القاهرة 18 يوليو 2017 الساعة 02:24 م
يصدر قريبا عن دار إفريقيا الشرق كتاب " مازغان.. المدينة التي عبرت المحيط الأطلسي، للباحث لوران فيدال، وترجمة الباحث المغربي سعيد بلمبخوت،
وهو كتاب يكشف أسطورة المدينة التي تقع في قلب الشبكة، في إقليم دكالة، ما بين طنجة وأغادير. تلك الوضعية في الوسط كان لها مزيتين طبيعيتين: الخليج الذي تقع فيه مازغان يعتبر كنقطة آمنة للرسو على طول الخط البحري للمغرب. ومن ناحية أخرى، فإن منطقة دكالة تعتبر من أغنى المناطق الفلاحية بالمغرب: كان قمحها قد وصلت شهرته خلال الاحتلال الروماني. وبعض المؤرخين قد ذهبوا إلى القول بأن مزاغاو كانت محطة لبورتيسريبيتيس الذي أثارها بطليموس في خريطته.
مع أول سفينة برتغالية تصل إلى ذلك الموقع وذلك سنة 1502، تم ملاحظة وجود برج صغير للمراقبة في حالة خراب (تسمى البريجة). في سنة 1509، أمر ملك البرتغال بتشييد قلعة مربعة، بأربع أبراج، ومن بينها برج البريجة شرقا. وقد تم عهدُ الحكم لما سمي بالقصر الرئاسي(Castello Real) لمارتيمأفونسو(Martim Afonso). والخمسة والعشرون من الفرسان و مائة من المشاة تحن امرته من أجل حماية القصر لم يكونوا في حاجة لمجابهة جيوش شريف مكناس، مولاي زيان، ويتعين بسرعة هجر القلعة. وفي سنة 1514، بعد أن تمكنوا من أن يكونوا أسيادا بمدينة أزمور، رجع البرتغاليون إلى المنطقة وعززوا دفاعات القصر، والذي أصبح يسمى: مازغان. وهذا الاسم له أصول أمازيغية، مازيغن، وتعني: " ماء السماء"، مصطلح يستعمل في المنطقة للإشارة الى الآبار المخصصة لتجميع مياه الأمطار.
لكن وبسرعة تطورت الحالة السياسية في المنطقة: لقد قام شرفاء مختلف القبائل، مولاي محمد بفاس، مولاي أحمد بمراكش ومولاي محمد بمدينة تارودانت، ليعلنوا الحرب المقدسة من أجل طرد البرتغاليين من أرض الإسلام. وفي الوقت الذي بدأت فيه العديد من الأماكن المستعمرة تتعرض للتهديد أصبحت حركة التموين سواء من حيث الرجال والمئونة غير منتظمة، لدا قام الملك دوم جواو الثالث(Dom Joao III) باقتراح على المجلس، مغادرة العديد من القلاع المغربية من أجل تركيز القوات بمازغان (1534). ولا ننسى هنا بأنه في تلك الفترة كان كل اهتمام العاهل البرتغال موجه نحو البرازيل بحيث أرسل سنة 1530 صديقه الوفي مارتيم أفونسو دو سوزا للسهر على الخطوات الأولى لتوطين البرتغاليين بالبرازيل. لم تكن تمويلات المملكة كافية، وديمغرافية البرتغال لا تسمح لها القيام بعمليات واسعة جغرافيا على جبهات متعددة. لذا قرر الملك دوم جواو الثالث المغادرة شيئا فشيئا العديد من القلاع. وهذا ما وقع سنة 1550 بإخلاء أزمور، القصر الصغير وأصيلا.
هكذا بدا الحصار...وتنفتح أسطورة مازغان. لقد قاوم المزغانيون بكل أوتوا من قوة، استعدادا للعيش تحت القصف المستمر. محاطون بالخنادق والحواجز التي أقامها الجنود المغاربة، ولم يتبقى لسكان مازغان غير مخرج واحد- باب البحر، مفتوح على البحر يسمح بدخول الرجال والمئونة، بين القلعة ولشبونة. لقد عرف السكان والجنود أصعب أيامهم من جراء الحرمان، لكنهم ظلوا مصرين على الصمود مهما كلف الأمر. وشيئا فشيئا بدأت حدة الحصار تخف، بسبب العدد الكبير من القتلى في صفوفهم. حينما قرر ابن السلطان، مولاي محمد برفع الحصار، وذلك بتاريخ 07 مايو، كان عدد قتلى جنوده يقدر بخمسة وعشرين ألف. وفي جهة البرتغال، قتل فقط 98 جنديا و19 مدنيا.
وذلك الصمود سيعتبر كفترة حاسمة في الدفاع عن المسيحية. وذلك لأنه ليس فقط في الحواشي حيث يقوم التهديد بل هناك أيضا حالة من عدم الاستقرار على الصعيد الداخلي حسب أطروحات لوتر وكافان. حينها كان جان انجيلو دي ميديشي منشغلا بالمفاوضات مع قنصل مدينة ترينتْ الايطالية، للاحتفال بالانتصار على "الكفار". لقد كان انتصار مازغان صفقة كبيرة ! فرجل الدين والشاعر البرتغالي ارندري دو ريزند(André de Resende) كتب شعرا ملحميا باللاتينية احتفاء بنصر أولئك الجنود الشجعان: " De bellomazagonico" . مستوحات من مقطوعة أسخيلوس، الفُرس، قصيدة موجهة للأعداء كتحذير للمورو: "ابناء الاسلام، خلفكم معارك حيث الرؤوس تتدحرج بين أرجلكم." بعد سنوات يقوم الشاعر اليسوعي انطونيو لوببز بدوره كتابة قصيدة ملحمية: بخلاف من سبقه، الذي لم ينشر خارج الحدود البرتغالية، فقصيدة"(مازغان الجميلة) لأنطونيو لوبيز سوف تصل إلى غاية روما ! لقد كانت مازغان إذن فخرا للبرتغاليين. فصيت شجعانها سيفسح الطريق للمسيحية: لوحدها وحدت الجميع (من الجندي البسيط حتى النبيل) ستتكفل بدفع كل التهديدات. ومع تلك الأبيات الشعرية الملحمية، يتعين إضافة العديد من النصوص والرسائل، بالإضافة إلى إحدى الصور المعبرة عن الحصار: تم نشر رسم جميل لحصار مازغان من طرف البرتغال، من الدعاية لمقاومة مازغان وبطولة البرتغاليين[...].