن هنا قدم المسرح العراقي عشرات العروض المسرحية التي تنبّه وتحذّر من الطائفية، والانتباه للمشهد السياسي الحالي الذي تقوده بعض الأحزاب المتطرفة التي قادت البلاد إلى حرب طويلة ما زالت قائمة إلى الآن، ولا يمكن لي أن أذكر هذه العروض لكون المشهد المسرحي امتد لأكثر من 14 عاماً، في أغلبه أخذ هذا المنحى للتصدي للسلطة الفاسدة بشتى تسمياتها.
- هل هناك رقابة الآن على الأعمال المسرحية فى العراق كما فى السابق؟ أم أصبحت هناك حرية التعبير تتيح تقديم ما يريد الفنان من أعمال مسرحية؟
- ليست هناك أية رقابة على عروض الفرق الأهلية على الإطلاق، ربما في المؤسسات الرسمية هناك رقابة فكرية لارتباط هذه المؤسسات بوزارة الثقافة مثلا، وحتى هذه محدودة إلى حد كبير ولم تسجل عمليات المنع سوى عروض قليلة، أما حرية التعبير فقد ارتبطت بالخوف من سلطة الأحزاب عندنا، وعندما أقول الأحزاب هذا يعني السلطة الحاكمة وراح ضحية ذلك الكثير من الأصوات من خلال الاغتيالات وسواها، ولكن هذا لا يشير إلى أن المسرح العراقي ارتكن للخوف أبدا، أجده كان ندا صعبا لهذه السلطة وغير مكترث لما سيحدث، ولم يكتفِ بخشبات المسارح بل شارك الكثير من المسرحيين العراقيين في التظاهرات مع الناس ويكون في الصف الأول بمواجهة الموت والمنددة بفساد السلطة.
ونحن الآن نستعد لتقديم واحدة من العروض الجريئة والشجاعة في قراءة الواقع العراقي، النص من تأليفي، ومن إخراج المبدع غانم حميد، مع ممثلين كبار ، العرض سيحمل عنوان (tha home)، وأعتقد بأنه سيكون صوتاً جديدا في مستوى طروحاته على مستوى الإخراج والأداء والسينوغرافيا، وبالرغم من أن هذا العرض منع من قبل دائرة السينما والمسرح في بغداد إلاّ أنه سيقدم بعيدا عن الجانب الرسمي قريباً.
- لكل مسرحي سواء كان كاتبا أو فنانا أو مخرجا عمل قريب لقلبه ، أيٌّ من أعمالك تعتبرها المفضلة لك؟ وهل تتبع مدرسة معينة في الكتابة المسرحية؟
-كتبت أكثر من خمسين نصا مسرحيا إلى الآن، ولكل نص مناخه وظروفه وسنواته المرّة والمؤلمة، تلك النصوص هي وثائق إبداعية على ما حدث لشعبي، واعتزازي لا يوصف بكل نص أكتبه لأنه يمثل لي موقفاً من حدث ما، فالنصوص التي كتبتها منذ مطلع التسعينيات كانت تدين الحرب وترفض قتل الناس في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، سوى أن مزاج الحكام من الطرفين هم من أشعلوها وكان الشعبين حطبا لها.
أشعر أن تلك النصوص تمثلني وهو التي كونت شخصيتي ككاتب مسرحي عراقي وعربي، وجعلتني أسجل مواقفي ووقوفي مع الإنسان ضد الدكتاتوريات، وربما مشروعي فيما أسميته بنصوص (الإلهيات) أراه جديدا على الذائقة العربية وصادم في نفس الوقت، من خلال استدعائه للمقدس وبناء علاقة جديدة معه تختلف في فهمها ووعيها عن مفهوم الخوف والعذاب وسواها.
وفي سياق سؤالك عن مدرسة ما تأثرت بها في كتابتي للمسرح، أجدني في بداية مشواري عام 1984 تأثرت بمسرح اللامعقول كثيرا وكنت من أشد المعجبين بكتابات هؤلاء العمالقة، إلا أنني مع تشكل الوعي الحقيقي لي بدأت الخروج من هذه السلطة الإبداعية مع منتصف التسعينيات، باتجاه تشكل تصورات لمسرح أؤمن به وأجده الأقرب إليَّ لا يحتفي بالمقاسات والمدارس والتيارات كثيرا ولكنه بالتأكيد يأخذ من هذا وذاك ما يجده مناسبا.
- الكاتب المسرحي لدية رؤية معينة أحيانا تختلف عن رؤية المخرج فهل تناقش المخرج أن غير بعض الشيء في نصك المسرحي؟
-لا أرى النص المسرحي مقدسا لا يمكن المساس به، في تشكّله الأول إلى الورق لابد أنه سيختلف كثيرا على خشبة المسرح، أي باتجاه فاعل آخر وهو المخرج بتصوراته ورؤاه التي ليست بالضرورة أن تلتقي معك، وأنا من الكتاب الذي يواكبون اشتغالات المخرجين منذ اللحظة الأولى للاتفاق على إخراج نص معين، وأشعر بقلق كبير أمام أي عرض من تأليفي لأنني جزء مهم فيه، وأحترم جدا المخرج الذي يذهب بعيدا بالنص وهذه رؤيته التي عليَّ تقديرها وربما يأتي مخرج آخر ليتفق معك في نفس النص، وهكذا أرى أن المسرح هو أبو الاختلاف ومنه ننطلق لنؤسس رؤانا ونقرأ واقعنا ونختلف باتجاه نص أو عرض مؤثر ومهم.
- ما هى عوامل نجاح المسرحية النص المسرحي المكتوب أم الإخراج الذي يقدمها للعرض على المسرح؟
- أولى بوادر التجريب في المسرح ظهرت على أيدي كتاب المسرح منذ الإغريق الى الآن، والانقلاب المسرحي الكبير الذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية جاء عن طريق كتاب مسرح اللامعقول وما زال هذا الأثر ماثلا ومؤثرا إلى الآن، حتى مسرح بريشت بدأ نصا مسرحيا ومن ثم انتقل إلى خشبات المسارح، ومن هنا تكمن أهمية النص المسرحي بوصفه المنطلق للتجريب في العرض المسرحي من قبل المخرجين، وكلما ابتعد بعض المخرجين عن النص تجده يعود إليه مرة أخرى لينهل منه، وأنا أرى بالتأكيد أن الكاتب والمخرج أحدهما يكمل الآخر رغم إيماني بأن النص المسرحي هو ملك (العرض) وليس الورق، ومن هنا على المخرج فهم آراء المؤلف في نصه والانطلاق بها إلى مناخات وفضاءات جديدة.
- هل ما زال المسرح اليوم وسيلة لتنمية وعي الشعوب وتثقيفها؟
- كنت مصرّا وما زلت أن المسرح خطاب وثائق إبداعية يمكن لها أن تكون مستقبلا وثائق مهمة للذين يريدون معرفة ما حدث في الماضي، على أقل تقدير تتوفر فيه نسبة كبيرة من الصدق لأن منتج الخطاب المسرحي بالضرورة مستقل بآرائه وبعيد عن ما هو سياسي، في نفس الوقت المسرح مهمته الأساسية طرح الأسئلة الكبرى التي تتعلق بكينونة الإنسان وسط عالم معقد ومضطرب ومليء بالفوضى والصراعات ونزيف الدماء اليومي، وينطلق المسرح من هنا ليكون محذرا ومعرّيا للواقع وكاشفا لما يحصل فيه من خلال زوايا قراءته المختلفة، وهذه واحدة من المهام التي ترى الحياة المسرحية مشغولة بها منذ قرون بعيدة.
-الكتابة المسرحية تختلف عن الكتابات الأخرى كالرواية والقصة والسيناريو المعد للأعمال الدرامية، فهل لها قواعد معينة لكتابتها؟
-الكتابة للمسرح واحدة من أصعب أنواع الكتابة، بدليل أن كتاب المسرح العربي وأعني هنا التجارب المهمة هم أقل بكثير جدا من كتاب الرواية والقصة والشعر، وللكتابة المسرحية قواعد بالتأكيد ولكنها ليست مقاسات كما يظنها البعض تجعله يعيش وسط قيودها ولا يمكنه التحرك للتمرد عليها، بل تلك القواعد يفترض أن تكون منطلقا للتجريب شكلا ومضمونا باتجاه نص يمثل مشكلات عصرنا ويستفز وربما يصدم المتلقي بآرائه وتصوراته لعالمنا.
ــ حضرت مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى والمعاصر فى دورته 25 كضيف شرف فما رأيك فى العروض التى قدمت فية وهل ترقى للمشاركة في مهرجان عالمي كمهرجان القاهرة التجريبي؟
- فرصة رائعة وفّرها لي مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر في يوبيله الفضي أن أكون متواجدا كضيف شرف فيه لكي أندمج مع ثقافات متعددة في هذا العالم الذي حوّله المهرجان إلى قرية صغيرة نشاهد ونلتقي ونناقش ونختلف ويرى أحدنا بضاعته المسرحية ونحدد مسارنا المسرحي بالنظر لتجارب الآخر، هذا المهرجان سوق مسرحي إبداعي على قدر كبير من الأهمية والجمال، شاهدنا تجارب من مختلف بلدان العالم واقتربنا معهم برؤانا وتصوراتنا للعالم وقضاياه المعقدة، وأشرنا بعروضنا العربية إلى همومنا وأحلامنا وتطلعاتنا وإيماننا بالسلام والمحبة كصورة مشرقة لبلداننا.
وبالتأكيد هذا المهرجان نموذجا مهما لحوار الثقافات المتعددة وعالميا في أطروحاته والنظر للمسرح بكونه خطابا إنسانيا بعيدا عن الجغرافيا. هناك عروض استفزتنا بمستوى تجريبها عربيا وعالميا، وتجارب مصرية أسعدتنا جدا بجمهورها المتنوع والمزدحم وهو دليل عافية هذا المسرح. حقيقة عدت إلى بلدي العراق حزينا وأنا أغادر مصر الحبيبة وهذه أول مرة يحدث لي مثل هذا الحزن، هو بلد تحتاج في كل لحظة أن تكتشف شيئا جديدا ورائعا فيه، كما أود الإشارة الى مستوى التنظيم المحترف لهذا المهرجان الذي يقف على هرمه الدكتور سامح مهران المواكب لكل صغيرة وكبيرة فيه مع فريق عمل من الشباب الرائعين.
- هل استطاع المسرحيون التجريبيون الوصول لمعنى واضح ومحدد لمفهوم التجريب ؟ وما هو مفهومه من وجهة نظرك؟
- بالرغم من المؤتمرات والندوات والمهرجانات الكثيرة التي بحث في مفهوم التجريب في المسرح ومنها القاهرة التجريبي.. إلاّ أن الأمر ما زال شائكاً ولا يمكن لنا الخروج بتعريف واحد له، بل دائما نختلف ونخرج من تلك المؤتمرات غير متفقين تماماً لكون المسرح أساسا كما أرى وعاء للاختلاف، وأظل متمسكاً برأي أن التجريب يبدأ من النص ويحفز العرض على تمثيل تجريبية النص.
وككاتب مسرحي أجد أن التجريب هو قدرة المؤلف على إيجاد زوايا نظر جديدة وصادمة في الكتابة للمسرح، وأعني هناك تحريك المسكوت عنه وجعله بارزا وفاعلا بعيدا عن التابوات التي زرعت في أدمغتنا منذ عقود طويلة من الزمن، وتلك المواضيع التي كانت مصدر خوف لمنتج الخطاب المسرحي هي التي ستكون الأرض الخصبة للتجريب داخل العرض.