د. هويدا صالح
للآن لا أصدق ولا أستطيع أن أتصور أن الشاعر والباحث والمثقف المستنير محمد أبو المجد قد رحل عن عالمنا هكذا ببساطة، وأن الغد سيأتي دون أن أقرأ تدويناته الصوفية المكثفة والمفعمة بالوجد والتي دأب على كتابتها منذ فترة تحت عنوان ثابت" صوت الروح". حين بدأ كتابتها منذ ما يزيد عن الشهر وشعرت أن محمد قد دخل مرحلة إبداعية جديدة يملؤها رحيق جديد من الإنصات للروح والترقي في معارجها. وصارت قراءة هذه التدوينات بصفاء لغتها ودلالاتها النفسية عادة يومية. لم
أكن أتصور أن يمكن أن تكون هذه الكتابة إشارات نفسية ترسلها روح محمد أبو المجد من مكان ما عميق وبعيد لا نعرف لأن نتصوره، لكن تلك الروح التي كانت تعرف أنها ستبدأ رحلة روحية لا يمكن قياسها أو استيعابها بأدواتنا الدنيوية، كانت تلك الروح ترسل إشاراتها المضمرة، لتقول لنا وداعا، لتخبرنا أنها راحلة عن دنيا مليئة بالضعة والرخص والدناءة.شغل محمد أبو المجد مناصب عديدة في الهيئة العامة لقصور الثقافة، بداية من سكرتير تحرير مجلة الثقافة الجديدة مع الكاتب الراحل العظيم سامي خشبة، ثم مدير النشر في الهيئة ، ثم مدير عام الثقافة، وأخيرا رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، وفي كل هذه المناصب المتعددة كان محمد أبو المجد مثالا للمثقف الذي يفهم دور المثقف العضوي في فهم الرسالة الثقافية، وفهم رسالة الهيئة( الثقافة الجماهيرية). لم يقصر محمد أبو المجد في توصيل الخدمة الثقافية إلى مستحقيها، ولم تعرض عليه فكرة ثقافية إلا تحمس لها وطبقها فورا. آمن بأهمية التنوير في مقاومة الخرافة والشعوذة والأفكار المتطرفة، ونشر في وقت توليه عشرات الكتب التي تشتغل على الهوية الثقافية المصرية، وانتصر لمفهوم الدولة المدنية العصرية.
ودخل أو لأكون دقيقة أُدخِل معركة حامية الوطيس بين رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة وقتئذ ، الدكتور سيد خطاب والدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق في ذلك التوقيت، ظُلم محمد أبو المجد في معركة لم تكن محايدة ولا نزيهة، ولم تكن من أجل الفعل الثقافي بقدر ما كانت اختلاف سياسات بين وزير ومرؤسيه، وأُقصي محمد أبو المجد على أثرها من منصبه الأخير الذي تولاه وهو رئاسة الإدارة المركزية للشئون الثقافية. شعر محمد أبو المجد بالتخلي والخذلان من المثقفين الذين راقبوا المعركة صامتين دون أن يكتب أحدهم منددا بأصحاب السلطة والسطان في وزارة تعني بالفعل الثقافي في المقام الأول. أشهد أني لم أقف صامتة . كتبت وفضحت تلك الممارسات التي لم تكن نزيهة، وأشهد أني فعلت ذلك ليس لأن بيننا تاريخ إنساني وثقافي يمتد لسنوات طويلة ولكن انتصارا للحق الذي كنت أتصور . لم يمر وقت طويل حتى انبته محمد أبو المجد أنه قصر كل التقصير في حق مشروعه الإبداعي، حيث عرفناه شاعرا ومحققا للتراث. أصدر محمد أبو المجد ديواني شعر وحقق أكثر من كتاب تراثي، وهذا قليل جدا بالنسبة لشاعر بدأ معنا في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، حيث أخذه العمل الثقافي من مشروعه الشخصي، وحين أقصي عن هذا العمل شعر بالخيبة والخذلان والتخلي، وأن الوقت سرقه، والعمر مرّ دون أن ينجز ما يحق له إنجازه كمبدع بدأ قبل عقدين مشروعه الإبداعي. اُغتيل محمد أبو المجد يوم أن وقع ضحية حرب ذوي السلطان، وليس يوم أن ضربه سائق طائش في شوارع مصر الجديدة، فهل تنتبه وزارة الثقافة التي أكلت عمر محمد أبو المجد وصحته إلى مشروعه الإبداعي وتعيد طبع ما كتب من شعر ومسرح وتحقيق تراث؟!!