القاهرة 22 مايو 2018 الساعة 10:52 ص
هـنـاء زيــادة
لم ننته بعد من الزوبعة التي أحدثتها ألعاب الموت، التي تطارد الأطفال والمراهقين بين الحين والآخر، والتي من أبرزها حاليا لعبة الحوت الأزرق، وألعاب أخرى كان لها مخاطرها مثل "البكيمون" و"لعبة مريم". حتى ظهرت مؤخراً لعبة جديدة، تهوس الشباب، وتثير المخاوف من أن تتحول هى الأخرى إلى لعبة من ألعاب الموت لدى الشباب والمراهقين.
تبدأ قصة تلك اللعبة مع اختراع الأمريكيّة (كاثرين هيتنجر) في عام 1993 لعبة بسيطة بهدف إسعاد وتسلية ابنتها المصابة بمرض اضطراب المناعة الذاتيّة، ومن ثمَّ تهافت الناس على اللعبة بشكلٍ كبير، فقدّمت كاثرين طلب براءة اختراع لتلك اللعبة، وحصلت على براءة الاختراع في 1997م، وبعد 8 سنوات، لم تتمكّن هيتنجر من تجديد براءة الاختراع لأنّها لم تعد تملك المال، ففقدت حقّها فيها في 2005 م ومن بعد ذلك، قامت شركة صغيرة بإعادة تصنيع اللعبة بسبب إفادتها لذوي الحركة المفرطة وقصور الانتباه والمصابين بالتوحّد، كما أنّها ملائمة للراغبين بالتوقّف عن عادةٍ مثل الهز أو أكل الأظافر، إنها لعبة الـ (سبنر) ، وتمسى أيضا (فيدجت سبينر) !
مؤخراً وجدت بعض شركات الألعاب أنّ هذه اللعبة رائجة كثيراً وتمتلك مواصفات المنتج المربح، بسبب انخفاض تكلفة تصنيعها، والطلب الكبير عليها، فبدأت الحملات التسويقيّة لها على نطاق واسع بدعوة الناس لشرائها، مدعيةً فائدتها بإزالة التوتّر والقلق وخصوصاً لدى فئات الموظّفين، أو من يتعرضون للضغوط اليومية في عملهم وحياتهم، بالرغم من ذلك أصبحنا نجد الأطفال والمراهقين في مختلف المراحل العمرية قد اصبحوا مهووسون بتلك اللعبة، بعضهم أصبح شديد التعلق بها، حيث أصبح يحملها دائما معه، لدرجة أن بعضهم صار يهمل دراسته، واخذ يلعبها في جميع الأوقات تقريبا، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تدني وتراجع مستواه الدراسي، ويثير هذا الأمر القلق بسبب ان هذه اللعبة قد استحوذت على اهتمام الشباب والمراهقين اذ بدأوا ينشرون مقاطع تعليمية على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك واليوتيوب، توضح كيفية عمل هذه اللعبة بتفاصيلها الدقيقة، وكيفية زيادة سرعتها.
ولعبة الـ (سبنر) عبارة عن أداة بسيطة بحجم كف اليد، في داخلها اثنين أو ثلاثة من المحاور على شكل دائري، وعادة ما يكون غلافها من البلاستك الملون الجميل، وأحيانا من المعدن، وكل ما عليك عمله هو وضع الابهام والسبابة في وسط مركزها، ثم ادارتها لتبدأ بالدوران بكل رقة وسلاسة مصدرة حفيفا هادئاً وممتعاً، وبالرغم من أن هذه اللعبة قد أصبحت مصدراً للربح الوفير للشركات، حتى انها تصدرت قائمة المبيعات في موقع "أمازون"، إلا أنها لم تعد بأي فائدة لمخترعتها الأساسية (كاثرين هيتنجر)!
من المعروف أن الألعاب تؤثر بصورة ايجابية أو سلبية على الأفراد، لكن ما هو واضح من ألعاب العصر الحديث أن أغلبها تكون ذات سلبيات أكثر من الايجابيات، فبعد لعبة (البوكيمون) التي أصابت الشباب والمراهقون بالهوس ذات يوم، واستحوذت على اهتمام الشباب والمراهقين لفترة طويلة جدا، بعد انتشارها كتطبيق مجاني على الهواتف المحمولة، لكن الشغف بها تراجع بالتدريج نتيجة ظهور العاب اخرى ونتيجة الاقاويل التي كانت تزعم ان اللعبة تتجسس على لاعبيها وتحدد اماكن وجودهم وحركاتهم، ألان وبعد أكثر من ربع قرن مرّ على اختراع لعبة (سبنر) التي تحوّلت وبسحر ساحر الى هوس اجتماعي مخيف، لاسيما وأنها كثيرة الأشكال والأنواع، بل ان الكثير من المراهقين صاروا يفضلون الانشغال بها على حساب هواتفهم المحمولة، أسباب كثيرة تمّ استعراضها لتسويق هذه اللعبة، بعضها ربطها بمرضى التوحد، فيما البعض الآخر بالإفراط الحركي، أما الحقيقة فهي مغايرة تماماً واقتصرت على هدف ترفيهي، فتلك الالعاب ليست فيها فائدة للفرد كما تدعي الشركات التي تصنعها وتروجها، ولا تساعد على اكتساب المعلومات والأفكار بل تعمل على اضعاف البصر والتسبب بتقلب المزاج وشد الاعصاب، بدلاً من تخفيف الضغوط كما يدعون.
فبعض التقارير تتحدث عن أن هذه اللعبة على بساطتها قد تكون مضرة بالدماغ البشري، لانها تشتت تركيز الذهن وتستنفذ طاقته، وغالبا ما تسبب الصداع لاسيما لمن يمارسها لمدة طويلة، كما تؤدي بلاعبها الى الانعزال والابتعاد عن الاختلاط بأقرانه ما يولد مشاكل في التواصل الاجتماعي. وقد نشرت مؤخراً صحيفة (أوغسبرغر ألغيماينه) الألمانية تقريراً يوضح مخاطر تلك اللعبة وتحديداً النوع الضوئي الجديدمنها، فقد اعتبرت هذه اللعبة غير آمنة بسبب وجود خطورة ابتلاع أحد الأزرار أو بطارية الشحن الموجودة بوسطها من قبل الأطفال الصغار، مما قد يؤدي إلى إصابات داخلية خطيرة، فضلاً عن المكونات السامة التي تحتويها، ونظراً للمخاطر المحيطة بهذه اللعبة، فقد ضبطت الشرطة الجمركية الألمانية حوالي 35 طناً من هذه اللعبة المستوردة من الصين، بعد أن اعتبرتها غير آمنة ومنعتها من دخول البلاد وتعهدت بإتلافها. فإلى متى ستظل مثل هذه الألعاب تسيطر وتتلاعب بعقول الشباب والمراهقين، وتضيغ أوقاتهم بلا أدنى فائدة؟!