القاهرة 02 فبراير 2016 الساعة 12:54 م
في كل أزمة من أزمات العالم العربي الكثيرة والمتنوعة يتساءل كثيرون اين مصر ؟ وهذا ليس ما نتوقعه من مصر ؟ وان مصر لها دور ثابت ومهم باستمرار ولماذا تراجع الآن ؟
ولقد ازداد طرح هذا السؤال بعد ثورة 25 يناير 2011 ؟ ثم تجدد مرة ثانية بعد ثورة 30 يونيه 2013. وكنت أسأل نفسي لماذا يرهقوننا بدور مصر في كل مناسبة، ألم يفكر من يسأل السؤال من هذه الدولة الشقيقة أو الصديقة وأين دور بلاده وماذا قدمت هي لمثل هذه الأزمات؟ وماذا قدمت هذه الدولة أو تلك لمصر ؟
وأنا أراجع نفسي في مناسبة العام الميلادي الجديد وجدت أن دول مجلس التعاون الخليجي وبخاصة السعودية والإمارات والكويت والبحرين قدمت الكثير لمصر في السنوات العجاف التي أعقبت ثورة 30 يونيه والقوي الغاشمة التي جندت نفسها للشيطان الاكبر والاصغر والاقليمي والدولي في حين أن هذه الدول ظلت وفية لمصر مقدرة لدورها وهو ما يقدره كل مصري منصف في نظرته للدول العربية الشقيقة، كما قدمت دول مثل الكويت والاردن ومصر ولبنان وؤربما دول عربية أخري مساندة سياسة و أدبية كبيرة ليست فقط لمصر بل لقضية اللاجئين من الدول العربية المجاورة لها
ولقد وقع في يدي كتابا يحمل العنوان الذي اخترته لهذا المقال ، للأستاذ فتحي خطاب الكاتب السياسي والصحفي القدير يحلل فيه هذه القضية باستفاضة عبر التاريخ ولن نستعرض الكتاب لضيق المساحة ولكن اشير الى مجموعة من الملاحظات
الأولى: إن الكتاب استعرض دور مصر في قراءة تاريخية سريعة ولغة وأسلوب سلس وجذاب لا يستطيع من يبدأ قرأته ان يتركه دون الانتهاء منه
الثانية: إن الكتاب ركز في معظم صفحاته على عناصر القوة المصرية غير المنظورة أو ما نسميه بلغة السياسة " عناصر القوة المصرية الناعمة " وهي الثقافة والسياسة. وفي نفس الوقت لا أن يتجاهل القوة الخشنة وهي العسكرية المصرية ودورها عبر العصور
الثالثة : يحلل المؤلف قضيتين هامتين .. الأولى "الدور والوظيفة" والثانية "الدور والقيادة". وهما في تقديري من أخطر القضايا التي تواجهها مصر ناهيك عن أية دولة أخرى. فالدور يختلف عن الوظيفة، الدور هبة أو محصلة لعناصر وتصورات للقيادة وللتطور التاريخي والموقع الجيوبوليتيكي للدولة، أما الوظيفة فهي مسئولية محددة وليست من سمات الدول ذات الحضارة .. والثانية الدور والزعامة وهذا يرتبط بتفاعل الزعيم مع حضارة وتاريخ ومقومات كل دولة. وثمة ارتباط وثيق بين الأمرين فالدور يحتاج لزعامة والزعامة تحتاج لرؤية واستراتيجية لتحقيق الأهداف وهذه تحتاج لمقومات وعناصر القوة
الرابعة: ما أسماه المؤلف الحركة البطيئة فوق جسر المتاعب وهذا يجسد تماماً الحالة التي تعيشها مصر بعد ثورة 25 يناير والتي هي محصلة لعدم أدراك دور مصر في المرحلة السابقة على 25 يناير نتيجة شيخوخة القيادة وضعف رؤيتها وخضوعها لمصالح شخصية، وعائلية. أما الضعف الراهن أو بطء الحركة الراهنة فمرجعه بحق كما ذكر المؤلف جسر المتاعب والصعوبات والتحديات وفي مقدمتها، عدم إيمان قوى معينة بمفهوم الوطنية المصرية ومحاولتها طمس هذا الدور وهذه الهوية لمصلحة رؤى هلامية لا وجود لها أو بالأحرى جرى تشويهها وقراءتها قراءة خاطئة. وتنتمي الي الماضي.
الخامسة: خصص الباحث فصلاً بعنوان "تصورات حول دور مصر" ويستعرض الكاتب اطروحات مفكرين وسياسيين عرب مثل الأمير الحسن بن طلال الى المفكر أنور عبدالملك إلى الباحث نبيل عبدالفتاح والدكتور جلال الدين أمين إلى تقارير عدة مراكز أبحاث دولية منها مؤسسة ستراتفور الإمريكية في يونيه 2007 الذي أشارت فيه لتراجع دور مصر كزعيمة للمنطقة لصالح المملكة العربية السعودية.
ولضيق الوقت فلن أعلق على كل التصورات سوى نقاط موجزة :
أولها: إن دور مصر والسعودية يتكاملان ولا يتنافس أو يتعارضان الا في حالة واحدة وهي افتقار احدهما للرؤية والاستراتيجية السليمة. وضعف ثقة القيادة في ذاتها وقدراتها أو في حالة إحاطة مجموعة من المنافقين بمثل تلك القيادات يتعيشون علي النفاق وتشويه صورة الأخر وقد حدث هذا كثيرا في التاريخ العربي فشوهت صورة إبن رشد وإبن خلدون وابي حامد الغزالي والامام ابو حنيفة وغيرهم كثيرون .
ثانيها: إنه لا يمكن إلقاء الاتهام دائماً على مبادرة السادات بالسلام مع اسرائيل بل إن هذه المبادرة انقذت مصر من ويلات كثيرة وهي تعبر عن توجه إستراتيجي ورؤية مستقبلية أفتقدتها المنطقة العربية ولعلني أطرح السؤال ماذا قدمت قوي الرفض والممانعة العربية سوي الخراب والدمار ولعل وزير مصر ذو مصداقية مثل الوزير الاسبق للخارجية وصفهم خير وصف بانهم جماعة الجمود والتردي. وأنا في تقديري أن السادات من النخبة المتميزة من قادة مصر عبر العصور بشجاعته ورؤيته البعيدة المدي رغم أخطائه العديدة وليس هناك إنسان أو قائد معصوم من الخطأ الذي هو سمة طبيعية من سمات البشر.
ثالثها: إن القرن الحادي والعشرين يرفض مفهوم الزعامة الواحدة ويسعى الى المشاركة السياسية في الدور والرؤية ، وهذا واضح من تعامل أمريكا مع الاتحاد الاوروبي ومع دول الشرق الاوسط إذ إنه مهما كانت قوة الدولة أو مكانة الزعيم فهو في حاجة لتفاهم وتعاون ومساعدة متبادلة من الآخرين المشتركين معه في الرؤية والهدف والمصلحة.
وأخيراً أهنئ الباحث فتحي خطاب على كتابته في هذا الموضوع المهم والذي هو موضع إهتمامنا جميعاً خاصة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر في هذه المرحلة
ورابعا : لا يفوتني أن اشير إلي حديث صريح قاله لي مواطن بحريني من ذوي الحيثية والقرب من السلطة إذ قال إنه يتمني لو كان في مصر في هذه اللحظة ويلتقي بالرئيس عبد الفتاح السيسي لكي يهنئه علي ما ذكره حول رفض مصر التدخل في ليبيا بأية قوات مهما كانت الدوافع لأن مصر لا ترغب أن تعادي أحدا في ليبيا بل القوي المختلفة هم جميعا أخوة للشعب المصري .. وأضاف محدثي أن هذا القول يدل بوضوح علي الرؤية الصادقة والنظرة الاستراتيجية العميقة للرئيس عبد الفتاح السيسي وأنا من المعجبين بالسيسي في تناوله لقضية أثيوبيا وسد الهضة ومياه نهر النيل وخاصة في أعترافه بحق أثيوبيا وقيادتها وشعبها في التنمية وحق مصر في احترام حقها في الحياة باعتبار أن النهر هو شريان الحياة في مصر وأساس حضارتها. إن هذه الصياغة اللبقة والدبلوماسية تختلف تماما عن أقوال سياسيين ووزراء ومسؤلين مصريين إفتقدوا الحكمة والرؤية وبعد النظر حتي أن أحدهم جمع شلة من أعوانه وجلسوا في مهاترات حول العلاقة باثيوبيا وبالسودان والميكروفونات مفتوحة علي الملآ فأساء ذلك للعلاقات مع دولتين شقيقتين لمصر حضاريا وجارتين جغرافيا وترتبط بهما بروابط عميق الجذور .