القاهرة 16 اغسطس 2018 الساعة 03:50 ص
باحثون يؤكدون على أنه لا وجود للنّقاء الحضاري والنّقاء اللّغوي باعتبار أنّ الحضارات تقوم على التّلاقح والتّراكم
فتحي بن معمّر ـ تونس
ببادرة من بعض المثقفين، وبتنظيم ن من جمعية جربة التّواصل فرع قلالة انتظمت صباح يوم الأحد 12 أوت 2018 الندوة السنوية الأولى حول الثّقافة الأمازيغية بقرية قلالة الأمازيغية بجزيرة جربة جنوب الجمهورية التونسية. وقد كان محور هذه الدّورة الأولى "الثقافة الأمازيغية الثّوابت والمتغيّرات"
وقد قامت الندوة على جلستين علميتين بعد كلمات التّرحيب والاستقبال والافتتاح التي انطلقت بكلمة السيّد جمال بن ميمون كاتب عام "جمعية جربة التّواصل" فرع قلالة حيث رحّب بالحضور وشكر كلّ من ساهم في تنظيم النّدوة ثمّ أحال الكلمة إلى السيّد لسعد الجاسوستي رئيس الدائرة البلديّة بقلالة الذي نوّه بعد ترحيبه بالحاضرين بأهميّة تنظيم هذه الندوات العلمية في خدمة الموروث الثقافي بالجهة ثمّ تقدّم بشكر خاص إلى الجمعية المنظّمة للندوة وللسّادة الأساتذة المحاضرين الذين بذلوا جهدا وتجشّموا مشاق السّفر لحضور النّدوة والمساهمة فيها.
ثمّ انطلقت الجلسة العلمية الأولى التي أدراها الأستاذ فتحي بن معمّر الباحث في الحضارة والمهتم بالدّراسات الأمازيغية حيث أوضح في بداية حديثة الغاية من بعث هذه النّدوة السنوية حول الثقافة الأمازيغية وهي تثمين هذه الثقافة في ربوعها والمساهمة في تطوير الدّراسات والبحوث حول الأمازيغية لغة وحضارة وثقافة كما بيّن الفلسفة التي قامت عليها النّدوة السنويّة الأولى باعتبارها دورة التأسيس حيث تمّ الاختيار على أن تتنوّع المداخلات إلى مداخلات تهتم بالتاريخ وأخرى بالحضارة والثقافة واللغة والأدب. وقد اختارت اللجنة المنظّمة أن تقدّم المداخلة الأولى قراءة للمشهد الأمازيغي في تونس ما بعد 2011، على أن تكون المداخلة الثانية حول بعض مظاهر الثّقافة الأمازيغية بالجزيرة من خلال تناول أسماء الأماكن فيها في دراسة طوبونومية ثم مداخلة جمعت بين التاريخ وعلم الآثار نبش فيها المحاضر في تاريخ قلالة القديم مبرزا سماتها الأمازيغية. في حين كانت الجلسة العلمية الثانية مخصّصة لثلاث مداخلات تتّصل بهذه الثقافة الأمازيغية بشكل مباشر حيث كانت الأولى بعنوان "الأمازيغية كفعل ثقافي" لتكون الثانية حول "خصوصيّة الثّقافة الأمازيغية" أمّا الأخيرة فقد رصدت بعض ملامح الثقافية الأمازيغة من خلال نصوص جمعت من الجزيرة.
بعد هذه المقدّمة المنهجية أحال مدير الجلسة العلمية الأولى ومنسّق النّدوة السيّد فتحي بن معمّر الكلمة إلى السيّد جلول غاقي النّاشط الأمازيغي الجّاد محلّيا ودوليا أصيل منطقة تمزرط ليتحدّث عن " الأمازيغ والأمازيغية في تونس بعد 2011" وقد استطاع باقتدار في حيّز زمني قصير أن يقدّم صورة واضحة المعالم عن الأمازيغية في تونس منطلقا من وضعهم قبل 2011 وما عانوه عبر التاريخ من تهميش وصولا إلى المرحلة التركية ثم مرحلة الحماية الفرنسية ثمّ مرحلة الدّولة الوطنية ثمّ قدّم صورة عن النشطاء والناشطين الأمازيغ في تونس وعن الجمعيات الثقافية الأمازيغية مؤكّدا أنّ الاجتماع التأسيسي الأوّل "للجمعية التونسية للثّقافة الأمازيغية" كان قد تمّ بدار الشّعب بقلالة ثمّ عرّج عن الصّعوبات التي تعترض النشاط الأمازيغي وعن التحدّيات المطروحة أمامهم ملاحظا أنّ الأمازيغ والأمازيغة في تونس ليست دعوة انفصالية ولا خطرا يهدّد وحدة المجتمع التونسي. ثمّ أُحيلت الكلمة إلى الباحث الجّاد الدّكتور المنصف بَربُو ليقدّم مداخلة بعنوان "أسماء الأماكن بجزيرة حربة بين التأصيل والتحويل" منطلقا من تنزيل الدّراسة في إطار البحث الطوبونومي ومن خلال توضيح مصطلحيْ التأصيل والتحويل حيث أوضخ أنّ اختياره لمصطلح التأصيل كان نتيجة اكتشافه أنّ الأسماء الأمازيغة إمّا أنّها أمازيغية بطبيعتها أو وقع "تمزيغها" في حين يمثّل التحويل عملية مقصودة لتغيير الأسماء إلى أسماء عربية أو إلى أسماء بلغات أخرى. وقد بيّن اعتمادا على مدوّنة تضمّ 143 اسما النسب المائوية للأسماء الأمازيغية والأسماء الممزّغة والأسماء العربية والأسماء المعرّبة والأسماء المنتمية إلى غيرها من اللغات مستنتجا أنّ الأسماء الأمازيغية مازالت تحظى بحضور وافر في جزيرة جربة. ثمّ فسح المجال للدّكتور سامي بن طاهر ليقدّم مداخلته بعنوان "قلالة في العصور القديمة؛ المجال والإنسان" وقد كانت المداخلة عبارة عن عرض شيّق بالصوت والصورة لنتائج سلسلة من الحفريات التي قام بها المحاضر في جربة عموما وفي قرية قلالة الأمازيغية بالأساس مستعرضا مختلف اللّقى التي عُثِر عليها بما يؤشّر للحضارات التي مرّت بالجزيرة وبقلالة مبرزا الحضور الكبير للحضارة الأمازيغية ولمخلّفات الإنسان الأمازيغي بالمنطقة.
بعد هذه المداخلة التي تفاعل معها الجمهور الحاضر فتح مدير الجلسة المجال للنقاش حيث توالت الأسئلة على جميع المحاضرين كما قدّم العديد من الحاضرين إضافات مهمّة فتحت مسارب جديدة للبحث والتّفكير ثمّ اختتمت الجلسة العلمية الأولى ليتواصل النقاش بين المحاضرين والحاضرين وبين بعض الحاضرين فيما بينهم أثناء فترة الاستراحة التي امتدّت 20 دقيقة.
إثر ذلك وحوالي الساعة 11.10 دقائق افتتح السيّد جمال بن ميمون الجلسة العلمية الثانية التي أدارها باقتدار ثمّ أحال الكلمة إلى الباحثة الشّابة فادية يحيى التي ألقت مداخلة بعنوان "الأمازيغية كفعل ثقافي" حيث رصدت مظاهر الثّقافة الأمازيغة في المجتمع التونسي وبعض المظاهر الثّقافية في الأنشطة التي تقوم بها العديد من الجمعيات. ثمّ أحيلت الكلمة إلى الباحث وليد بن عمران ليتحدّث عن خصوصيات الحضارة الأمازيغية مبرزا في البداية الخطأ الشائع عند بعض النّاس حول فكرة النّقاء الحضاري والنّقاء اللّغوي باعتبار أنّ الحضارات تقوم على التّلاقح والتّراكم مبيّنا بعض خصائص الحضارة الأمازيغية وبعض ملامحها في جزيرة جربة. وختاما أُسندت الكلمة إلى الباحث فتحي بن معمّر ليقدّم مداخلته "ملامح الثّقافة الأمازيغية بجزيرة جربة من خلال نصوص" وقدش بيّن من خلال مجموعة من النّصوص المنشورة من طرف عديد الباحثين "المُتبربرين" في أواخر القرن التاسع عشر ومن خلال نصوص معاصرة ملامح هذه الثقافة وخصائص عيش الأمازيغ بجزيرة جربة محقّقا متعة كبيرة للجمهور الذي اكتشف هذه النّصوص لأوّل مرّة. ثمّ فُتح باب النّقاش من جديد حيث تفاعل الجمهور الحاضر مع المحاضرات مُستفسيرين أو موضحين أو مضيقين بعض المعطيات وقد ثمّن العديد منهم مجهودات منظّمي الندوة وعمل المحاضرين. وقد كان حجم المتدخّلين كبير ممّا اضطّر مديريْ الجلستيْن إلى طلب الاختصار في التدخّلات ثم إلى الاعتذار عن عدم الاستجابة نطرا لضيق الوقت وانتهاء الوقت المخصّص للجلستيْن العلميتيْن. ثم اختتمت الندّوة بعد تقديم شهائد التّقدير والشّكر لكافة المشاركين فيها. وافترق الجمع على أمل اللّقاء في السّنة المقبلة في ندوة مغارية أو دوليّة حول الثّقافة الأمازيغة كما وعد السيّد فتحي بن معمّر منسّق النّدوة في بداية حديثه.