القاهرة 28 سبتمبر 2015 الساعة 01:53 م
العيد عند الشعوب الإسلامية مناسبة متميزة لأنه فرصة للفرح والسرور والتواصل الاجتماعي، ومن مظاهر تميز الأعياد في الإسلام أنها تأتي بعد الانتهاء من عبادتين مهمتين، وركنين من أركان الإسلام: الصيام والحج، وعلي الرغم من الجدية السلوكية المرتبطة بهاتين العبادتين فقد تميز العيدان بالسرور والفرح والأكل والشرب وممارسة الاحتفالات
ولهذا كان العيد أحد أهم الموضوعات التي أثرت الأدب العربي خطابة ونثراً وشعراً ولا شك أن خطبة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الشهيرة التي ألقاها في يوم النحر في حجة الوداع هي أشهر الخطب وأهمها في هذا المجال، وهي من جوامع الكلم التي أرست كثيراً من المفاهيم الإسلامية المهمة واستمع إليها أكثر من مائة ألف شخص تفرقوا في مشارق الأرض ومغاربها مبلغين عن الرسول صلي الله عليه وسلم
وقد شكلت المناسبات الإسلامية مادة خصبة للشعراء منذ صدر الإسلام وحتي الآن وتفاوت إحساسهم بها قوة وضعفاً، عبادة وعادة وأخذ الاهتمام مظاهر عديدة، فهذا الشاعر العنصري المتنبي الذي مر عليه العيد وهو طريد مشرد بعيد عن أحب الناس إليه صديقه، وممدوحه سيف الدولة الحمداني، وكان في مصر يرجو رضا واليها كافور الإخشيدي، فلما يئس من رضا الأخشيدي هجاه في قصيدة حملها كل حقده وغله عليه، وترك
ها عند بعض الأصدقاء وفر من مصر يوم العيد، وفي نهاية رحلته هذه فتك به فاتك الأسدي
يقول المتنبي في مطلع قصيدته: عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضي أم لأمر فيك جديد أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك يبدأ دونها بيد وقد يتعرض بعض الشعراء لمحنة السجن والانقطاع عن الأهل والأحباب والأنباء، ويأتي العيد وهم خلف القبضان فتثور في نفوسهم الذكريات فهذا الشاعر عمرو خليفة الذي كتب قصيدته ياليلة العيد وهو بين قضبين السجون يصور فيها ما يعانيه هو وأحباؤه من مأساة الظلم والطغيان فما أشد ما يلاقيه الشاعر وهو في زنزالته الضيقة، فيقول: يا ليلة العيد كم أقررت مضطرباً لكن خطي كان الحزن والأرق أكاد أبصرهم والدمع يطفر منه أجفانهم ودعاء الحب يختنق يا عيد يا فرحة الأطفال ما صنعت أطفالنا نحن والأقفال تنفلق ما كنت أحب أن العيد يطرقنا والقيد في الرسغ والأبواب تصطفق وكما أن العيد فرصة للفرح والسرور فقد يكون مناسبة للهم والحزن، أو يذكر بفاجعة، ونجد كثيراً من الشعراء يجدون في العيد محركا لشجونهم حيث يذكرهم إما بالفقراء أو ببعض من فقدوهم من الأهل والأصدقاء
وقد يكون الإنسان في نعمة في السابق ويأتيه العيد وهو في بؤس، ومثال لهذه الحالة قصة المعتمد بن عباد وكان ملكا من ملوك الأندلس استولي الفرنج علي مملكته وفر إلي المغرب ثم سجن فكانت بناته يذهبن يتسولن، فدخل علين وقد تغير حالهن وكان ذلك يوم العيد فأنشد: فيم
ا مضي كنت بالأعياد مسروراً فساءك العيد في أغمات مأسورا وشغلت المدائح حيزاً كبيراً من أشعار العيد في الأدب العربي ويعتبر بعضها من درر هذا الأدب .
من هذه القصائد رائية البحتري التي يهنئ بها المتوكل العباسي بصومه وعيده ويصف فيها خروجه للصلاة وخطبته البليغة: بالبر صمت وأنت أفضل صائم وبسنة الله الرضية تفطر فأنعم بعيد الفطر عيداً إنه يوم أغر من الزمان مشهد وبعض الشعراء استغل فرصة العيد ليذكرنا بالخير والحث علي الصدقة كما فعل الشاعر محمد الأسمر حين قال: هذا هو العيد فلتصف النفوس به وبذلك الخير فيه خير ما صنعا أمام موسم للبر تزرعه وعند ربي يخبئ المرء ما زرعا وقد حظي كبش عيد الأضحي بنصيبه من الشعر فكثيراً ما يطلب أحد الشعراء من أحد أصدقائه خروفاً ليضحي به فيتخذه موضوعاً لقصيدة إما مادحاً أو قادحاً.. ويوجد بعض المحاورات اللطيفة التي حواها كتاب "قرة العين في رمضان والعيدين" تأليف علي الجندي نختار منها بعض الأبيات لمحمد بن نصر الدين الدمشقي حيث أهدي إليه أحد أصدقائه خروفاً هزيلاً فكتب إليه يشكره ويمازحه: أبوالفضل وابن الفضل وأهله فالآن فاغد علي الصحاب وبكر وانظر إليه كزورق من فضة قد أثقلته حمولة من عنبر