القاهرة 06 اكتوبر 2015 الساعة 08:07 م
برغم كم الاعمال التى حاولت تأريخ انتصار السادس من أكتوبر 1973 , الا انها جميعا لم تكن على مستوى الحدث الهائل الذى اذهل العالم اجمع, وافتقدت هذة الاعمال العلامات الادبية التى تصل الى قامة الاعمال العالمية التى رصدت مناسبات ممثالة ,فلا تزال رواية الحرب والسلام لتولستوى من أفضل الروايات التى أرخت للحرب .
(يذهب فريق من الآراء إلى أن فى الأحداث الوطنية الكبرى تكون كتابات الأدباء عن الهزائم أكثر من الانتصارت وهى صفة سائدة فى العالم كله وليس فى مصر وحدها , فالمبدع يكون فى أحسن حالاته عندما يحتج على خلل ما, وحرب اكتوبر بالتأكيدهى الوحيدة التى انتصرنا فيها خاصة فى العشر أيام الاولى , وجميع قادة العالم قالوا أن خط بارليف لن يؤثر فيه الا القنبلة الذرية ولو حدث اقتحام له –جدلا- سنفقد 40% من القوات التى ستنفذ هذا الاقتحام ,ولكن انتصارنا الحقيقى كان فى عنصرى الخداع والمفاجأة ,فقد نجحت القيادة العسكرية المصرية فى خداع العدو لدرجة أن مجلس الوزراء الاسرائيلى اجتمع فى نفس يوم الحرب لمناقشة اعلان التعبئة العامة بعد ورود أنباء عن الحرب بعد ساعات , وانتهى الاجتماع برفض اعلان التعبئة لعدم جدية الأنباء وكان الرفض من موشى ديان .
وحرب اكتوبر المليئة بالاسراروالمعجزات فمثلا حكاية الساتر الترابى العملاق وفكرة المهندس الشاب تسليط خراطيم المياة بسرعة فائقة عليه وقيام وزارة الزراعة باستيراد الخراطيم بدلا من وزارة الدفاع امعانا فى السرية ,وعشرات الحكايات التى تحتاج الى من ينقب عنها ويخرجها الى النور خاصة بعد زوال الحقبة السوداء التى كانت تفرض على المبدعين اسلوبا معينا فى تناول الاحداث فجميع القادة العسكريين ألهة أو أنصاف ألهة على أقل تقدير ومبرأون جميعهم من الاخطاء الانسانية البشرية وحسنى مبارك هو صاحب الضربه الجوية التى حسمت المعركة ,والمبالغات عن الادوار العظيمة لاشخاص بعينهم فى عدة مواقع مباحة بل مطلوبة ,اما الان فنحن فى شرعية الثورة نستمد منها الحرية والابداع فثورة يوليو انتهت بعد نكسة 67 والسادات استمد شرعيته من حرب اكتوبر ومبارك جمع بين الاثنين وركز على الضربة الجوية , والامل الان فى شباب الثورة الذى خالف كل التوقعات وفاجأنا جميعا ,هذا الشباب ننتظر منه الكثير خاصة فى الساحة الادبية لانه عانى الكثير والابداع ينطلق دائما من رحم الالم والحكمة المنقوشة على التمثال الذى رأه بطل رواية توفيق الحكيم تقول( لا يصنع الفن العظيم الا الألم العظيم)
فحرب أكتوبرتلك الملحمة الرائعة تم اختزالها فى شخص قائد الضربة الجوية ودارت الاعمال الادبية والابداعية حول مفهوم الضربة وصفات قائدها واظهار محاسنه , وحتى الاحتفالات الفنية جميعها لم تخرج عن هذا الاطار وبالتالى تم حجب الاحتفالات الموازية باستثناء احتفالات الفرق الشعبية فى مناطق القناة وسيناء والسلوم لأنها المناطق الحدودية التى تلقت الضربة الاولى ,الا أن السينما كانت اكثر وعيا فقدمت بطولات فترة الاستنزاف فى افلام (أغنية على الممر- والطريق الى ايلات) وغيرها من الافلام التى صورت الحرب ومع ذلك لم نرى احدا يمثل شخصية العظيم عبد المنعم رياض ونزعت صورته من غرفة عمليات القوات المسلحة ولم تظهر الا فى أخر العمل الفنى , وفى حرب 1973 ظهرت بعض الافلام لم ترقى ابدا الى عظمة المناسبة التى تحدث عنها العالم اجمع .
(والآن بعد ثورتى ينايرويونيو لابد من العودة الى الوعى الوطنى وتوظيف الاعمال الفنية فى اظهار بطولات كل من شارك فى حرب 67 و73 لان هناك بطولات رائعة لا حصر لها اسرارها عند بعض قيادات القوات المسلحة ومنهم من لايزال على قيد الحياة حتى الان ومن من حكى بالفعل بعض هذه البطولات ولم تجد صدى يذكر ,وللاسف أن الادب المكتوب الذى رصد حرب أكتوبر اختزلها فى مذكرات القادة والساسة العسكريين أو روايات المقاتلين الذين خاضوا المعركة وهم يحكون ما شاهدوه فقط ومن وجهه نظرهم ,والمطلوب الأن البحث عن الاسراروالتنقيب عن الخبايا والاجتهاد فى اظهار الحقائق خاصة بعد جرعة الحرية التى نتمتع بها جميعا
والحقيقة أن المبدعين يعبرون عن المأساة ببراعة ولا يستطيعون التعبير عن الفرح والانتصارات بنفس البراعة والاندفاع والحرارة ففي نكسة 1967 استمعنا الى كم هائل من الأغنيات التى جسدت الهزيمة ومرارتها وحالة البلاد والعباد وكذلك مئات القصائدالشعرية , لذلك لم تصاحب حرب اكتوبر حركة ابداعية بشكل عام ، أو حركة شعرية على وجه الخصوص.
فأين حقوق الاجيال الجديدة التى لم تعاصر حرب أكتوبر ولم تقرأ ما يشفى غليلها فى المعرفة خاصة أن ما ظهر من أعمال أدبية فشل فى استيعاب الحدث واعتمد على نفاق الحكام والوثائق المزيفة ,فمتى يخرج علينا المبدعون بأعمال تتسق مع الانتصار العظيم الذى أزال طعم مرارة الهزيمة من أفواهنا ومحا اثار العار من نفوسنا , وهل ينتظر التاريخ كثيرا حتى يضم بين دفتيه الحقيقة الكاملة.
صلاح صيام
Salah_alwafd@yahoo.com