القاهرة 15 ديسمبر 2014 الساعة 01:17 م
من ذلك أن «الولايات المتحدة الأمريكية» كانت «تستعين بصديق» فترسل بعض هؤلاء المتهمين إلي دول أخري في «الشرق الأوسط» وخارجه للقيام بالنيابة عن «واشنطن»
حضرت عام 2008 مؤتمرًا متخصصًا في شؤون الثقافة والتعليم دعت إليه ?مؤسسة الفكر العربي? في العاصمة اللبنانية ?بيروت? وحضره رئيس المؤسسة الأمير ?خالد الفيصل? ـ وزير التعليم السعودي حاليًا ـ كما حضره وزير الثقافة اللبناني حينذاك السيد ?تمام سلام? ـ رئيس الحكومة اللبنانية حاليًا ـ وجري نقاش مستفيض حول القضايا الثقافية والمسائل التعليمية, وعندما جاء دوري في الحديث تقدمت باقتراحٍ تبنته المؤسسة بالدعوة إلي قمة عربيةٍ متخصصة تركز علي الشأن الثقافي وحده بحيث يكون هو البند الوحيد علي أجندة تلك القمة مثلما هو الأمر في القمم العربية الاقتصادية التي انعقدت من قبل, وقد لقي الاقتراح وقتها ترحيبًا شديدًا حتي تبناه ?اتحاد الكتاب العرب? الذي يترأسه المثقف المصري المعروف الأستاذ ?محمد سلماوي?, وتضافرت جهود جميع الأطراف لتحقيق صيغة لذلك المؤتمر وتكوين صورةٍ عنه حتي عقد أمين عام ?جامعة الدول العربية? وقتها السيد ?عمرو موسي? اجتماعًا كبيرًا في مقرها حضره الأمير ?خالد الفيصل? وكوكبة من المفكرين والمثقفين من مختلف الأقطار العربية, وكان هدف ذلك الاجتماع هو أن يتحول إلي جلسة عصفٍ ذهني لبلورة فكرة القمة الثقافية العربية, وقد أدلي الحاضرون بآراءٍ مثمرة وتصورات مختلفة لتلك القمة بأهدافها المرجوة ونتائجها المنتظرة حتي تمكنت الأمانة العامة للجامعة العربية حينذاك من عرض مشروع قرار علي القمة العربية يتبني الدعوة لعقد قمة مستقلة تحت مسمي ?القمة العربية الثقافية?, ثم جرت أحداث كثيرة بعد ذلك وضاع ذلك القرار في زحام الظروف التي أحاطت بثورات الربيع العربي والأوليات الجديدة للأمة العربية في ظل تلك الظروف الطارئة والأحداث المتسارعة, ولقد دعاني الدكتور ?نبيل العربي? الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية إلي لقاءٍ في مكتبه بحضور المسؤولة عن ملف العلاقات الثقافية العربية بالجامعة وطرح الأمين العام وجهة نظره الجديدة وهي أنه لا يري مبررًا لقمة عربية ثقافية مستقلة لأن ذلك يحتاج إلي جهد ووقت ونفقات يمكن الاستغناء عنها بإدراج هذا الموضوع بندًا للمناقشة في إحدي القمم العربية القادمة, ورأيت شخصيًا أهمية انعقاد قمة عربية متخصصة في الشأن الثقافي ولازلت متمسكًا برأيي آملاً أن يستعيد هذا الاقتراح حيويته وأن يجد صداه لدي الحكام العرب, وقد فاتحت سمو الأمير ?خالد الفيصل? مجددًا في هذا الشأن عندما التقيته مؤخرًا في مؤتمر (فكر 13) قرب العاصمة المغربية ?الرباط?, وقد بدا الأمير المثقف متحمسًا للاقتراح من جديد وداعيًا إلي تفعيله من خلال الجامعة العربية وكوادرها المتميزة, ولعل أهمية العامل الثقافي تكمن حاليًا في أنه يقف وراء كل القضايا الفكرية الكبري في عالم اليوم, إذ إن ?العولمة? مرورًا ?بصراع الحضارات? وانتهاء ?بالحرب علي الإرهاب? هي كلها مفردات تتضمن في جوهرها الاختلافات الثقافية المعاصرة والتي جعلت العلاقات الدولية حاليًا أقرب ما تكون إلي اعتماد رئيس علي العامل الثقافي, فانعدام الفهم المتبادل والمعرفة الدقيقة للطرف الآخر هي التي أدت إلي فجوة لم يتم تجسيرها فأصبحنا أمام صراع حضارات وصدام ثقافات بدلاً من أن نكون ملتقي إنسانيًا كبيرًا يسعي للصالح المشترك للبشرية كلها, ولو تأملنا صورة ?ابن لادن? وهو ممسك بعصاه يتمشي في دروب الصحراء ومعه مرافقوه وعلي الجانب الآخر صورة ?جورج دبليو بوش? يجلس في مكتبه البيضاوي في ?البيت الأبيض? عندها فقط سوف ندرك تأثير الفروق الثقافية علي المشكلات المعاصرة وكيف أنها ذات تأثير حاكم في عالم اليوم, من هنا تأتي أهمية الدعوة إلي ?القمة العربية الثقافية? ولعلي أتمني علي السيد أمين عام ?جامعة الدول العربية? ?د.نبيل العربي? إعادة النظر في اقتراحه الذي يري الاكتفاء بإدراجها كبند للمناقشة في إحدي القمم العربية القادمة.
مشكلة السفارات
كان إفراج مجلس الشيوخ الأمريكي عن التقرير الرهيب عن عمليات التعذيب التي مورست ضد متهمي ?القاعدة? وغيرها بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 بمثابة لطمةٍ قوية لدعاة ?حقوق الإنسان? والمتشدقين بها والداعين إليها خصوصًا من مواطني الدول الغربية التي مارست تلك الأعمال المشينة بأوامر معروفة لشخصيات مسؤولة في الحكم حينذاك, والأدهي من ذلك أن ?الولايات المتحدة الأمريكية? كانت ?تستعين بصديق? فترسل بعض هؤلاء المتهمين إلي دول أخري في ?الشرق الأوسط? وخارجه للقيام بالنيابة عن ?واشنطن? بعمليات التعذيب التي تتمتع فيها تلك الدول الصديقة بخبرات خاصة حتي يتم انتزاع الاعترافات المطلوبة من هؤلاء المتهمين في ذلك الوقت, ومنذ تم نشر ذلك التقرير وقد شعرت بعض الدول التي تشير إليها أصابع الاتهام ـ سواء كان ذلك صحيحًا أو مغلوطًا ـ إلي محاولات إجراء تأمينات قصوي لبعثاتها في الخارج خصوصًا في ?القاهرة? باعتبارها ?ترمومتر? الرأي العام العربي والإسلامي, لذلك بالغت تلك السفارات في مطالبها الحمائية والوقائية بسبب الدعاوي الأمنية, بل لقد زادت علي ذلك بإصرارها علي عدم فتح الشوارع المحيطة بها مبالغة في التأمين واستخفافًا بحرية الحركة للمواطن المصري الذي قبل ذلك لعدة سنوات حتي جاء حكم المحكمة المصرية مستجيبًا لمطالب بعض سكان حي ?جاردن سيتي? المتضررين من إغلاق الشوارع المؤدية إلي ?كورنيش النيل? في تلك البقعة الحيوية من وسط المدينة, لذلك فإنني أظن أن ما يحدث حاليًا من تعطيل عمل تلك ?السفارات? وتجميد نشاطها بقرار منها بما في ذلك أقسام ?التأشيرات? و?الشؤون القنصلية? إنما يعني في النهاية أن ذلك نوع من التزيد ومحاولة استثمار ظروف ?مصر? الحالية بل والدلال علي بلدٍ صديق يجب التعاون معه وليس فرض المواقف عليه, كل ذلك رغم أن الداخلية المصرية وفرق الأمن المتخصصة لم تقصر في حماية تلك البعثات بشهادة بعض السفراء أنفسهم ممن أشادوا بكفاءة الأمن المصري في حمايته لتلك البعثات في هذه الظروف التي تمر بها الدولة المصرية خصوصًا وأنها تتجه نحو الاستقرار بمؤشراتٍ كثيرة يعرفها أصدقاؤنا في تلك الدول ولا حاجة بنا لتكرارها.
الانتخابات البرلمانية والأحكام القضائية
كان الناس يتندرون منذ سنوات بأن مصر محكومة ?بالقضاء والقدر? فالتغييرات السياسية بدءًا من ?حل البرلمانات? وصولاً إلي ?إغلاق صحيفة? يكون دائمًا بحكم قضائي أما انتقال السلطة والتحولات الكبري في جهاز الحكم فتكون ?بالقدر? وحده أي بالتدخل الإلهي فلو لم يمت ?عبد الناصر? ما جاء ?السادات? ولو لم يقتل ?السادات? ما جاء ?مبارك? فقد كتب الله علينا في تلك الفترة الطويلة أن يتحكم ?القضاء والقدر? في مصير الشعب المصري ومستقبله, ولقد تزايد دور ?دولة القضاء? بعد ثور يناير 2011 بينما تراجع دور القدر لأن الشعب المصري أصبح يملك إرادته ويعرف طريقه, لذلك فإن ?الانتخابات البرلمانية? القادمة هي واحدة من أخطر الانتخابات في تاريخ مصر الحديث لأنها تأتي بعد ثورتين ومحاكمة رئيسين وحل مجلسين (2010 ـ 2012)! ورغم كثرة الجدل المحيط بقانون الانتخابات وتقسيم الدوائر والقوائم الانتخابية للأحزاب والتجمعات إلا أنني أري ذلك كله ظاهرة صحية في النهاية تعبر عن الاهتمام المتزايد من المواطن المصري بالتعبير عن إرادته وتجسيد التحولات التي طرأت علي الساحة المصرية, ومهما تحدثنا عن فلول سنوات حكم ?مبارك? التي امتدت ثلاثين عامًا أو بقايا حكم ?الإخوان المسلمين? إلا أن ذلك يجب أن يخضع لقاعدة واحدة وهي استبعاد من ثبت بحكمٍ قضائي إفساده للحياة السياسية أو ممارسته لتصرفاتٍ غير قانونية أما محاولات التعميم في التجريم المطلق فتلك خطيئة كبري يجب أن تنأي عنها ?مصر? في ظرفٍ تحتاج فيه إلي جمع الشمل وتوحيد الكلمة واحترام اختيارات الآخر.
دورات التحكيم
أدهشني ذلك العدد من دورات التدريب علي التحكيم والتي انتشرت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة, بما يعني أن ثقافة ?التحكيم? باعتباره وسيلة قانونية لفض المنازعات قد أصبحت أمرًا شائعًا بين كثير من العاملين والعاملات في القطاعات المختلفة حتي وإن لم تكن لديهم خلفية قانونية في الأصل, ولقد أتيحت لي فرص لإلقاء محاضرات في بعض هذه الدورات فلفت نظري أن الساعين إليها هم خليط من تخصصات مختلفة وخلفياتٍ متعددة بل جنسيات متباينة جمعتهم الرغبة في أن يكونوا مؤهلين للمشاركة في جلسات التحكيم إذا تمت دعوتهم إليها, والتحكيم عمومًا يحتاج إلي فهمٍ عام لعددٍ من الضوابط حتي يكون الحكم سليمًا ورصينًا لا يشوبه عوار ولا يحكمه الهوي, ولقد لاحظت أن بعض تلك الدورات التدريبية تمضي تحت مظلة وزاراتٍ رسمية أو جامعاتٍ كبري خصوصًا في ?كليات الحقوق? التي تدعم ثقافة التحكيم وتؤكد أهمية شيوع روح التوفيق وحل المنازعات بين الأفراد والشركات والدول بأقصر الطرق وأقلها خسارة علي جميع الأطراف.
تحليلات ?هيكل?
يبهرني ?الأستاذ? بقدرته الهائلة علي طرح أفكارٍ متجددة تنم عن متابعة دقيقة للأحداث والأشخاص وردود الفعل ولقد جاء حديثه الأخير مع الأستاذة ?لميس الحديدي? ليطرح نقاطًا مثيرة في تحليله للوضع المصري بل الإقليمي والدولي عمومًا, ويأتي الرجل في هذه السن المتقدمة بأفكارٍ جادة وشابة ومهما اتفقت معه أو اختلفت مع بعض أطروحاته إلا أنك لا تملك إلا الشعور بتقدير عظيم لذلك الرجل الذي تواصلت آراؤه منذ عصر ?جمال عبد الناصر? حتي عصر ?عبد الفتاح السيسي? وذلك يعني أن الرجل متابع ممتاز للحياة السياسية علي امتداد ثلاثة أرباع قرن, إننا لا نملك أمام هذه الشخصية الاستثنائية إلا أن نحيي الرجل الذي لا يتوقف عن أن يأتينا دائمًا بأفكار متجددة وهو الذي يملك أكبر شبكة اتصالاتٍ لصحفي عالمي بدءًا من كتابه ?إيران فوق البركان? أو متابعته الميدانية ?للحرب الكورية? كما أنه هو أيضًا صاحب العبارة الساخرة عند انتقاده لكاتب (ليس كل جديد في هذا الكتاب صحيحًا وليس كل صحيح فيه جديدًا).. أطال الله في عمره.
رحيل شيخ التربويين
كنت ألتقي الدكتور ?حامد عمار? شيخ التربويين وهو في سن متقدمة منذ قرابة عشرين عامًا وكان يبهرني فهمه للأمور واهتمامه بكل تفاصيل تطور العملية التعليمية في ?مصر? مقارنة بغيرها من دول العالم المتقدم ولقد نشر ذات يوم مقالاً يرد فيه علي بعض الأفكار التي طرحتها في مقال سابق لي عن قضية التعليم في ?مصر? وكان مؤيدًا للكثير من وجهات نظري في تواضع العلماء وأدب خبراء التربية لذلك توطدت صلتي به وازداد اقترابي منه وكان آخر لقاءٍ لنا عندما دعانا الأستاذ الدكتور ?أحمد جمال الدين موسي? وزير التعليم بعد الثورة لمناقشة رؤيته لمستقبل التعليم في ?مصر?, وكان ?حامد عمار? يومها يعاني من ثقلٍ في السمع ويجاهد بشدة لكي يبدو طبيعيًا ويشتبك في النقاش بحيوية رغم تقدمه في السن, وقد كانت الجلسة التي منحه فيها ?المجلس الأعلي للثقافة? ?جائزة النيل العليا? بمثابة حفل تكريم لاسم ذلك الرجل العظيم, ولقد أصدر ?حامد عمار? كتابًا حول سيرته الذاتية لا يملك المرء أمامه إلا أن ينحني إجلالا وتقديرًا لذلك العالم الكبير الذي فقدت مصر برحيله واحدًا من نجومها اللامعة وخسرت بوفاته التربية والتعليم رائدًا قد لا يتكرر!