القاهرة 04 اغسطس 2018 الساعة 11:06 م
قراءة / صفاء عبد المنعم
مرواية " للكاتب سمير فوزي التي صدرت مؤخرا عن الهيئة العامة للكتاب(2018 )
من القطع المتوسط، وهى تحتوى على 152 صفحة تقريبا، تدور أحداث الرواية فى منطقة (المصانع) بشبرا الخيمة وهى منطقة مليئة بالسكان من الريف والصعيد والذى جاءوا للعمل فى منطقة المصانع.
تدور أحداث الرواية فى فترة تمتد من قبل 1952 عندما جاء جلال الدين الفوال من القرية بصحبة أم صالح هاربا من الماضى الذى يريد أن ينساه، خاصة بعد وفاة أمه، ووفاة أبيه على سريرها، ثم اختفاء الجثة، وغرق أم زكية فى الرشاح.
تبدأ الرواية بأن هناك راوى، يتحدث عن وجود رائحة أشياء قديمة لا تستطيع مبخرة الشيخ (شحات) أن تقضى عليها.
ما هذه الرائحة؟
شخصية الفوال الكبير شخصية أسطورية، حولها أقاويل كثيرة، فهو الجد الكبير لعائلة الفوالة.
هناك من لم يراه أبدا، وهناك من رآه مرة أو مرتين من أحفاده.
(علينا يا إخوانى أن نعلم أننا وإن كنا لا نعرف بعضنا البعض رغم صلة القرب بيننا جميعا أن هذا خطأه، لأنه شتتنا بعناده ورأسه الناشفة).
المتحدث يقصد بهذه الجملة الفوال الكبير.
الجميع يطمع فى البيت الكبير الواسع، يظهر جلال الفوال الجد فجأة (خطف أبصارهم بعكس ما توقعوا، رأوه عفيا منتصبا، يمشى على قدميه دون عكاز ولا يستند على أحد) الفوال الكبير يهزم توقعات أحفاده.
شخصية تختفى بأسطوريتها وسطوتها وغموضها.(قال لهم بلهجة آمرة عندما مر بجوارهم: ورايا) كل منهم مشغول بما يخصه فى البيت، فهو لا يهمه أكثر من ذلك.
(أدهشهم قدرته على استدعاء الجميع، رغم تفرق السبل جاءوا فى أذهانهم صورة البيت الذى طالما سمعوا عنه، وعن الخلاف المزمن بين جدهم جلال الدين الفوال وآبائهم)
بيت الفوال بيت أسطورى غامض، يستمد سطوته القوية من أسطورة وسطوة الفوال الكبير.
بيت الفوال هو الأقدم، أول بيت بنى فى هذا المكان الذى كان مجرد زراعات واسعة.
نعرف من خلال السرد أن الفوال عندما جاء إلى القاهرة بصحبة أم صالح وهو عمره حوالى 16 سنة، وعاش معها فى بيت واحد، ثم أعطته عربية الفول التى كانت ملك أبيها بالنصف، ثم وسوس له الشيطان وطمع فى المكسب.
حدث هذا أثناء قيام الضباط الأحرار بثورة 23 يوليو 1952 ، تعشق أم صالح الرئيس محمد نجيب وتحزن يوم استبعاده عن الحكم فى 54 وتغلق على نفسها الباب، ولا نعرف عنها شيئا بعد ذلك سوى من زيارة جلال لها ورؤية القطط حولها، ثم تلقى ببؤجة أمه فى وجهه وتطرده من البيت.
فى الفصل الأول
يبدأ بالتعرف على عائلة الفوال المنتشرة فى كل مكان، وأسطورة البيت، وأسطورة الشخصية، جلال الفوال ظهر غامضا، ثم ينتهى الفصل بموت الفوال الكبير(الحاج جلال مات وبيقول لكم انسوه) هذه الجملة تأتى على لسان الشيخ الشحات.
الفصل الثانى
كابتن بيومى أبو جريشة، الشخصية الحيوية والمتنامية على مدى عدة فصول، فهو يعشق كابتن على أبو جريشة نجم النادى الإسماعيلى، ويدافع عنه بحب شديد، ويورد الأطفال الموهوبين فى الكرة للأندية، ويقيم الدورة الرمضانية ويشرف عليها بنفسه.
يقول عن نفسه (أنه يعيش بركاوى لا يحمل للدنيا هما، لا يفكر إلا فى يومه، ويتمنى الموت واقفا فى الملعب) وهناك ثلاثة تهم تلقاها كابتن أبو جريشة من بناته دفعة واحدة.
- إنتَ مش دراى بالدنيا.
- إنتَ على نياتك.
- إنتَ طيب قوى يا بابا.
حبه الشغوف للكرة، واكتشاف المواهب، ثم تأتى أم ياسر وتزاحم الكرة فى حبه، بعد أن حكت قصتها عن نادر أبو ياسر، وهروبه، ولا تعرف مكانه إلى الآن، ومع ذلك هى على العهد معه، ولن تخونه.
موت الشاويش ربيع مجاهد الفوال على مصطبة جده بعد خروجه من الجيش بعار شديد والفخ الذى نصبه له الشويش خميس ورفده من الجهادية بسبب ذلك المرض اللعين كما أشيع بين الناس.
وهناك شخصية مصطفى ياسين ابن ياسين الكبير، وسيد ياسين الذى اتهم بقضية رشوة ثم خرج منها وأصبح نائبا فى البرلمان، وكان يشترى أصوات الناخبين الصوت ب 200 جنيه. وتوفى فى السجن بتهمة الزواج من قاصرات بعد أن راجت تجارته المهربة من بورسعيد ثم فتح سنتر الهدى لملابس المحجبات واطلق لحيته.
وشخصية معتز الفوال الذى تسلل إلى إسرائيل ودخلها، وأخذ الجنسية وتزوج امرأة فلسطينية من عرب 67 ، وطرده الفوال الكبير من صلاة الجنازة، ومجاهد الفوال الذى توفى فى حرب أكتوبر 73 .
نلاحظ أن العار يلاحق عائلة جلال الدين الفوال منذ البداية.
حكاية أبيه التربى مع أم زكيه فى الترب ليلة وفاة زوجته.
حكاية ربيع مع حنفى العبيط، ثم مع الشاويش خميس وطرده من الجيش.
(ظلت الأسئلة عالقة فى ذهن جلال الدين على مدى عمره الطويل، هل كان من حقه أن يفعل بأبيه ما فعله؟ هل يملك أحد سلطة معاقبة جسد فارقته الروح وإن كان عاصيا تفوح منه رائحة النجاسة) خروج جلال الدين من القرية ليلا بعد اختفاء جثة أبيه من البيت وموت أم زكية بسقوطها فى الرشاح، ويأخذ ملابس أمه فى بؤجة ويخرج).
ستظل هذه اللعنة (النجاسة) تطارد العائلة، حتى هو عندما حاول أن يتلصص على ملابس أم صالح الداخلية، ثم طرده من البيت.
فهو يقع بين طردين، طرده من البلد ليلا وهروبه، وطرده من بيت أم صالح بعد خلع محمد نجيب من السلطة.
النساء فى الرواية يقعن بين الشريفات مثل أمه الطيبة الحنون، وأم صالح الجريئة التى خطبت المواولجى وتزوجته وأم ياسر التى تنتظر زوجها نادر حتى يعود.. والوقحات مثل أم زكية وبعض نساء القرية، وأم آية زوجة الكابتن أبو جريشه التى ترافق خطيب ابنتها آية.
فى نهاية الرواية نتعرف على شخصية (الشيخ الشحات) وكيف أنه كان يقلد صوت عبد الباسط عبد الصمد، ويحفظ بعض الصور فقط، وعندما طلب منه الممثل الشهير قراءة سورة مختلفة هاج وغضب وخرج من جامع عمر مكرم سريعا حتى لا يفتضح أمره، ثم يصاب بفيرس فى الأحبال الصوتية ويتوقف عن قراءة القرآن. ويعيش مع الفوال الكبير حتى وفاته، وأصبح يكتب له فى دفتر اليومية جميع مذكراته، ويكتب له الفوال نصف البيت الكبير، ويوصيه على جلال الصغير.
الرواية تبدأ بالشيخ الشحات وجلال الفوال الكبير، وتنتهى بالشيخ الشحات ورعايته للفوال الصغير، وخوفه من هدم مصطبة الفوال التى أصبحت محطة رئيسية.
من خلال عدد 152 صفحة يجول المبدع سمير فوزى فى جنبات الرواية سائحا فى الزمن عبر حقبة عريضة ومهمة وحيوية من تاريخ مصر، فنتعرف على ثورة52 ثم حرب أكتوبر73، وأحداث يناير 77 انتفاضة الحرامية كما أسماها الرئيس، ثم سفر الرئيس أنور السادات إلى إسرائيل وغضب الفوال الكبير وحزنه على دم ابنه مجاهد الذى ضاع فى حرب 73 ، ثم نتعرف بعد ذلك على ظهور الإخوان فى انتخابات مجلس الشعب، وتنتهى الأحداث تقريبا فى عام 2010 أى قبل أحداث يناير 2011 وكأنها كانت تريد أن يقفز القارىء بذهنه داخل هذه الحقبة الغنية بالأحداث والتقلبات بين الملكية ومجلس الثورة والجمهورية وتوالى الأحداث بعد ذلك.
(اكتشف أن ليس لديه من الأسرار ما يخبئه للقادمين، كل ما ظل يخفيه فضح، الشىء الوحيد الذى لم يكن يعرفه سوى الحاج جلال ودفن معه هو أنه هو من جز ذكر حنفى العبيط أسفل الشجرة، حتى هذه سجلها فى دفتر الفوالة أما باقى حياته فقد عرفه الجميع).
بهذه الخاتمة البليغة يبلغنا الكاتب أن كل شىء كان غامضا وسرا فى حياة الفوال الكبير كتب وفضح وعرف.