القاهرة 26 سبتمبر 2017 الساعة 10:10 ص
بقلم : صلاح صيام
الأمة العربية تمتلك تراثا ضخما وكنوزا غالية من مؤلفات العلماء الإجلاء الذين كتبوا تلك المؤلفات فى العديد من الفنون والعلوم ، وكان لهذه المؤلفات الد
ور الكبير فى إقامة صرح الحضارة والمدنية فى ربوع بلادهم ، وإثراء حياتهم فى فترة مهمة من فترات التاريخ فماذا حدث؟
تطلع الغرب إلى تلك الكنوز وتمكن - فى فترات الضعف التى أصابت المسلمين- من الإستيلاء على الكثير منها ونقلها إلى بلاده ، ولقد تنبه المسؤلون إلى أهمية التراث وضرورة المحافظة عليه من الضياع ، وخاصة المخطوطات التى خرجت من أيدينا إلى البلاد الأوربية ، وقامت بعض الجامعات بتشجيع طلابها للعمل فى المخطوطات وترحب بالرسائل العلمية فى هذا المجال ، وهناك الكثير من الجهات التى تهتم بهذا الأمر مثل معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية ، ولكن تبقى هذه محاولات فردية ، ونحتاج إلى خطة عربية شاملة تعنى بالكنوز الضائعة.
وتراثنا الوطنى يضم عنصرين أساسيين متكاملين لا يغنى أحدهما عن الآخر ، الأول التراث المادى والمتمثل فى المساجد والقلاع والحصون والمدارس والمشافى والأسبلة وغيرهامن المقتنيات الفنية تبقى شاهد حيا على إسهامنا فى تقدم الحضارة الإنسانية وتطورها فى مختلف العصور ، ويتمثل العنصر الثانى فى الثراث الفكرى الذى خلفه أسلافنا فى مختلف مجالات العلم والأدب والفن ويتجلى ذلك واضحا فى مئات الالوف من المخطوطات العربية القابعة فى المكتبات العربية على إمتداد العالم كله ، طبع القليل منها ، وبقى الجزء الاكبر مجهولا يحتاج إلى الرعاية والإهتمام .
وقد شهد الدور المصرى تراجعا ملحوظا فى تحقيق التراث فى الوقت الذى كان فيه المستشرقون يعملون بجد وإجتهاد فى هذا المجال طوال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ، قاموا بذلك لصالح أوطانهم بداهة، ولغايات مختلفة إستعمارية واقتصادية أو عسكرية أو دينية ، ومع الصحوة المصرية التى بدأت مع بداية القرن العشرين تكونت مدرسة علمية لها ملامحها فى تحقيق التراث , بلغت قمتها فى خمسينيات القرن الماضى ، وعرف من علمائها الأجلاء الشاكران محمود وأحمد وعبد السلام هارون ومحمد أبو الفضل إبراهيم وعلى البجاوى ، وقام هؤلاء بتحقيق مئات الكتب المخطوطة على نحو علمى دقيق أكد مكانة مصر العلمية والثقافية .
ومع الحروب الشرسة التى استهدفت مكانة مصر الثقافية منذ أواسط القرن الماضى بدأ هذا النشاط ينكمش فى الوقت الذى ازداد فيه اتساعا ونموا فى أمكنة أخرى من العالم العربى ، وهاجر كثير من المحققين المصريين إلى تلك البلاد لسخاء مكافأتها ، وخفت النشاط المصرى وتلاشت هذه المدرسة الجليلة بعد رحيل جميع معلميها .
فهل نعيد أمجاد الرواد الذين بذلوا الغالى والنفيس فى المحافظة على تراثنا ، ونكمل المسيرة حتى تعود مصر لسابق عهدها منارة العلم والمعرفة؟