القاهرة 05 سبتمبر 2018 الساعة 12:29 ص
د.خالد عبدالغني
ويستكمل المفكر مهدي بندق قوله :" وبهذا المنهاج الذي يزاوج بين ما هو واقعي وما هو أسطوري سيكولوجي يواصل خالد عبد الغني رحلته مع النماذج المختارة من أدب نجيب محفوظ ، فتراه يتلمس أوجه التشابه بين سفاح كرموز محمود أمين سليمان الذي راح يضرب في ظلمات النقمة وشهوة الانتقام وبين أوديب الذي مضى يجتر خطاياه في قتل الأب ومضاجعة المحارم بعد أن فقأ عينيه ليحيا في ظلام لا غش فيه ، ليكشف لنا (أعني خالد عبدالغني) عن سراديب الشخصية الروائية : سعيد مهران قاتل الأبرياء (بعمى بصيرته) والمظلوم في آن، والذي راح في النهاية يصرخ منادياً نور (لاحظ دلالة الاسم) تلك المومس "الفاضلة" التي أحبت مهران ولم يحبها هو لانشغاله بالمدنس ممثلاً في شخصية زوجته السابقة الخائنة.
وفي تقديري أن مؤلف هذا الكتاب قد تمكن من إلقاء الضوء على رواية "اللص والكلاب" المفعمة بالرموز ، والغنية بالدلالات السياسية والاجتماعية دون أن يسقط في فخ التسطيح المروج لفكرة القداسة النقية مقابل الدنس الخالص، وتلك مأثرة تضاف إلى رصيد جديته وجدته فيما كتب حتى الآن.
وينهي خالد كتابه بفصل عن رواية "بداية ونهاية" أراد له أن يكون بحثاً في سيكولوجية البغاء، لكنه مضى إلى بعيد إلى درجة اعتبار نفيسة بطلة الرواية بإطلاق ، وتفسير سلوكها المنحرف لا بالظروف المادية السيئة التي أحاطت بها وبعائلتها، بل برغبتها اللاواعية في أن تكون عاهرة محترفة ! وهذا ما لا أوافق عليه بحال من الأحوال. لكن اختلافي مع المؤلف في هذا الصدد لا يمنع غيري – ربما – من الاتفاق معه ، وهو ما ينبغي تركه للنقاد.
وبعده شاركت مع عدد كبير من النقاد في كتاب "نجيب محفوظ من الجمالية إلى نوبل" عام 2012، تحرير أسامة الألقي . منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب. وفي 17 مارس 2012 عقد المجلس الأعلى للثقافة ندوة لمناقشة كتابي " نجيب محفوظ وسردياته العجائبية " تحدث فيها الفنان التشكيلي عز الدين نجيب والروائي سيد الوكيل والروائي منتصر القفاش. وكان من طرائفها – الندوة - أنهم جميعا كانوا يظنونني من خريجي كلية دار العلوم، وأني حاصل على الدكتوراه في اللغة العربية والنقد الأدبي ، وأن موضوع الكتاب كان جزءاً من رسالة الدكتوراه، وأنها تمت تحت إشراف وتوجيه من أستاذ في النقد والبلاغة. وطبعاً أسعدني ذلك الظن، الذي تكرر كثيراً أيضاً عندما نشرت بعض الدراسات النفسية في الشعر المعاصر، وبعض القراءات الأخرى في الرواية العربية. وكنت في تلك الفترة أطلب من لجنة علم النفس بالمجلس الأعلى للثقافة عقد ندوة لمناقشة الكتاب ولكنها صنعت أذناً من طين وأخرى من عجين ، فجاءت ندوة لجنة الكتاب الأول بالمجلس الأعلى للثقافة - برداً وسلاماً على نفسي - بدون طلب مني فكانت وبحق حدثاً ساراً أبلغني به السيدة زينب عوض سكرتيرة اللجنة وزاد من سروري بشاشتها في كلماتها وتأكيدها على أهمية الندوة. وبعد صدور الكتاب وانتشاره كان مما أسعدني احتفاء العلامة الطلعة المتبتل في محراب التحليل النفسي العلامة الأستاذ الدكتور حسين عبدالقادر الذي أعلن ذلك الاحتفاء في أكثر من موضع، وقد بلغ به الاحتفاء حد اعتباري والناقد الراحل فاروق عبدالقادر خير من كتب عن "أحلام فترة النقاهة". وليس هذا فحسب بل يظن أني قدمت لعلم النفس ما لم يقدمه أغلب الذين يحتلون مواقع العمل بالجامعة وقد غلب عليهم كثرة النقل من المصادر دون تفنيد أو إبداع.
وفي إحدى طرقات معرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير 2014 سمعت صوتاً ينادي "يا صاحب نجيب محفوظ" وظننت أن صاحب الصوت يقصدني فتوقفت للسلام عليه وفعلاً صدق ظني وكان من دواعي سروري أن أعرف بذلك وأيضاً يسرني أن صديقي محمود مهدي الشريف يؤكد كلما جاءت الفرصة بأن ثمة شبهاً قد يجمعني في طريقة المشي أو الكلام أو بعض العادات مع نجيب محفوظ حتى صرت أردد "شيخنا نجيب محفوظ". وكتب الشاعر والمترجم والناقد الكبير مفرح كريم يقول "كنت أظن من كثرة ما كُتِبَ عن نجيب محفوظ أنه لم يعد هناك جديداً يقال حتى قرأتُ هذا الكتاب" - " نجيب محفوظ وسردياته العجائبية "- .
وبعد ،، فهذه كانت قصة دخولى إلى عالم نجيب محفوظ واستجابتي لنداهته. وبركاته علي من الزيزع والشهرة والانتشار فقد اقمت أيضا عدة حلقات تليفزيونية واذاعية حول نجب محفوظ واعماله .
وإذا ما كان حلم اليقظة بحسب تعريف "ستانلي هول" هو ضوء الشفق الذي ينبئ عن إشراقة الخيال، وإذا كان الخيال خصباً غنياً فإنه يستطيع إكمال كل نقص إذ يمنح الضعيف جسماً رياضياً ويهب السائل المعدم ثراءً عريضاً ، وهو بهذا الشكل ملكة للتعويض والتكميل ، وعليه فحلم اليقظة ممتع وسار وسهل لذلك يقدم نوعاً من الإغراء فيعيق العمل في الواقع ، ومن ثم يجب العمل على توجيهه وحسن استخدامه حتى لا يعترض نمو الشعور بالواقع ولن يتحقق ذلك دون فهمه ، وقد كنت طوال سنوات عديدة أحلم بقرءاة وتقديم النص المحفوظي كما فهمته – نسبة إلى نجيب محفوظ - تهدف إلى إضاءة النص وإبراز الجوانب التي تتعلق بالتحليل النفسي والأسطورة، حيث التعريف أولاً بالمفاهيم النفسية التحليلية التي تدور حولها القراءة وبعد ذلك تقديم التطبيق التحليلي للنص استناداً إلى تلك المفاهيم حتى لا تكون القراءة مجرد شرح وتفسير للنص بمجموعة من المفردات المغرقة في الغرابة كما يكتب النقد حالياً في أغلبه ما لم يكن كله. وأحياناً يسألنا البعض عن الفرق بين هذا التناول الحالي لأعمال نجيب محفوظ وما قدمه بعض الباحثين قبلنا؟ والإجابة باختصار حتى لا يتشتت القارئ أن أغلب من كتبوا تعاملوا مع النص المحفوظي مكمماً وبأرقام واحصائيات تبعدهم عن فهم جماليات النص وروح العملية الإبداعية لنجيب محفوظ، أو يكون لديهم قالب جاهز من التفكير باتجاه محدد فيطبقوه على ذلك النص المحفوظي أيضاً فيصبحوا كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. وإن لفخور بما قدمت حول الخطاب المحفوظي حتى الآن.