القاهرة 04 مارس 2015 الساعة 11:53 ص
طقوس منح الزمالة فيها مسحة دينية، اقتران العلم بالدين بدأ من مصر القديمة، حيث المعبد مركز للعلم
الي فندق فيرمونت المطار، حدث علمي هام وانساني عميق المغزي، المؤتمر السنوي لجمعية اطباء القلب المصريين، فرصة لمعرفة احدث الأبحاث والتطورات الجديدة في العلاج خاصة جراحات القلب والتي تطورت خلال ستين عاما إلي حد يصعب معه المقارنة بين ما كان عليه وما اصبحت وما تتجه اليه، الآن تجري عمليات تغيير الصمامات بالقسطرة العلاجية، أي بدون شق القفص الصدري، جري لي ذلك مرتين، الاولي عام 1996 أما العملية الثانية عام 2010،خلال اربعة عشر عاما تطورت الوسائل خاصة في المرحلة الحرجة التي تعقب الجراحة والرعاية المركزة، وتبلغ ميزانية ابحاث تطوير وسائل الجراحة في مستشفي كليفلاند بالولايات المتحدة مائة مليون دولار سنويا، تقدم بواسطة المتبرعين من الأثرياء، في عام 2010 عندما وصلت إلي المستشفي لم اتعرف علي المكان الذي اقمت فيه شهرا، المبني المخصص لجراحات القلب الذي أعرفه تواري وقام مكانه مبني حديث يحتل مساحة تزيد علي مجمع التحرير ويتكون من اربعة عشر طابقا، علمت أن المبني أقيم بتبرع قدره مليار دولار ومائتا الف تبرعت بهما سيدة ثرية لااذكر اسمها ولا أظن أنها الأكثر ثراء، من الامور التي تأثرت بها أنه ما من آلة أو حتي مقعد إلا ونقرأ لافتة صغيرة مكتوبا عليها اسم المتبرع، مازلت اذكر نص عبارة مؤثرة علي لوحة فنية في جدار إحدي غرف الانتظار.:مهداة من والد جيني، تحية إلي من اعتنوا بها والي روحها الطاهرة.
رغم انني اعتنقت الأفكار الاشتراكية منذ بدء تكويني ومازلت، إلا انني ما أدعو اليه في مجتمعنا الذي افتقد قيم التضامن خلال الاربعين عاما الأخيرة هو تطبيق النظام السائد في الولايات المتحدة والذي وجدت فيه شكلا راقيا من التضامن الاجتماعي والانساني، هذا البعد كان موجودا بقوة في الرأسمالية المصرية التي نمت بعد الثورة المصرية العظمي في 1919، وفي الرأسماليين الحقيقيين الذين لهم مشروعات متجسدة علي الأرض الآن، ولكن معظم الذين كونوا ثروات بالمنطق الساداتي وفي حقبة خلفه، تكونت اموالهم من مصادر مشبوهة، كان ذلك اقرب إلي النهب وهؤلاء هم الذين يقاومون النظام الوطني بعد الثلاثين من يونيو، والرئيس الذي انتخبه الشعب والمعروف بطهارة اليد الشعب المصري لا يخطئ احساسه في هذا المجال، امران ضروريان لاستقرار الثقة عند المصريين، طهارة اليد والنزاهة الاخلاقية فيما يتعلق بالنساء، كان جلال الحمامصي يوصف بأنه صحفي كبير وان لم اجده كذلك، بدا ذلك في اجتماعات التحرير اليومية التي كانت تعقد بصالة التحرير التاريخية، اذا حضرها موسي صبري تفيض بالحيوية والخبرة، وفي اجتماعات جلال الحمامصي كنت اتثاءب واقاوم النوم، ثم جاءخطأه الاكبر عندما أصدر كتابا بالتواطؤ مع السادات يحاول اتهام جمال عبدالناصر باخفاء مليون دولار، جاء رد الفعل بالوثائق، ولم يتسامح الرأي العام مع الحمامصي، عندما رشح بعدعام لنقابة الصحفيين حصل علي بضعة اصوات مهينة، امران لا يمكن المساس بعبدالناصر فيهما، المال والسلوك الاخلاقي.
تأخذني تداعيات الأفكار عندما اجتزت بوابة الفندق إلي القاعة الزرقاء كان الزحام شديدا، اطباء من مختلف الجنسيات، يعلقون بطاقة المؤتمر، ما يعنيني الحدث الذي سينصب فيه الدكتور جلال السعيد زميلا للجمعية الطبية الملكية البريطانية، كل مايتعلق بهذا الحدث جديد، عادة تمنح الزمالة لمن درسوا في انجلترا، وتتم مراسيمها هناك، الدكتور جلال درس في الولايات المتحدة، غير أن قيمته كعالم كبير وجهوده في مصر أديا إلي هذا الاستثناء، لم يكن في القاعة مقعد خال كلهم اطباء، اما أجهزة الاعلام بكل اطيافها فكانت غائبة، سواء الصحافة، او الاعلام المرئي الرسمي والخاص، فقط خبر نشره الزميل عادل دربالة في اخبار الناس ولم أكن أنا مصدره، عندما وصلت كان الدكتور هاني عتيبة استاذ امراض القلب بجامعة جلاسجو يلقي محاضرة عن آثار التدخين علي الانسان عامة والقلب خاصة، لم اكن بحاجة إلي ان اسمع واري الصور التوضيحية، فما يعانيه الخال الابنودي يكفي، بعد المحاضرة بدأت اجراءات منح الزمالة، بعد ان بحثت عن الدكتور جلال لمحته يجلس في الصف الأول تعرفت عليه من شعره الابيض، هذا الشعر الذي يكلل رأسا طالما انحني عليّ عند فحصه قلبي، كنت حريصا علي حضور تلك اللحظة التي تشكل حدثا متوجا لرحلة طويلة تتجاوز الستين عاما في دراسة الطب، مضيت اليه لأصافحه، اشار إلي مقعد خال في الصف الاول، ان اقعد هنا، علي المنصة ثلاثة اطباء انجليز من اعضاء الجمعية الملكية يرتدون اروابا تتوزع الوانها بين الاسود والاصفر والأحمر، الطقوس في جامعات العالم لها طابع ديني، اساس ذلك جاء من مصر، كان مقر العلوم في المعبد، سري ذلك إلي الجامعات الرئيسية في العالم، الازهر جامع وجامعة، مباني اشهر جامعات العالم ذات طابع ديني، تعلوها القباب، لذلك اشعرأن جامعة عين شمس ينقصها شيئ، كيف توجد جامعة بدون قبة؟، يخرج الدكتور جلال بصحبة احدي الطبيبات المنظمات، يعود بعد فترة قصيرة بصحبة اعضاء الجمعية، يفرد له مقعد امام كل الصفوف مرتديا الروب، نفس الروب الذي يرتديه الانجليز، طوال جلوسي في القاعة كنت اصغي إلي زملائه الاطباء.:
والله يستحق اكثر من ذلك.
عالم كبير ومتواضع.
لمحت الدكتور حنا ميخائيل رئيس قسم القلب بمجمع الجلاء العسكري، اول مرة أراه خارج المستشفي، مازلت اذكر استقباله لي ليلا علي المدخل عندما داهمتني الازمة الثانية خلال شهرين واتصلت بالدكتور اللواءبهاء زيدان ليلا وطلب مني الاتجاه علي الفور إلي المجمع.
بدأ عزف الموسيقي، تقدم الدكتور جلال يحيط به اعضاء الجمعية الانجليز، جلسوا علي المنصة، بينماتقدم الدكتور هاني عتيبة ليلقي محاضرة عن الدكتور جلال، تحدث عن حياته منذ أن ولد عام 1935، ومراحل دراسته العلمية في مصر والولايات المتحدة، والعروض التي قدمت اليه ليعمل في الخارج الا انه آثر البقاء في مصر والتدريس في القصرالعيني، وليطور من اساليب العلاج، هو من ادخل إلي مصر نظام القسطرة العلاجية والفحص بالموجات الصوتية وخلال رحلتي الطويلة معه ألممت بخصاله وتواضع العلماء عنده وعلاقته بتلاميذه ومرضاه، اخيرا حانت اللحظة، بعد أن ألقي رئيس وفد الجمعية الملكية البريطانية كلمة حيا فيها جهود الدكتور جلال السعيد العلمية ورد الدكتور جلال بكلمة شكر مختصرة فهو قليل الكلام، وعندما تسلم براءة العضوية ضجت القاعة بتصفيق حميم لمصري اصيل قدم خدمات جليلة للانسانية ولابناء وطنه.
عمارة القرية الذكية
الخميس :
لا أبالغ اذا قلت ان مشروع القري الذكية في مصر من أهم المشاريع الكبري التي انجزت في مصر بعد السد العالي، كثيرا ما كنت اتساءل عن معني «القرية الذكية» رغم أن أخي عمل فيها سنوات عديدة، الا انني لم اسأله يوما عنها، بشكل عام يعتبر قطاع الاتصالات في مصر من انجح الاعمال الكبري التي تمت، يرجع الفضل إلي عوامل عديدة، منها القاعدة التعليمية العميقة التي بناها محمد علي باشا، ومضي فيها مستأنفا جمال عبدالناصر، اشير إلي معلمين راسخين، كلية هندسة القاهرة وعين شمس والاسكندرية واسيوط وحلوان، والي الكلية الفنية العسكرية، ذلك الصرح الذي أسسه جمال عبدالناصر وصمد في وجه التقلبات التي مرت بها مصر خاصة منذ السبعينات، يعلمنا التاريخ أن التقدم العلمي يبدأ من الجيوش، بل ان كثيرا من الانجازات العلمية التي نستخدمها في حياتنا اليومية الآن نتاج مشروع حرب النجوم الذي بدأه الرئيس الامريكي ريجان وكان احد الاسباب في انهيار المنظومة الاشتراكية، هنا اشير إلي من أتيح لي أن اتعرف بهم شخصيا، الدكتور هشام الشريف، الدكتور طارق كامل، اما الدكتور عثمان لطفي فصديق عمر وهو من ابرز علماء الاتصالات في مصر إلي جانب انه مثقف كبير ملم بالعصر وفنونه، الذي نفذ فكرة القري الذكية الدكتور احمد نظيف احد ضحايا مابعدثورة يناير، والحمدلله أن القرية الذكية بالجيزة نجت من الفوضي التي بدأت بعد يناير وكان من أخطر ملامحها اعتبار كل ما انجزقبل يناير سيئا ويجب انهاؤه، لقد حوكم الدكتور احمد نظيف في قضية غريبة، اعني استيراد اللوحات المعدنية، وللبيروقراطية المصرية تفانين عبقرية تصل الي حد الابداع في توجيه التهم او اثارة العراقيل، احمد نظيف لا اعرفه شخصيا ولا تربطني به اي علاقة، لكن مشروع القرية الذكية انجاز حقيقي يجب ان يذكر فيه اسمه، والرجل الآن لاسلطة له ولا حول، في زيارتي الثالثة التقيت بوزير الاتصالات الدكتور عاطف حلمي، تأثرت بشخصه ورؤيته كثيرا، سأفصل لقائي به في اليوميات القادمة، في الزيارة الثالثة حاولت استيعاب معمار القرية، منذ أن دعاني الدكتور فتحي صالح إلي زيارة مركز توثيق التراث واحاول تفسير هذا الانطباع الذي ترسخ عندي، خاصة بعد زيارتي لمبني معهد التكنولوجيا والعلوم الذي ترأسه الدكتورة هبة صالح، عمارة مباني القرية حديثة جدا، تعتمد الواجهات الزجاجية العريضة، والتصميمات غير المألوفة، بعضها ذكرني باهرام اللوفر الزجاجي الذي اثار الاستنكار في البداية واصبح مع الوقت جزءا اصيلا في البناء الاثري الذي شيده لويس الرابع عشر، في القرية الحديثة لم يشعرني معمارها بالتناقض بين الحداثة والاصالة، بل اتاح لي قدرا من الانسجام والراحة، في بعض المباني كنت اري المعابد المصرية الشامخة مثل الكرنك والرامسيوم وابيدوس ودندرة، تتضافر العناصر المصرية للعمارة في القرية الذكية بحيث تشكل حالة معمارية رائعة في بلد اول عناصر تكوينه البناء للبقاء، اثناء حواري مع الاستاذ عادل دانش رئيس مجلس الادارة واحمد نعيم رئيس قطاع التسويق، سألت عن المصمم، علمت أنه الدكتور مهندس علي الحفناوي،والدكتور مهندس نبيل شفيق، تصميم القرية عمل رائع ارشحه بجدارة لجائزة الاغاخان للعمارة، في المباني كلها لونان مستخدمان، الابيض للجدران والازرق للزجاج، من هنا يجئ الاحساس بالبحر رغم اننا في قلب الصحراء، اما الاحساس بالفراغ فمصدره المساحات الخضراء التي تتجاوز المليون متر مربع، توازيها مليون متر أخري للمباني تستقر فيها مائة وخمسة وستين شركة تدر للدخل القومي ستين مليار جنيه سنويا ربحا صافيا ، من مبني صغير يتوسط القرية يشرف عليها رغم انه ليس الاكثر ارتفاعا، وحتي اتأمل الحالة المعمارية محاولا فهم مفاتيحها، قلت للاصدقاء : لو أن الحضارة المصرية القديمة استمرت بدون انقطاع لشيد المصريون هذه العمارة، وهذا يعني أنها مستمرة في العمق، وانني لاعني ما اقول.
الفصول
الخميس :
أفتح مصراعي الشرفة، أطل علي الفراغ المواجه، ثمة شبورة صباحية، اذن سيكون الطقس أدفأ، رغم زحام المدينة وما لحقها من تحول إلا أنني مازلت علي حس بالطبيعة بدأ منذ الطفولة عندما كنت ألعب فوق السطح الممتد أمامنا، كنت علي صلة دائمة بالافق، بالجهات الاربع، بالسماء القاهري الجميل خاصة في الخريف، ظهور الضباب يعني ان الشتاء ولي، أن الصيف علي الابواب مع بداية مارس، من اجمل القطع الموسيقية التي تمنحنا احساسا بتغير المواسم «الفصول» لفيفا لدي، أحن اليها في لحظات التغير واستعيد لحظات مندثرة من ايامي، المؤكد ان شيئا جري في الطقس خلال العقود الاربعة الاخيرة، اذكر البرد القارس الموجع عندما كنت في زنزانة الحبس الانفرادي بمعتقل القلعة، كانت النافذة أعلي من المتناول، مفتوحة باستمرار، القضبان تمنع الانسان، لكنها لا تحوش بردا ولاقيظا، وليس امام الانسان الا التداخل في نفسه، يدفئ بعضه بعضا، في اكتوبر عام 1973 كنت اسافر إلي الجبهة فجرا واعود ليلا، كنت ارتدي ملابس ثقيلة، كان الطقس باردا جدا، شيئا فشيئا بدأ تمدد الحر، الآن يقتصر الشتاء علي أربعة اسابيع، الاساسي منها في يناير، برد قارس يخترق العظام، انه برد الصحراء وهذا يتجاوز شتاء موسكو، هكذا اخبرني الصديق ألكسي فاسيليف المستعرب الروسي، الاسبوعان الآخران، ربمايحلان في فبراير اذا اجتاحت المنطقة عاصفة كتلك التي ادركنا مس منهافي الاسبوعين الماضيين، ليس لدينا ربيع، في زمن الربيع يبدأ هبوب الخماسين، رياح محملة برمال الصحراء، الربيع الحقيقي في الخريف، لا اذكره الا مشوبا بمسحة حزن، ربيع مغترب لأنه يحل في غير وقته.. غير ان النسمات تدق فيه، غير ان الصيف بدأ يدركه، واقعيا يتمدد الصيف منذ اوائل مارس وحتي اخر ديسمبر، هل من تفسير علمي لهذا؟، ربما ارتفاع حرارة الكوكب كله، ربما شيئ آخر، غير ان ما أتمناه دوام تمايز انها من علامات التغيير لكن لا ينتبه احد، ملخص دورة الحياة نراه يوميا لكننا لا ننتبه خلال سعينا وزحامنا، شروق، صعود بطيء للشمس، توهج ثم ميل يبدأ إلي الغروب يسبقه اصيل وزوال بطيء حتي يكتمل الغروب ويبدأ الغسق والليل وماوسق، لكن.. لا احد ينتبه، لا احد!
مع الخال
الاربعاء :
منذ شهور لم أر الخال الابنودي، صارت علاقتنا هاتفية، وعندما بدأت مشاكلي الصحية في اكتوبر الماضي، كان يتصل للاطمئنان يوميا عدة مرات ولم يكن مسموحا لي بالرد او الحديث في الهاتف، إلي ان استأنفنا الاتصال صار كل منا يطمئن علي الآخر، الابنودي لايكف عن السخرية، قال مرة : انظر كيف صرنا، أعمي يتوكأ علي أعرج، اليوم أخرج من البيت في الصباح لأصل في الموعد الذي حدده اللواء طبيب، بهاء زيدان قائد مجمع الجلاء الطبي، ياسلام، كلما ازددت معرفة بهذاالقائد كبر إجلالي له، عندما يجتمع في الطبيب الانسانية والعلم يصيرالكمال، عنده عناصر القيادة، لايتصرف معلنا عن هويته، لكن اذا رأيته ورصدت تفاصيل علاقته بالمكان والبشر، كيف يؤدي مهامه، توقن أنه خلق للقيادة، في مكتبه البسيط، يعلق فوقه صورة اللحظة التاريخية من الثالث من يوليو، رموز مصر، عدا البرادعي الذي كان يؤدي مهمة فرغ منها وفر إلي الخارج والله أعلم مايدبره لنا ولمصر! الفريق أول السيسي «وقتئذ» يعلن خريطة الطريق، اعجبني اختياره للصورة، الشئ الوحيد الذي يمكنني أن اهديه اليه، كتاب، احضرت له كتاب نعوم شقيرعن سيناء وهذا اهم مرجع عن سيناء البشر والمكان، والموسوعة التي أمرجمال عبدالناصر باعدادها عام 1956 وطبعت عام 1960 طبعة محدودة، اعيدت طباعتها مؤخرا في مكتبة الاسرة بعد ان عثرنا علي نسخة منها عند اللواء فؤاد حسين نائب مدير المخابرات الحربية الاسبق، حانت اللحظة التي اصعد فيها إ لي الخال، رافقني، انه نفس المبني الذي كنت أرقد فيه، لكنني كنت في قسم الرعاية المركزة. لكن الابنودي يقيم في جناح خاص بمفرده مع السيدة الفاضلة نهال كمال رفيقة عمره، نقلت اجهزة الرعاية إلي الحجرة، عندما اقتربت من الغرفة جاشت روحي بالشجن، تداعي إلي عمر باكمله فيه صحبة وحبس وخصام وصلح ولكن انتظم هذا كله في تقدير عميق متبادل، صارت علاقتنا إلي صفاء مجوهر، صداقة نقية تماما، وها نحن نمرض معا كل في دربه، كيف يكون اللقاء؟ عندما دخلت الغرفة اتجهت اليه مباشرة مبتسما، كنت أخشي ذرف الدمع، الا ان روحه الساخرة دائما خففت عني، طلب منا الجلوس في مواجهته حتي يرانا، رحنا نتحدث، هو واللوء بهاء عن امور يغلب عليهاالشأن العام واستدعاء ذكريات كنت اظن انها اندثرت، جاء الطبيب اللواء سامح وهيب المشرف علي علاج الصدر، اللواء الطبيب مصطفي محمود المشرف علي علاج الاطراف، وآخرون لا تحضرني أسماؤهم، كنت احكي واذكره بأمور، غير أن امراجري لم أعهده، اذ بدأ دمعي يذرف صامتا، لا تتقلص ملامحي لخروجه، يتساقط اثناء حكيي، وضحكي، وكنت اتظاهر بمسح عيني، غير انه لاحظ، سألني
«انت ما نمتش كويس ولا ايه..»
قلت انني كذلك منذ فترة، ذكرنا مواقف مررنا بها معا، وكان يداعب الاطباء ساخرا، وكنت الضاحك الباكي. كأني بطل رواية فيكتور هوجو التي قرأتها يافعا وماتزال تلك القراءة باقية معي، عندما ولت المدة المحددة خرجت بصحبة اللواء الطبيب الانسان الجميل بهاء وعندي موسيقي داخليةمن مقام صبا، اشد المقامات حزنا.