القاهرة 19 سبتمبر 2017 الساعة 12:43 م
بقلم: حسين عبد العزيز
نحن نعيش في جو غامض غير واضح وعدم الوضوح جعلنا غير قادرين على أن نتخيل ما سوف يؤول إليه حالنا في هذا الوطن العربي – مداخله (التخيل فلسفه قائمة بذاتها. وقد وضع الفيلسوف الوجودي جان يول سارتر كتابا يوصل فيه لتلك الفلسفة في كتاب اسمه (التخيل).
? ومن هذه المداخلة سوف نؤكد على أن ما أصيب المجتمع العربي من غموض ومن ألا معنى ولا فهم يرجع لعدم وجود فلسفة من أي نوع في تلك البلاد التي كانت بلاد فالفلسفة تعني التعجب أي تبدأ عملها من التعجب وتنتهي بإزالة التعجب .
? فمنذ أن توجه صدام حسين بجنوده إلى الكويت محتلا وغازيا ومخربا وهو لا يدري ولا يتخيل أنه بتلك الفعلة الشنعاء قد قام بدق أول مسمار في نعش العرب وأصبح الغرب يتسابق فيما بينه لكي يكون له السبق عن الإعلان عن وفاة العرب كما تساءل شاعرنا الكبير (نزار قباني) الذي رحل قبل أن يرى ويسمع إجابة على تساؤله.
? فكل ما يحدث في الوطن العربي يوجع القلب ويجعل الفرد يتمنى ألا يعيش تلك اللحظة السوداية التي ماتت فيها الثقافة ميتة نتمنى من الله ألا تطول حتى نتمكن نحن العرب من النهوض الكارثة التي حلت علينا ولا احد سمى علينا (كما نقول بالمصري).
? فلو كان صدام حسين لديه جزء بسيط من فلسفة التخيل ومقدار معقول من ثقافة الأمس وحسن قراءة اليوم أي الواقع الذي كان يعيش فيه لما كان وقع في تلك الحفرة السحيقة ثم أحسن تخيل الغد لأن تلك الحفرة كانت البداية في فك عقد العرب ولو كان كنا كلا في موقعه يحس فهم الماضي ويقرأ الواقع بطريقة سليمة لتخيل نتائج أفعاله التي سوف يقدم عليها وما قيل عن صدام يقال عن الاخوان وما فعلوه في مصر وفي أنفسهم وهم لا يشعرون وهذا كله يعود إلى نقص الثقافة بمعنها الشامل ونقص الثقافة أي من عدم المقدرة على القراءة الصحيحة لأن القراءة بالنسبة للإنسان مثل زيت محرك السيارة بالضبط فلو تخيلنا خطورة تحرك السيارة وموتورها ليس به زيت لعرفنا خطورة عيش الانسان وليس في رأسه ثقافه.
? في تلك المحطة يجب أن نقف بعض الوقت لكي نحاول بقدر الاستطاعة أن نفهم من أين أتى الخطر الذي يخفنا جميعا.
? منذ بضع سنوات أنني شاب تخرج حديثا من كلية الطب وسألني سؤال شلني وجعلني لا أقدر على الحركة لعدة لحظات وأنا أحدق في وجهه محاولاً الفهم لأنه طلب مني أن يكون مثقفا.
? وهذا يعني أنه تخرج من كلية وهو لم يمارس أي نوع من أنواع الثقافة من قراءة، أو كتابة شعر، أو خواطر، أو قصة... أو مقال.. أو حتى خطاب غرامي، فهل الخطأ هنا في المكان الذي تلقى فيه العلم أم الخطأ في السادة الذين عملوا على حشو رأس الطالب بهذا العلم بعيدا عن حسه على تحصيل مقدار معين من الثقافة.
? أم في البيئة التي يعيش فيها الطالب ولا تبغي شيئا غير أن يحصل ابنها على الشهادة أم في المسجد الذي يصلي فيه.
? بالطبع الكل مسئول عن ما نحن فيه من فقر ثقافي يهدد حياتنا بالضبط مثل الفقر المائي.
? لأن الخلل بدأ من البيت الذي لا يمكن أن فيه كتابا ثقافياً.. أو حتى جريدة يتعود الطفل على رؤيتها في بيتهم ومن ثمة يتولد لديه احساس غريزي بالتحرش بتلك الكتب ومن ثمة يبدأ في التعاطي معها قراءة وفهمًا وشراءً.
? ثم الجامعة التي لم تعد تهتم ابدأ بهذا النوع من النشاط وركزت فقط على ما يدر الأموال.
? ثم نصل إلى المسجد الذي لا يساهم في تثقيف الناس لأن الخطيب في ذاته ناقص ثقافة ولا يعي أي ماهية لدوره الذي يجب أن يمارسه بكل همه ونشاط – لأنه يساهم في أجيال سوف يقع على عاتقها مسؤولية كبيرة ، فأما أن تبحر بالوطن إلى بر الأمان أو تتركه يغرق في بحر الظلمات... وأن حديث ذلك فلن نجد وطننا أخر يقبل أن نعيش فيه بكل ما فينا من عيوب.
? ونتيجة لذلك أصبحنا نجد من يرى ما يتعرض له الوطن على أنه شيء عادي وقد نبهنا (برخت) لخطورة هذا عندما قال (تنتهي الأوطان عندما يشعر المواطن ان حدوث الشيء الغير عادي بأنه عادي).
العرب قيمة وليسوا ظاهرة
? نعم العرب كانوا قيمة علمية وأدبية واجتماعية وثقافية منذ أمد بعيد وإلى الآن.. لكن هناك محاولات جبارة لطمس تلك الحقيقة لكي تبقى الحقيقة بعيده وغير واضحة للأجيال الوطن العربي لكي تبقى تلك الأجيال تشك دائما وأبدا في وجودهم وقيمتهم المادية الملموسة ولكي يبقى الغير هو الأفضل والأحسن ومن ثمة يرتكن الجميع إلى تلك الحقيقة إلى أن تنتهي الحياة ومن ثمة يوقف الصراع ما بين الأمم من حيث الأفضلية العلمية والأدبية والثقافية.
? ونفهم من تلك السطور السابقة الآن أن القوي يعمل جاهدا على أن يبقى هو القوي إلى الأبد ولكي يبقى هكذا فعليه أن يبقى في سعيه في التطور والسير إلى الأمام. ويكره الآخر (الذي هو نحن) في التقدم والنظر لا يجب أن يمارسه الرجل المؤمن وبما أننا متأخرين فقد أعجبنا هذا الرأي وهذا التفسير لتأخرنا.
? مع أن رأي بن خلدون مهم للغاية في تلك النقطة الذي يوضح لنا فيه (أن المنهزم يقلد المنتصر) أي رقم (2) يقلد رقم (1) أي الفاشل يقلد الناجح – أي الضعيف يقلد القوي – أي الفقير يقلد الغني.
? ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا يعمل الآخر لكي نبقى هكذا أو يبقى التفوق من نصيبه والسيادة تبقى له ومن ثمة يفرض ثقافته وفهمه للأشياء وما على الضعيف إلا التقليد والسمع والتنفيذ أن كان يريد العيش أي العالم يسير والعرب تعوي ونتيجة لذلك أصبحت العرب تكره العلم والعلم يعني الغد... مع أن ديننا الحنيف يحسنا على طلب العلم والتعلم دون هوادة حتى لو كنا في أواخر أيامنا وقد ساهم الغرب في تشويه صورة العلم... بأن أوحى للذين لا يفهمون أن العلم والعلمانية ضد الدين.. فخفنا نحن من ذلك وابتعدنا عن العلم والعلمانية على أمل أن نبقى قريبين من الدين .. فخسرنا كل شيء ولا أمل في شيء أن لم نعد إلى العلم وكان هو اسلوب حياة ورسولنا الكريم محمد ? يقول لنا ويوضح ليعلمنا ويحسنا على طلب العلم (ليس منا إلا عالم أو متعلم) وهذا يعني أن المسلمين فريقين لا فريق ثالث.. فريق عالم وفريق يتعلم – أما يوجد بيننا في آخر الزمان فريق لا يفهم فريق لا يشغل عقله.. ولا يتعقل الأمور التي تقابله في حياتنا فهو ليس منا وأيضاً يوجد بيننا في آخر الزمان (لأن اللي باقي من عمر الزمان مش قد اللي عدا) ويوجد من لا يقرأ ولا يكتب فأنه سوف يحاسب على هذا لأن رسوله أمره ويأمره ويحسه على التعلم أي يكون متعلم أو منتج علم.
ما الفخر إلا لأهل العلم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم اعداء
? هكذا وصف ولخص سيدنا علي بن أبي طالب مأساة العرب فهم جاهلون ومن ثمة يخافون العلم... والعلم يعني نور والنور يخاف منه من لا يقدر أن يرى في النور كما الخفافيش وهل نحن بعد هذا العمر الطويل نبقى خفافيش – وبعد هذا وبعد عملنا ايه رسولنا الكريم وما أجوده علماء العرب من علم نور وتقدم ساهم فيما فيه الغرب الآن وأن يكون حالنا هكذا مأساوي... للغاية .. ويبدو أنه لا أمل في النجاة .. من هذا الظلام الذي عشش في عقولنا بأن خلقنا لنموت .. كما أكد هذا أحد خطباء المساجد.
? وأصبح العلم منبوذا .. غير معترفا به يبتعد عنه الناس بقدر الاستطاعة مع أن سيدنا علي وضح لنا أهمية العلم وان يكون المسلم لديه علما.
(ففز بعلم تعيش حيا أبدا
الناس موتى وأهل العلم أحياء)
? وكما كانت الفتنة الكبرى لحظة فارقة في حياة المسلمين.. فأن فوز فريق الامام الغزالي على فريق الامام ابن رشد.. حيث كانت الصدارة للنقل ووقف العقل عند محطة النقل وعدم تشغيل العقل في أي مسائلة مهما كانت خطورتها وأهميتها بحجة أن العقل غير مؤهل لذلك.. فإن كان العقل غير مؤهل لذلك.. فما هو المؤهل أذن ..
? ومن هنا حرقوا مؤلفات ابن رشد واسرعوا إلى مدرسة النقل والتقليد آخذين الغزالي لا على درجة واسموه حجة الإسلام وهو الذي رفض العقل ورفض مقدرة العقل على معرفة الحقيقة وإدراكها.
? ومن تلك اللحظة أخذ قطار التقدم العربي في الرجوع إلى الخلف محدثاً حوادث مهولة... وترجع العقل العربي وتقوقع على ذاته... وأصبح هم الناس الشكل وليس الجوهر.. أي تحول الدين إلى مظاهر شكلية وتدين مظهري والتركيز على الملبس الجلباب والنقاب واللحى.
? وقبل أن أمضى إلى حال سبيلي أتساءل لماذا اليهود أقوى من المسلمين مجتمعين – ونعيد التساؤل ونقوله بصورة أوضح لماذا إسرائيل أقوى من العرب مجتمعين – إنه العلم ولا شيء غير العلم.