القاهرة 20 نوفمبر 2014 الساعة 03:03 م
أهدى الشعب المصرى و الرئيس عبد الفتاح السيسى فى هذا المقال نحو 2 مليار دولار سنويا على الأقل ... والحكاية ببساطة أن موقع مصر الذى يتوسط العالم الذى حفظناه عن ظهر قلب منذ نعومة أظافرنا آن لنا أن نستفيد به بحق وحقيقى بعد أن سبقتنا كيانات كثيرة فى أطراف المعمورة فى مجالات كثيرة .
وإذا كانت قناة السويس قد حفرت قديما لتسهل انتقال التجارة بين الشرق والغرب ، فقد استغلتها بعض الشركات الأجنبية طوال السنوات الماضية بخيانة بعض المسئولين عندنا وتواطؤهم معهم فى ضياع مليارات الدولارات على مصر كانت كفيلة بإحداث نهضة كبيرة عند وصولها لدخل يقارب دخل قناة السويس .
والحكاية ببساطة أن ثروة كبيرة كانت تهبط علينا من السماء طوال السنوات الماضية دون عناء منا، وضيعها على الشعب المصرى غربان نظام مبارك ، وللأسف إن المسلسل مازال مستمرا .
أقصد الكابلات البحرية .. وهى قضية قديمة وجديدة فى نفس الوقت .
فى البداية مركز الثراء لنا يتركز فى موقع مصر الممتاز ووجودها على البحرين الأحمر والمتوسط ومرور قناة السويس على طرفها ونهر النيل فى قلبها ... كل هذه الممرات تجعل مصر عبارة عن شرايين يمكن أن تحمل فيها الكابلات البحرية التى تنقل المعلومات والتكنولوجيا من أوروبا وأمريكا والغرب على وجه العموم والصين والهند وما بينهما من الشرق ، وما بين الشرق والغرب تصل هذه الكابلات بين الشمال والجنوب باختصار ..تربط دول العالم كله ، وكانت مع الأقمار الصناعية السبب فى إطلاق المقولة الشهيرة " العالم أصبح قرية صغيرة " بفضل هذه التكنولوجيا .
أجدنى أقولها مصحوبة بنفس عميق : الله يرحمه مخترع التليغراف الأمريكي صمويل موريس ومن جاء قبله ومن بعده الذين ساهموا باختراعهم فى ربط العالم بهذه النوعية من الكابلات التى بدأت بدائية و تتطورت عبر نحو ال 200 عام لتجعل مصر فى نهاية المطاف تحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم فى مرور الكابلات بها ... يعنى على شواطئنا وبحارنا وقناتنا تنتقل مكالمات التليفون من مختلف أنحاء العالم وتتدفق حركة المعلومات والإنترنت والبيانات الرقمية والمعلومات الخاصة.... باختصار أصبحت مصر مركزا متميزا لحركة التكنولوجيا الرقمية والإنترنت العابر بسبب هذه الكابلات البحرية .
لكن كيف تعامل المسئولون عندنا مع هذه الثروة التى لا تكلف مصر مليما إذا سمحت فقط بالمرور وتتضاعف أرباحها عشرات المرات إذا شاركت بالخبرة ورأس المال !!!... بالإضافة لتقديم هذه الخدمات بثمن شبه مجانى باعتبارنا دولة ممر ، وهذا يعنى انتقال مصر إلى مرحلة التقدم بلمح البصر إذا تم استغلال هذه التكنولوجيا .
المهم أن مسلسل التواطؤ ولن أصفه بأكثر من ذلك (!!!) بدأ فى عهد د. عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق ود. أحمد نظيف وزير الاتصالات فى عهده ورئيس وزراء مصر بعد ذلك حين إتفق على مرور كابل بقناة السويس بمبلغ عشرة آلاف دولار سنويًّا فى حين أن نفس الكابل يدفع رسوما قدرها 64 ألف دولار شهريًّا في بناية معينة في منهاتن بأمريكا كما يقول خبير الاتصالات د. نــايل الـشــافعي و صاحب شركة اتصالات ألياف ضوئية في الولايات المتحدة .. يقول د. الشافعى : ذات صباح خريفي عام 2000 بنيويورك اتصل بي جاري وينيك مؤسس شركة جلوبال كروسينج لكابلات الاتصالات البحرية، متباهيا ومتسائلا: كم أدفع من الرسوم لإدخال كابل في بناية معينة في منهاتن؟ فأخبرته أنني أدفع 64 ألف دولار شهريًّا، فرد علي بأنه بصدد توقيع عقد لتمرير كابل بقناة السويس بمبلغ عشرة آلاف دولار سنويًّا. ويقول الشافعى : في ديسمبر 2000 قابلت د . عاطف عبيد رئيس الوزراء آنذاك، ثم وزير اتصالاته الدكتور أحمد نظيف؛ لأعرض عليهم الأموال الضائعة على مصر، وكيف أن قناة السويس بنيت في القرن التاسع عشر لنقل البضائع إلا أن أهميتها تضاعفت في القرن الحادي والعشرين لنقل المعلومات بين الشرق والغرب.. كل ما علينا هو تحديد التسعيرة المناسبة لمرور المعلومات في القناة (عبر مصر عمومًا) وتحصيل تلك الرسوم. وبينت أنه لو أخذنا برسوم تمرير الكابلات في ميناء نيويورك وطبقناها على حجم مرور المعلومات كما يعلنه أصحاب الكابلات، فإن دخل قناة السويس السنوي من مرور كابلات الاتصالات كان سيتعدى ال 750 مليون دولار عام 2008، ويرتفع إلى بليوني عام 2015 بدون أي استثمارات من جانب مصر.
ويستطرد الشافعى وتمر الأعوام وفي خريف 2006 يتصل بي بروستر كيل مؤسس أرشيف الإنترنت؛ ليشكو من أن شركة فلاج للكابلات البحرية تطلب ما يقرب من مليون دولار في السنة لوصلة إنترنت سرعتها 150 ميجابايت/ثانية لمكتبة الإسكندرية. هذه السعة هي أقل من واحد على عشرة آلاف من السعة القصوى لكابلات الشركة المارة عبر مصر بدون مقابل، رسوم مرور الكابلات في نيويورك تتكون من عناصر عديدة منها أخذ 10% من قدرة الكابل المار للاستخدام المجاني للتعليم والصحة والمكتبات والأمن؛ بالإضافة إلى تحصيل 5% من إجمالي الدخل المتحقق من مرور الكابل. حاولت في أثناء وجودي بالقاهرة الوصول لحل تلك المشكلة، فقابلت وزير الاتصالات آنذاك د. طارق كامل وعددا من مسئولي الاتصالات، وأقسم لي أحدهم بأنه ليس هناك أي كابل مار في قناة السويس أو مصر، بالرغم من عرضي خرائط رسمية تفصِّـل عدد وقدرات الكابلات المارة، تأثر الهند بانقطاع كابل أمام الإسكندرية يثبت أن الكابل يمر عبر مصر إلى الهند، كم تحصل مصر من رسوم مقابل هذا العبور؟!
لكن هل انتهى الوضع عند ذلك ؟ ...لا ... تزداد الفضيحة حين يعلن بعض المسئولين عندنا أنهم درسوا أسعار مرور هذه الكابلات واختاروا أفضلها ، وذكروا من بين هذه الدول بتسوانا التى لا تطل على أى بحر !!
باختصار مصر لا تحصل إلا على الفتات فى بزنس الكابلات البحرية الذى يقدر بآلاف المليارات من الدولارات .. .. باختصار مصر خارج هذا الملعب بسبب بعض المتواطئين ...!!، وآن الآوان أن نعيد هذه الثروات الضائعة من جهة ، ومن جهة أخرى علينا محاكمة من تسبب فى ضياع هذه المليارات على الشعب المصرى من أجل حفنة دولارات فى حسابهم الخاص !!
هل يتحرك المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء ووزير اتصالاته بدعوة مجموعة من الخبراء الوطنيين لدراسة سبل الاستفادة القصوى من هذه الثروة ولنأخذ استفادة الولايات المتحدة من مرور الكابلات بها نموذجا بعيدا عن بتسوانا التى لا تطل على أى بحر إلا إذا كان بحر الوهم الذى صدره لنا بعض باعة الوهم من أجل مكسب رخيص !!
هذه الهدية بين يد الرئيس السيسى والشعب والمصرى أرجو أن تقبلوها ، خاصة إنها تصب فى مشروع قناة السويس الجديد الذى يضع مصر فى مصاف القوى اللوجستية والاقتصادية الواعدة .
yousrielsaid@gmail.com