القاهرة 10 اغسطس 2018 الساعة 06:27 م
قراءة نفسية في رواية عتبات البهجة للروائي إبراهيم عبد المجيد
د.خالد عبدالغني
تجاوز أحمد - بطل رواية عتبات البهجة لإبراهيم عبدالمجيد - الخمسين عاماً وهو يعمل مديراً في إحدى الجهات الحكومية، ماتت زوجته منذ ست سنوات، يخرج بالليل وصديقه حسن للمشي على النيل والتسكع في الطرقات والجلوس في حديقة صغيرة لشرب الشاي وتعرفا خلال تلك الجولات على بائعة الشاي وابنتها التي كانت مطلقة لأن زوجها مصاب بالجنسية المثلية، ولأحمد صديقة اسمها دنيا تعمل مدرسة ومتزوجة ولها بنت واحدة، تعرف عليها بسهولة في إحدى ندوات حقوق الانسان وأخذ يمارس معها الجنس مرة كل أسبوع دون أي تردد منهما، وعرفته دنيا على صديقتها فادية التي كانت متزوجة من رجل شاذ جنسياً وكانت تمارس السحاق مع دنيا فيما سبق، وفجأة تنتحر دنيا بعد أن عاشر أحمد صديقتها فادية أمامها، ويصاب بالحزن لموتها، وكان أحمد مصاباً بمرض القلب ويجري الكثير من الفحوص والأشعة ويتناول العديد من الأدوية طلباً للعلاج، واقترح حسن أن يشتري كلباً وشاركه أحمد شراء كلب أيضاً ولكنهما في النهاية يعطيا الكلبين لرجل عاطل عن العمل ليربيهما ويتاجر بهما.
وتتجلى قمة الأزمة لدى أحمد بعد أن انتحرت "دنيا" ليس حزناً عليها ولكن لافتقاده معاشرته فلم يكن يربط بينهما سوى المتعة المحرمة وبهائها فهي تخون زوجها وتنتقم منه وتشبع رغبتها نتيجة سيطرة الهو Id عليها وضعف الأنا الأعلى Super Ego لديها ، ويظهر ذلك في نوبة من الهذيان والخيالات التي تكشف عن حقيقة دنيا لديه ( لا تزيد عن كونها جسداً يشبع به نهمه وسنوضح ذلك في فقرة قادمة ) نلاحظ حدوث ذلك في سرادق العزاء وسماع أيات القرءان فيقول : “خلاء وصحراء، وامرأة عارية تجري نحوي على الرمال، والشمس خلفها تضيء جسدها وتشعل النار في عيني، حتى إذا وصلت المرأة إلى حضني ذبت فيها وذابت فيَّ وصرنا شعاعا راح يدور فوق الرمال بسرعة صانعا إعصارا صغيرا لكنه سريع، ابتعد كثيرا في الصحراء ثم عبر المدن، ورأيت نوافذ البيوت والعمارات تطل منها نساء عاريات وتصدح في الشوارع الموسيقى ويقف الرجال تحت البلكونات تلقي النساء إليهم بالورود وهم يصرخون بقصائد الشعر، ثم ملأ الفضاء صوت موسيقى نحاسية في كل مكان، وبدأ عرق يتفصد على عنقي من شدة الزحام والحر الخانق. وكان المقرئ قد انتهى، فوقف حسن يشدني من ذراعي وأنا ذاهل عنه حتى صافحنا المستقبلين. لم أنتبه إلى أن الذي شد على يدي بقوة هو زوج “دنيا” الباكي الحزين الذي بدا ممتنا جدا لشخصين غريبين يعزيان في زوجته المنتحرة التي عزف الكثيرون عن التعزية فيها.” … لقد ظهر لي أني كنت في حلم وانتهى، أو كنت أقف على محطة ولم يتوقف عندها القطار، أو توقف وركبت إحدى عرباته فوجدتها خالية، كنت أشعر بهواء يجري في رأسي. لقد مر عليَّ موكب غريب واختفى، فهل ستظل سيدة الموكب تخايلني كثيرا؟"(الرواية).
أما كيف تعرف أحمد على "دنيا" ؟؟ فإن في ذلك ما يؤكد نزوعه إلى ممارسة الجنس فقط ( جسد المرأة لا أكثر) ، فبعد أن حضر الندوة حول حقوق الإنسان يقول :
" أخرجت من جيبي ولاعة ثم أشعلت لها السيجارة التي كانت لا تزال ترتعش في فمها. كانت السيجارة الثانية وهي معي في السيارة في طريقنا إلى الشقة السرية ارتعشت هذه السيجارة أيضا في يدها ثم في فمها ولم تستطع إشعالها .
هل تعرفين السيدة التي صرخت في الندوة ؟
سالتها بهدوء .
أجابت .
لا .
قررت أن أكون صبورا وباردا أتحمل كل مظاهر تمنعها حتى لو ضربتني! كنت في حاجة إلى امرأة تلك الليلة. لذلك لم أر شيئا من جمالها، لا عينيها العسليتين ولا شفتيها المكتنزتين، كنت في حاجة إلى أي امرأة. وكانت السيجارة الثالة ونحن في الفراش بعد أن انتهينا "(الرواية ).
ولعل الاقتران بين الطريقة التي تعرف بها أحمد على دنيا والسيجارة حيث كانت الأولى في الندوة والثانية في السيارة والثالة في الفراش مما يرشدنا إلى القول الشعبي الشائع بأن المرأة مثل السيجارة وهذا أيضا مما يؤكد رؤيتنا لنظرة أحمد لدنيا.
وفي عتبات البهجة يوجد الانحراف الجنسي في شكل زنا الزوجات عند "دنيا" ويتصف البناء النفسي لدى الزوجة الزانية بأنها صاحبة ميول عدوانية وهنا يصف أحمد دنيا قائلاً:" في الحقيقة بدت لي دنيا متجردة من الرحمة لقد بكت فادية وهي تتكلم" (الرواية).
وتتميز دنا بضعف الأنا و فشله في التوفيق بين إشباع الهو والأنا الأعلى والواقع في الوقت ذاته، والبناء النفسي يخضع لمبدا اللذة متجاهلاً مبدأ الواقع ويدل ذلك على اتجاه المرأة للحصول على اللذة وتجنب الألم دون مراعاة لمقتضيات الواقع ويصفها الراوي بقوله :" دنيا تصلح درسا لكل النساء ، تعرف أنه لا حياء في الجنس ، دنيا حالة وحشية مفتوحة مسامها كلها على الشهوة " (الرواية).
هذه هي دنيا الزوجة الخائنة تهفو للجنس بكل قوتها، وتقول دنيا حين تنصح فادية بممارسة الجنس دون أي اعتبار لمبدأ أو مراعاة لقيمة :" قلت لها أن تمارس الجنس كحق طبيعي لها، أن تختار من الرجال من تشاء، أن تكف عن نظرتها لهم باعتبارهم ذئاب "(الرواية).
وكثيرا ما تصف الزوجة الزانية زوجها بالأنانية والسيطرة والشذوذ الجنسي، ولقد عبر الكاتب عن ذلك حينما كانت دنيا تصف زوجها :" تقول عنه أنه بارد واناني وبخيل و"بروطة" رغم انها تقول عنه أنه فكه يحب الدعابة" (الرواية)، وفي الحقيقة تأتي صورة الزوج المسالم والأنثى المتسلطة جدا بوضوح في حالة زوج دنيا عندما كان في سرادق العزاء :" المستقبلون ثلاثة بينهم شخص قصير أصلع بدا لي الأكثر حزناً،،(الرواية). والحزن لا يكون إلا من شخص مسالم وطيب؟
ودنيا كانت تمارس العلاقة الجنسية مع غير الزوج بكفاءة عالية (كما قرر أحمد عن دنيا) لأنها كبتت الشق الوجداني مع زوجها ونشط في الوقت ذاته الشق الشهوي لإمتزاجه بالشق الوجداني في علاقتها بشريكها، وهنا نجدها وقد اصبحت تحقق معه متعة متناسية واجباتها الزوجية والأسرية، فقد رفع الكبت عن الشق الوجداني ثم تم كبت جميع مصادر الخوف والخجل والقلق المصاحب للعلاقة غير المشروعة .
أما انتحار دنيا فنرى أنه فعل نفذته هي لرغبة أرادها أحمد في لاشعوره ( فالحقيقة النفسية أن الذي تمنى أو أوحى لشخص ما بفعل ما إنما في حقيقة الأمر مشارك له بل يعد الفاعل الأول من الوجهة النفسية) ولهذا نجد أن انتحارها كان بعد أن استفحل مرضه بالقلب وأصبح من الصعب أن يجمع بين العقاقير المنشطة جنسياً والعقاقير الخاصة بعلاج القلب ومن هنا فقد أدرك صعوبة استمراره في معاشرة دنيا المعاشرة التي كانت تجعلها حريصة على مصاحبته، وبدأ يتأخر عن مواعيده معها، ويجد صعوبة في اتمام العملية الجنسية، وبدأت دنيا تصاب بنوبات من الإكتئاب نتيجة بعده عنها ، فأخذ أحمد يفكر في مشاهدة أفلام تشجع على الإنتحار لفتيات يعشن انحرافات جنسية مثلها- يقنع أحمد نفسه بأن هذا الفيلم لكي يكشف سر العلاقة السحاقية بين دنيا وفادية ولكن في اللاشعور شيء آخر - ومن ثم تهيأت نفسياً للانتحار، وفي تلك الليلة التي مارس الجنس مع صديقتها فادية أمامها كان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد فَجَّرَت تلك الممارسة الجنسية رغبتها الكامنة في الانتحار، ورغبته هو أيضاً في التخلص منها للصعوبات التي سيواجهها معها لاحقاً وتعالوا بنا نقرأ المقاطع التالية : " هل الانتحار صعب؟
هكذا سألتني دنيا فجأة بعد أن دخلت سيارتي وأشعلت أول سيجارة . كنت أهملت الإتصال بها في الأيام الأخيرة ، وهي من عاداتها ألا تتصل . لم تعاتبني على هذا الإهمال ولم تسألني عن السبب . كنت أنوي أن أحدثها أنني خفت أجمع بين أقراص النيتروماك ريتارد وبين الفياجرا فأموت ، لذلك حاولت الابتعاد عنها أكبر وقت ممكن .
أجبت :
الانتحار سهل، لكن المسافة بين الرغبة في الانتحار والانتحار نفسه هي الصعبة جداً.
قالت بحدة:
لكن الذين انتحروا نجحوا في قطعها بسهولة" (الرواية).
ثم انتحرت دنيا بعد ذلك المشهد.