القاهرة 23 فبراير 2017 الساعة 10:31 ص
مضي أكثر من أسبوع علي اللقاء الأول في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي. دونالد ترامب. ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ولا تزال الكتابات والتعليقات بل والأخبار عن اللقاء تتوالي. خاصة في الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية. التي تحدثت عن اللقاء قبل أن يتوجه نتنياهو إلي العاصمة الأمريكية. وأثناء وجوده فيها و"أسرار" الاجتماع. ووقائع المؤتمر الصحفي المشترك. وما أعقب هذا. وما تضمنته الزيارة من حفاوة غير عادية برئيس الوزراء الإسرائيلي وزوجته.
المهم في هذا كله هو تباين وجهات نظر المحللين والمعلقين السياسيين لنتائج الزيارة. وما يمكن أن يترتب عليها بعد أن تخلي الرئيس الأمريكي علناً وصراحة عن "حل الدولتين" للصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي. وحتي هذه النقطة الأساسية في كلام ترامب في المؤتمر الصحفي المشترك لم تكن موضع اتفاق كامل بين الإسرائيليين من صحفيين وإعلاميين ودبلوماسيين وسياسيين وحزبيين. واتفقت غالبية هؤلاء علي أن الرئيس الأمريكي خاض في قضية لا يعرف تفصيلاتها ولا خفاياها.. مع ذلك لاحظ "ناحوم برنياع" قبل اللقاء أنه جري الإعداد له وسبقته اجتماعات وزيارات قام بها رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية "الموساد" والقائم بأعمال مستشار الأمن القومي. اللذان زارا واشنطن مرتين أو ثلاث مرات قبل وصول نتنياهو.. وفي أعقاب هذه اللقاءات "تبلورت موافقات خطية. يتلوها ترامب من الورق".
وقال الكاتب نفسه "ترامب يرتجل. والأخطر من ذلك أنه يتخبط. ليس لإدارته بعد سياسة خارجية واضحة. السياسة تترنح مثل سائق سكير بين مستشارين مختلفين. وبأفكار متضاربة وآراء متناقضة. القاسم المشترك الوحيد هو التطلع إلي التغيير. إثارة الانطباع والضجيج" "يديعون أحرونوت في 13 فبراير الحالي".. وبهذا الخصوص أشار "براك ربيد" في "ها آرتس ــ 15 فبراير" إلي أن زيارة المسئولين الإسرائيليين لواشنطن تركزت علي البحث في الشأن الإيراني مع الجنرال مايك فلين. مستشار الأمن القومي لترامب. الذي استقال في يوم وصول نتنياهو إلي واشنطن. وقد أعد جيداً للملف الإيراني. في غمرة الاستقالة وآثارها. لم يعرف أحد تأثير غيابه علي ما تم أو لم يتم بحثه من هذا الملف.. علماً بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي قال في اجتماع "الكابينت" أي مجلس الوزراء المصغر. قبل مغادرته إلي واشنطن: "لا مفر من وضع التهديد الإيراني علي رأس سلم الأولويات. حتي لو كان هذا علي حساب البناء في المناطق ــ أي الأراضي الفلسطينية المحتلة" "يديعوت 13 فبراير".
تباين واختلاف
ولكن يبقي هنا رصد التباين والاختلاف بين كبار الصحفيين الإسرائيليين حول الموقف الذي اتخذه ترامب من "حل الدولتين".. مثلاً. كتب "ناحوم برنياع" في يديعوت في 16 فبراير. أي بعد اللقاء والحفاوة والمؤتمر الصحفي: "السهولة التي ألقي بها ترامب إلي سلة المهملات بعشرات السنين "هكذا!!" من التأييد الأمريكي لحل الدولتين. لا ينبغي أن تصدمنا.. فبطريقته التبسيطية الفظة. وضع الإصبع علي جوهر المشكلة: إذا كان الطرفان يريدان دولة واحدة فليتفقا علي دولة واحدة. إذا كان الطرفان يريدان دولتين. فليتفقا علي دولتين. لا ينبغي لأمريكا أن تعلمهما ما هو خير لهما.. لو كان يعرف قليلاً لأدرك أن الطرفين اختارا عملياً الاحتمال الثالث: ألا يتفقا. فقد تحدث له نتنياهو أمس عن التنازلات العظيمة التي هو مستعد لأن يقدمها من أجل السلام. وهو مجيد في هذه القصص".. علي العكس من هذا. ذهب "حامي شيلو" في ها آرتس ــ 17 فبراير. إلي أنه "يمكن القول إن تأبين حل الدولتين لا يزال سابقاً لأوانه. حتي لو لم يكن لإسرائيل والولايات المتحدة سبب للتظاهر بالسعي إلي إقامة دولة فلسطينية فإن الدول العربية الراغبة في السلام الإقليمي شكلياً ستهتم بالتفكير في ذلك. صحيح أن ترامب بدا متفاجئاً بسبب طرح المفهوم من جانب نتنياهو. بل وتحدث عن السلام الإقليمي كفكرة جديدة. يرجع هذا إلي عدم وجود معلومات لديه. وهذا الأمر جديد بالنسبة له.. بالتأكيد هو يعتقد أن "اتفاق أوسلو" "الفلسطيني ــ الإسرائيلي" يرتبط بالتنقيب عن النفط من قبل النرويج في بحر الشمال. صحيح أن الدول العربية ترغب في التقرب من إسرائيل. والحصول علي إعجاب ترامب بسبب مواقفه المتشددة من إيران. ولكنها لن تنضم إلي مبادرة سلام جديدة. دون ورقة التين الفلسطينية. الأمر الذي سيعيد حل الدولتين إلي الحياة.
وباختصار. إذا كان صحفيو اليمين الصهيوني قد رحبوا بسعادة بنبذ ترامب لحل الدولتين. واعتبروا إشارته الهينة. اللينة بشأن الحد من الاستيطان ضوءاً أخضر للمزيد. بما في ذلك ضم الضفة الغربية المحتلة. فإن صحيفة "ها آرتس" وصفت الخروج علي حل الدولتين بأنه "يقود إلي منزلق سلسي لا تحمد عقباه" كما أشارت في افتتاحية 17 فبراير إلي "فكرة الضم تتضمن منح مساواة في الحقوق للجميع. وبالتالي فإن معناها هو التخلي عن الفكرة الصهيونية" التي هي أساس إنشاء إسرائيل.
نصيحة لأمريكا أولاً
معني هذا أن ترامب إذا تخلي فعلاً عن حل الدولتين. فإنه قد يقوم بإغراق إسرائيل. في حين يظن أنه ينقذها. علي النقيض من هذا. رأي الكاتب الإسرائيلي "ميخائيل بريزون" في خطاب وجهه إلي الرئيس الأمريكي "ها آرتس في 14 فبراير" أن إنقاذ إسرائيل من نفسها له طريق آخر. عبر عنه بأن لديه نصيحة يريد تقديمها لها: "نصيحة تساعدك علي إظهار الولاء والالتزام بالوعد الأساسي الذي تعهدت به في الانتخابات: أمريكا أولاً.. لا للمزيد من تمويل الدول الأجنبية أو رعايتها وتسليحها وتدليلها.. من الآن فقط. أمريكا أولاً.. لهذا أقدم لك اقتراحي: سِر وراء شعارك. وحرِّر نفسك منا. حرِّر أمريكا من عبئنا.. توقف عن تمويلنا ورعايتنا وتسليحنا وتدليلنا.. امنح المال لأمريكا. هل يبدو هذا دراماتيكياً؟!.. ليس فعلياً.. الحقيقة هي أنكم لستم بحاجة إلينا".. "موقع أمريكي". هذا كلام فارغ. بدوننا سيكون حالكم أفضل.. "أصدقاء حقيقيون".. هذه الصداقة أحادية الجانب "ديمقراطية وحيدة". هذا مضحك.. إسرائيل أصبحت منذ زمن ثيوقراطية عسكرية. باختصار. نحن في نهاية المطاف. ونُكلِّف. ولا حاجة إلينا.. إذن قم بتخليص نفسك من وحلنا. خذ المال واهرب"!!
وإليك الفائدة من ذلك.. "أولاً: ستثبت لناخبيك أنك تفي بوعودك. أمريكا أولاً بالفعل.. ثانياً: ستسر مؤيديك اللاساميين. "لن يعرفوا أنك عملياً تقوم بإنقاذنا".. وثالثاً: يمكنك منح الصناعات العسكرية الخاصة بك 3 : 4 مليارات دولار.. رابعاً: بعد التوقف عن الوقوف من ورائنا مثل الأزعر المأجور. والمنضبط. سنضطر نحن إلي الخروج من الوحل. صدقني. عندما نكون وحدنا لن نبقي هناك هكذا. قد نعود أخيراً إلي رشدنا. وتكون أمريكا من جديد هي الأولي.. وأنت ستُسجَّل في كتب التاريخ كزعيم أنقذ الشرق الأوسط من الوضع الصعب.. هل رأيت يا سيدي الرئيس؟!.. خطوة بسيطة جداً.. والجميع سيستفيدون"!!
بين النجاج والفشل
بأي مقياس يمكن تحديد مدي نجاح أو فشل أول لقاء بين الرئيس ترامب ونتنياهو؟!.. سؤال طرحه كُـتَّاب إسرائيليون عديديون من اتجاهات مختلفة. وذهبوا في غالبيتهم إلي أمرين. الأول: "ترامب تحدث في قضايا لم يدرسها جيداً. وليس حوله مستشارون مرموقون".. والثاني: "أنه إنسان متقلب. ينقض اليوم ما قاله أمس. وقد ينسف غداً ما قاله اليوم".. ولكن نتنياهو أشاد بمبالغة بصداقة الرئيس الأمريكي وقال: "35 سنة وأنا في هذه المدينة. واشنطن.. صدقوني هذه هي الإدارة الأكثر وداً لإسرائيل. التقيت في أثناء حياتي عدداً غير قليل من الرؤساء. وأقول لكم بمسئولية: لم يكن لإسرائيل صديق أكبر من الرئيس ترامب.. هذا يوم جديد في علاقات إسرائيل والولايات المتحدة.. تكاد لا تكون هناك تقريباً مجالات لم ننسجم في الرأي. بحيث إذا كان ترامب يريد أن يدرس موضوع المستوطنات المحدد هنا. فإن مصلحتنا الوطنية تستدعي بذل هذا المجهود".. وقبل الإقلاع من واشنطن قال مصدر في حاشية نتنياهو: إن إسرائيل والولايات المتحدة ستبلوران في أقرب وقت آلية للحوار مع البيت الأبيض حول البناء في المستوطنات بهدف الوصول إلي تفاهم. وحين يحدث هذا. وحين تتحدد هذه الآلية للحوار والموقف من الاستيطان بشكل محدد. عندئذي يمكن الحديث فعلياً عن نتائج لقاء ترامب ونتنياهو. وعن السياسة التي سينفذها الرئيس الأمريكي. الذي كان قد أرسل إلي رام الله مبعوثاً التقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقد أصدرت الرئاسة الفلسطينية بياناً بعد لقاء ترامب ونتنياهو ومؤتمرهما الصحفي. أعلنت فيه الاستعداد للتعامل بإيجابية مع إدارة ترامب لتحقيق السلام.
ولم يحدد البيان علي أي أساس يقوم هذا الاستعداد. ومتي وكيف؟!.. إن ملابسات لقاء ترامب ونتنياهو والشهادات والشواهد المتناقضة حوله. والأخطار المتزايدة لأي خطوة استيطانية في أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة تنبه إلي ضرورة الاهتمام بعامل الوقت في عملية التسوية بوضوح يجب ألا تكسب إسرائيل سنوات أخري من الزمن في ظل محاولات تقوم بها أمريكا ترامب.
أياً كان الرأي في الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. ومساعيه لتحقيق تسوية. إلا أنه في النهاية أتاح لإسرائيل فرصة من 8 سنوات ثمينة استغلتها في تحقيق أهدافها.. وهي في الحقيقة أهداف واضحة منذ بدء الاحتلال في يونيه 1967. وتحددت أكثر بعد اتفاق كامب ديفيد في 1978. وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي عندئذي "سايروس فانس" بقوله في مذكراته: "أصبح واضحاً عند رئيس الوزراء مناحم بيجين. أوضح من الوضوح. أن حكومته الائتلافية ــ تكتل الليكود ــ قد عقدت العزم علي إعلان حقها في ضم الضفة الغربية. والممكن غزة. وعدم الموافقة علي انسحاب قواتها من هذه الأراضي".. وفي مقاله في ها آرتس ــ 17 فبراير. قال الكاتب الإسرائيلي "شلومو تسيزنا" إن نتنياهو تذكر هذا الأسبوع لقاءه قبل سنتين مع جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي السابق. حيث أوضح أنه لن يتنازل أبداً عن السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية. وأضاف شلومو أنه في اللقاء المغلق بين ترامب. كرر نتنياهو علي سمع ترامب المبدأ الذي قاله أيضاً لأوباما في لقائه الأول: "أريد اتفاقاً نزيهاً مع الفلسطينيين.. وقبل كل شيء الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود في حدودها".. ثانياً: "إسرائيل ستبقي وستسيطر في كل المنطقة لضمان أمنها".. نتنياهو قال ذلك. وترامب صدقه.. فأين النزاهة في هذا الحل؟!!.. واسلمي يا مصر.