القاهرة 21 يناير 2015 الساعة 02:34 م
• ثورة 1952 دعت الكتابة للحلم القومى.. والنكسة دعتها لتغير المسار والوقوف من جديد
كتبت:عواطف الوصيف
شهدت مصر خلال مرحلة الستينات تغيرات جذرية لم تكن قاصرة على المستوين السياسى والاقتصادى فحسب بل كان لتأثير
اتها صدا بارزا على المستوى الفنى أيضا.
حيث شهدت تلك الفترة ظهور مواهب فنية أدبية "كعبد المعطى حجازى وإبراهيم اصلان وصنع الله إبراهيم" وغيرهم ممن لم يقتصر تأثير كتابتهم على وقت ظهورها فقط بل مازالنا نلمس تأثيرها حتى الآن.
فماهو إذن التأثير الذى تركه جيل الستينات فى الأجيال التى ظهرت فيما بعد وحتى الآن؟
وهل يعتبر الطابع اليسارى الذى تميزت به مصر خلال تلك الفترة هو العامل المؤثر فى بروز العديد من الأعمال الفنية على الساحة الأدبية.
أم أن موهبة جيل الستينات فى الأدب هى التى ساعدت على توضيح ملامح هذه السياسة فى مصر؟
وكان لمختلف الكتاب فى مصر آراء متعددة تفسر رؤية كلا منهم حول هذا الصدد.
جيل الستينات والإبداع الأدبى
يرى الكاتب الدكتور شريف الجيار أنه قد استطاع جيل الستينات أن يمثل حلقة مهمة فى تاريخ الانتاج الإبداعى الأدبى على كلا من المستوين المصرى والعربى ويعتبر أن هذا الجيل هو بمثابة جيل من الرواد حيث خرج من جعبته أمثال طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم.
وشبه الجيار هذا الجيل بالأيادى الرائدة التى ساعدت على الإبداع المصرى الذى كان قد تأخر فى التطور النوعى العالمى وجيل الستينات هو الذى جعله يواكب هذا التطور.
التراث العربى شعرا ونثرا
ويرى شريف الجيار أن هذا الجيل كان قد امتلك فرصة أتاحت له إمكانية الإطلاع على التراث العربى شعرا ونثرا والإطلاع أيضا على جزء مهم من الثقافة العربية لا سيما التى أعرب عنها مختلف الدول الأخرى مثل "روسيا وفرنسا وأمريكا اللاتينية" وانعكس هذا الإطلاع بشكل جديد على الأنواع الأدبية التى يقدمونها.
جيل الثمانينات فى الأدب
ويعتقد دكتور الجيار أن جيل الثمانينات والذى تلاه قد استقاد من جيل الستينيات خاصة فى الرواية وتطور آلياتها ثم الشعر وتطور القصيدة حتى شعر التفعيلة, وبالتالى يعد جيل الستينيات جيلا مركزيا على حد وصفه فى إنتاج الثقافة العربية ومرحلة مهمة من مراحل
النقل والتأثر ب
الأشكال الغربية.
تأثير ثورة 52 ونكسة 67 على الأدب
وأشار شريف الجيار أن ثورة 52 كان لها تأثيرا بارزا وانعكاس قوى فى إبداعات هذا الجيل حيث إنها تجلت الملامح الاشتراكية والقضايا التى تهم الواقع المصرى خاصة الفئات البسيطة التى اهتمت بثورة يوليو 52.
ولكن يعتبر الجيار أن نكسة 67 كان لها تأثير قوى على فكر هذا الجيل والذى تمركز فى مشاعر الإحباط التى هيمنت وبصورة قوية على جيل الستينيات بعد النكسة.
حيث أصيب هذا الجيل خلال هذه الفترة بصدمة فى الأنظمة العربية على حد قوله وانعكس ذلك بوضوح فى الأدب خاصة الرواية والشعر وتحديدا شعر التفعيلة.
واستطرد قائلا إن جيل الستينيات هو جيلا عاش مرحلتين تختلف كلا منهما عن الأخرى وهما مرحلة ثورة 52 والانجازات التى حققتها ومرحلة التحول السياسى الذى نتج بعد النكسة, حيث إن هاتين المرحلتين ساعدا بكل التناقضات اللاتى ميزت كل واحدة منهم عن الأخرى فى تطور الانتاج الإبداعى والنقدى أيضا.
جيل الستينات وترسيخ أفق الشعر الوطنى
وعلى صعيد آخر يرى الكاتب محمد إبراهيم أبو سنة وهو واحدا من أهم رواد هذا الجيل أن جيل الستينيات هو الذى رسخ وجود حركة الشعر الحديث واستكمل أفق تجربة الشعر الوطنى والقومى الذى بدا فى الخمسينات.
ويشير أبو سنة إلى أن شعر الستينيات تميز بتنوع ما وصفه بالملاهى الشعرية وكان تنوعا كبيرا بحيث أصبح لكل شاعر من شعراء الستينيات شخصياته ومزاجه وثقافته وخبراته ولغته وأسلوبه وطريقته.
مضيفا أن هذا الجيل قد نشأ وكتب وعرف فى مرحلة عصيبة حيث إنها مرحلة احتشدت بالأحداث السياسية والقومية والوطنية واصفا أن هذا الجيل هو
بمثابة علامة بارزة فى تاريخ فن الشعر الحديث خلال الأربعين عاما الماضية.
وأشار إبراهيم أن أثناء انشغال هذا الجيل بعمله تفاجأ بنكسة 67 التى وصفها بالسد العالى بين مرحلة ما قبل 67 وما بعدها.
وأكد أبو سنة أن تأثير شعراء الستينيات بدا واضحا فى جوانب كثيرة بعضها يقوم على التناقض والتضاد.
جيل السبعينات يرفض نصيحة من سبقوه
موضحا أن هناك بعض الشعراء من جيل السبعينات أعلنوا ر فضهم لجيل الستينيات لرغبتهم فى تقديم بيانا نقديا جديدا ونموذجا شع
ريا مختلفا معتبرا أن بياناتهم كانت صادمة فى أول الأمر بل ومتجاوزة أيضا وذلك لتخليها عن الواقعية بل إن بعضها يمكن أن يوضع فى جانب التطرف الأدبى على حد وصفه.
ولكنه فى نفس الوقت يعتبر أنه عند فحص نتاج السبعينات سنجد التأثر العميق والذى يبدى واضحا لدى هؤلاء الشعراء بجيل الستينيات سواء على مستوى الشكل أو المضمون.
الاتجاه اليسارى ودوره فى الموهبة
ويعرب أحد أهم رموز جيل الستينيات أن كلا من العنصرين الطابع اليسارى الذى تميزت به مصر خلال تلك الفترة والموهبة التى تملكها جيله هما من كان وراء تميز وتقدم كتابات وأعمال هذا الجيل.
حيث إن هذه المواهب ذات خصوصية فى مصر والعالم العربى على حد وصفه, مضيفا أن إذا تفحصنا المحتوى الشعرى فى ذلك الوقت سنجد جزء منه كان صورة نقدية لعصر الرئيس عبد الناصر.
لم يسبح بحمد رئيس
واستطرد أبو سنة مؤكدا أن جيل الستينيات لم يسبح بحمد نظام عبد الناصر كيفما كان يعتقد البعض, وفى نفس الوقت استطاع هذا الجيل أن يلاحظ مميزات وايجابيات هذه الحقبة وأعرب عنها فى كتاباته مما يؤكد أن جيل الستينيات لم ير الأوضاع من زواية واحدة وهى التسبيح بحمد عبد الناصر أو نظام حكمه.
ومن جانبه أشار إلى أن مرحلة عبد الناصر مثلما قدمت تغيرات سياسية واقتصادية اهتمت أيضا بالحداثة الفنية والأدبية.
مما يوضح أن هذان العنصران متلاحمان معا خلال هذه الفترة وهما موهبة الطبيعة الشعرية لهذا الجيل وايمانه بأهداف المشروع القومى الوطنى الناصرى.
جيل الستينات عصر الأدب الذهبى
ومن جانبه يعتبر الكاتب الدكتور محمد عبد المطلب أن العصر الذهبى هو فترة جيل الستينيات فهم من فتحوا باب الحداثة فى جميع أشكال الفنون مثل "الشعر-المسرح-النقد.......... وغيرها"من أشكال الأدب والفنون ومازال منهم حتى الآن من يتشرف الفن بمشاركتهم وآرائهم.
ولكن أشارعبد المطلب أن كلا من جيل السبعينيات والثمانينات كان لهم أسلوبهم الذى ساعد على زيادة الصورة الإبداعية حيث إن لكل جيل طريقته التى تضيف جديدا.
أبناء ثورة 52
ويعتبر الدكتورعبد المطلب أن جيل الستينيات هم جيل ثورة 52 وعبروا عنها بأجمل الصور والسرد الرائع فى اللغة العربية, مضيفا أن أمثال"بهاء طاهر ويوسف قعيد وابراهيم اصلان ...... وغيرهم" هم من وضعوا أولى أساسيات فن الأدب والشعر.
وهذا لا ينفى أن هناك من جيل السبعينات أمثال "محمد سليمان وحلمى سليم" الذين أسسوا أيضا فى الشعر واجتهدوا بل واستطاعوا أن يؤثروا بفنهم فى العالم وكان هذا نتيجة ما تعلموه من جيل الستينيات.
وأعرب عبد المطلب عن آسفه لوجود أمثلة من الأجيال الجديدة الذين تأثروا بالصور العالمية فى فن الأدب التى جعلت كتاباتهم تتميز بالتمزق السردى على حد وصفه.
بل أنه يرى أنهم تجاوزوا الأجيال السابقة فى الشعر وأصبح لديهم قاموسهم الخاص بهم.
ثورة الأحرار وحداثة الفنون
وأكد أن ثورة 52 قد ساعدت فى ظهور الحداثة فى جميع الفنون موضحا انه ربما تكون ثورة يوليو فرضت سيادتها على الحياه السياسية الا انها سمحت بنشر الاعمال الادبية بمطلق الحرية وسمحت ايضا بعرض جميع الافكار الفنية بدون عوائق او حواجز تمنعها.
واشاد الدكتور عبد المطلب بدور ثورة 52 فى ظهور وترسيخ شعر التفعيلة وانه من الصعب انكار هذا الدور.
حيث انه على سبيل المثال حينما انتجت رواية "شىء من الخوف" لثروت اباظة وقيل ان هذه الرواية ترمز لعبد الناصر فحينها صرح جمال عبد الناصر قائلا" اننى لو كنت بالفعل بهذه الصفات فمن حق الشعب اذن فى هذه الحاله ان يقتلنى"
قبل الثورة وبعدها فرق السما والأرض
وابدى عبد المطلب تعجبه ممن يقارنون فن الادب بين مرحلة ما قبل ثورة 52 و يليها حيث انه وصف الشعب المصرى بانه كان كالعبيد بسبب ما كانت تعانيه مصر من صور الاحتلال وسوء الحالة الاقتصادية التى وصلت بالفلاح المصرى الى ان يكون طعامه هو "عيش وبصل" على حد قوله.
الثورة تشرح ماهيات الليبرالية
بينما اتاحت ثورة يوليو ومبادئها بان يعى كل فرد ماهيات الليبرالية وان يتسم بها ايضا.
واشار عبد المطلب اثناء حديثه الى امثلة ممن تمكنوا من وصف الحالة التى كانت عليها مصر عن طريق كتاباتهم وهم:
"احمد سويلم- محمد ابو سنة".
رواية الأرض
ويرى ان من اهم الكتابات التى وصفت مصر قبل الثورة والتى تمكنت من كسب شعبية كبيرة "الارض" لعبد الرحمن الشرقاوى.
مما يؤكد ان الطابع اليسارى والسياسة الاشتراكية ساعدت بالفعل على تقوية فن الادب وجيل الستينيات حقا على حد قوله.
جيل الستينات جيل المحسنات الإبداعية
وعلى نفس الصدد يرى الكاتب مكاوى سعيد ان كان لجيل الستينيات تاثير كبير جدا فى الادب من حيث المحسنات الادبية والاستعارات المكنية.
ويعتبر مكاوى ان جيل الستينيات فى الادب قد اختزل كثيرا فى الادب مع بداية ظهورهم على الساحة الا ان كتاباتهم كانت مفهومة من قبل القراء موضحا ان جيل الستينيات ساعد وبقوة فى تحسين الصورة الادبية التى نلامسها ونراها الان.
القومية المصرية تجذب الشعر للواقعية
وعلى صعيد الحالة السياسية التى عاشتها مصر خلال هذه الفترة اشار سعيد الى ان السمات التى كانت تتسم بها سياسة مصرتتمثل فى "الليبرالية- القومية- اقتباس بعض ملامح الاتحاد السوفيتى"
وهذا جعل الكتابة تميل اكثر للواقعية حيث ان كان هناك حلم قومى تعيشه مصر وهدف قومى تسعى لتحقيقه وكان كل مجال من المجالات يسير لنفس الهدف.
73 تقلب الطاولة
ويرى مكاوى سعيد ان الرئيس انور السادات اعتبر 73 هى اخر الحروب ولن يكون هناك هدف قومى تسعى البلاد لتحقيقه وبالتالى فلن تعبر مختلف المجالات فى مصر عن الهدف الذى كانت تتكلم عنه ولا سيما الادب.
واصبحت الاجيال التى توالى ظهورها بعد جيل الستينيات كالسبعينات والثمانينات على سبيل المثال تركز كتاباتها الى الذاتية اكثر من الاسلوب القومى الذى اتسمت به فى ظل السياسة الاشتراكية التى كانت فى مرحله سابقة.