القاهرة 20 نوفمبر 2014 الساعة 02:58 م
قبل أن تسقط مصر في قاع البركان !!
وكانت مصر مدفوعة دفعا إلى قاع البركان بالمواجهة بين
طرف يتصرف على عجل لتأسيس دولة مصر الإسلامية..
وطرف قلق جدا ويخشى أن يعود به الحاضر إلى " فقه
البداوة " والجهل بطبائع الأحوال في العمران .
( 12 ديسمبر 2012 )
تحذير في الوقت الضائع .. مصر مدفوعة دفعا إلى العنف الدموي ضد شعبها .. وهي حالة غير مسبوقة من " حرب طائفية " بين طائفة بفصائلها ومليشياتها ومعتقداتها ، وتضع نفسها في تصنيف "الإسلاميين" وبين طائفة تمثل غالبية الشعب المصري من مسلمين وأقباط ، وتم تصنيفها في الجانب المقابل من " غير الإسلاميين " من أعداء الدولة الإسلامية ، أو المعارضين للشريعة الإسلامية .. وهي مواجهات سوف تشهد وقائعها الدموية خلال فترة قد تمتد للسنوات الثلاث القادمة وبدءا من الشهور القليلة المقبلة !! وما حدث يوم الأربعاء الدامي 5 ديسمبر 2012 لا يتعدى كونه " بروفة جنرال " على مسرح الأحداث للتلويح بالردع والعنف وعمليات أسر وتأديب للمعارضين .. وكانت مشاهد مسرحية العنف والدم أمام قصر الرئاسة " الإتحادية " في مواجهة إحتجاجات الحشود الجماهيرية ، المعترضة على قرارات الرئيس مرسى ، وعلى الإعلان الدستوري الصادر يوم 21 نوفمبر ، مجرد استعراض أولي للقوة ، ويوم النفير ضد المعترضين على قرارات رئيس مسلم (وكأن الرؤساء السابقين كانوا من أهل الذمة أو من مردة الشياطين ) وإن كان الرئيس المسلم وفقا لما يؤمنون به ، هو الرئيس المنتمي لفصيل إسلامي ، ومكلف بتطبيق شرع الله في دولة " لا بد أن تكون إسلامية " !!
والمواجهة بين الطائفتين ــ حسب تصنيفهم ــ إسلاميين، وغير إسلاميين، تطل علينا شواهدها ومؤشراتها كرؤوس الشياطين .. بين طرف يتصرف على عجل لتأسيس دولة مصر الإسلامية، وطرف قلق جدا يخشى أن يعود به الحاضر إلى " فقه البداوة " والجهل بطبائع الأحوال في العمران ، ويخاف من مستقبل لا يريده .. وسقطنا في دائرة صراع من نوع مخيف ومثير، صراع على مستقبل وهوية وثقافة وطن، وأعتقد أن مصر سوف تبقى فترة قد تطول في قاع البركان ، حتى تعود تلك الفصائل إلى مواقعها السابقة ، كامنة متربصة ، تجتر أفكارها المتطرفة !! وقد يقال إن مصر دائما أكبر من أي فصيل أو طوائف أو مذاهب (وهي في حالتنا من منبع سلفي واحد ) وقد يقال أيضا إن مصر دائما وفي اللحظة الحاسمة والفارقة تفرض قرارها ، وإنها تنتفض في لحظات مفاجئة للجميع ، لتعيد لنفسها وجهها المعتدل الوسطي وتستعيد استقرارها .. وقد يكون كل هذا ــ وبشواهد التاريخ ــ حقائق، ولكن متى وكيف؟ لا أحد يعلم، وكأن علينا الترقب والانتظار، وأن نهيئ أنفسنا لما هو قادم من صراع محموم تكلفته باهظة، وتكاليف الدم تبقى أغلى في كل الأحوال!!
وأخشى أن أقول إنه لا توجد أية بشارات لطمأنة أي مصري ، لأن كل ما حولنا مزعج ، وفي لحظة يتعثر فيها العقل ويشتط فيها الجموح من دون عقل ، وهي لحظة حرجة جدا تدعو لليأس، ورغم كل ما يقال إن مثل هذا أمر طبيعي في حياة الأمم في أوقات الأزمات ، ولكن نحن أمام أزمة ليست ككل الأزمات الطارئة أو العابرة التي تواجهها الأمم والشعوب في حياتها ، فهي أزمة رؤية للمستقبل ولهوية مصر تحديدا !! وهي ليست أزمة في إدارة شؤون الدولة من أجل الاستقرار والبحث عن برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مرحلة ما بعد الثورة ، لكنها أزمة أقرب إلى الصراع المحموم من طرف ــ تمثله فصائل لا يتجاوز عدد أعضائها ومريديها وحتى المتأثرين بخطابها من 3 إلى 5 ملايين مواطن من المجموع المصري 91 مليون مواطن ، صراع حول هوية مصر، وكأننا اكتشفنا في زمن متأخر أن هويتها وثقافتها الإسلامية منهوبة أو ضائعة ، وأن شريعتها الإسلامية منتهكة ، وأنها على أبواب الفتح الإسلامي الثاني ــ كما يقولون ــ بعد أكثر من 1300 عام من الفتح الإسلامي الأول 640 م
.....
.....
نحن أمام أزمة ــ غابت فيها وعنها ــ تماما حسابات العقل والمنطق ، لحساب " فكرة " تأسس عليها التيار السياسي الإسلامي ، وبدأت تعرض تحدياتها على الواقع !! وهذا لم يكن خيارنا ، وهذا ما كان في أول لحظة بعد ثورة 25 يناير .. وكانت الإشارة الأولى ، ولم نلتفت إليها بكل أسف ولا أعرف لماذا، حين فتحت الأبواب فجأة لعودة الهاربين من قضايا عنف وإرهاب من جماعات الجهاديين والتكفيريين، من أفغانستان ، وباكستان ، والصومال ، وإيران وغيرها ، وخرج آخرون من السجون، وحتى الآن لا نعرف لماذا فعلها المجلس العسكري الحاكم وقتئذ ؟ وكيف لم يلتفت إلى درس الرئيس الراحل السادات حين صنع بؤر الجماعات الإسلامية وسمح بعودة جماعات التيار الإسلامي بغرض التصدي لمعارضيه من اليساريين والناصريين والعروبيين ، ثم انقلب السحر على الساحر ووقعت حادثة اغتياله !! وجاءت توابع الإشارة الأولى مع " استفتاء الفتنة " في 19 / 3 / 2011 وصدمتنا شعارات غزوة الصناديق، والتصويت للتعديلات الدستورية بالجنة والنار، وأن من لا يعجبه " يخرج من البلد " !! والإشارة الثانية جاءت من أمام مقر وزارة الدفاع ، حين ارتفعت الرايات السوداء فوق مسيرات وخيام المتظاهرين والمعتصمين ضد حكم " العسكر" ، وكان صوت الشيخ محمد الظواهري ، رأس تنظيم الجهاد وشقيق أيمن الظواهري هو الأكثر حدة !! ثم زحفت الرايات السوداء والخضراء إلى ميدان التحرير فيما بعد ترفرف فوق حشود التيار الإسلامي السياسي !! والإشارة الثالثة والأخطر، ظهرت في سيناء تحت سيطرة الجماعات السلفية الجهادية والتكفيريين، فترسل رئاسة الجمهورية وفودا للتشاور والحوار، وكأن هناك من يتحسب لخطورة الصدام مع الحلفاء من ذوي القربى " فكريا " من السلفيين !!
ولم نلتفت إلى خطورة تلك الإشارات وغيرها، لأننا لم نرفع البصر درجة أو درجتين باتجاه الصعود المفاجئ لأسهم التيار السياسي الإسلامي ، والتغيير الدراماتيكي في الموقف والسياسة الأمريكية ، وبمقدار ما جاء على لسان رئيس أركان حرب الجيش الأمريكي " الجنرال مولن " أمام وفد من أعضاء المجلس العسكري الحاكم في مصر، التقاهم في واشنطن، بأن : " التيار الإسلامي موجود وقوي ، وهو يقدر يمشي الأمور بلا مشاكل " !! وهي نفس الرؤية تقريبا ــ وليست النبوءة بالطبع ــ التي قالها وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر حين التقى وزير الخارجية المصري السابق محمد العرابي في اسطنبول على هامش مؤتمر اقتصادي، وقبل انتخابات الرئاسة المصرية بنحو 9 أشهر بأن : "الإخوان المسلمين قادمون في مصر ، وسيكون لهم الدور السياسي القادم " !! وحين سأله السفير "العرابي " : وكيف ترى الولايات المتحدة هذا الصعود؟ ! فكان رد كسينجر : أنهم ليس لديهم أية مشكلة على الإطلاق، لأن كل ما يهم الإدارة الأمريكية ثلاثة أمور مفصلية في مصر هي : الالتزام باتفاقية السلام مع إسرائيل وضمان أمنها ، وضمان سلامة الملاحة في قناة السويس ، وأن تستمر الولايات المتحدة مصدرا لتسليح الجيش المصري !!
ولكن من وجهة نظر المؤرخ الأمريكي " وليم انجدال " : إن الإخوان مجرد أداة ، ووسيلة ، وهم كمؤسسة إسلامية دولية ، منظمة سرية أقرب إلى التنظيمات الماسونية التي لا تعمل بشفافية ، وأن المخابرات المركزية الأمريكية لها تعاملات مع الإخوان منذ أخرجتهم السلطة الحاكمة من مصر إلى السعودية في الخمسينيات، ولهم علاقات من قبل ذلك مع المخابرات البريطانية، لذلك تشعر المخابرات الأمريكية أن لديهم كيانا معروفا في الإخوان المسلمين، ولذلك يصر بعضهم في واشنطن على صعود الإخوان !؟! وبالطبع فإن للولايات المتحدة خبرة طويلة في توظيف جماعات الإسلام السياسي ، واستثمار شهوتها للسلطة ..
.....
وفيما أتصور ــ وأمامنا الشواهد السابقة والقائمة ــ أن تيار الفصائل المتأسلمة ، لن يتراجع عن أفكاره وطموحاته ، ولا عن تاريخه في إراقة الدماء ، وقد تحول المبدأ المكيافيلي لديهم من " الغاية تبرر الوسيلة " إلى " الضرورات تبيح المحظورات " .. وفي المقابل فإن القوى الوطنية المصرية المتجذرة، لن تهادن ، ولن تفرط في مستقبل وطنها .. وشواهد المواجهة بين الطرفين قائمة ، وهناك من يراقب ويدعم ، ومن وجهة نظر المحلل السياسي الأرجنتيني " أدريان سالبوتشي " ، فإن الغرب يدعم النظام الذي تغير في مصر، وأحد الأهداف الرئيسية لذلك هو الحفاظ على حالة الفوضى والاضطرابات الاجتماعية ، فكلما كانت الدولة مضطربة من داخلها ، بدأ ضعفها خارجيا ، وإن مصر ضعيفة منهكة تصب في مصلحة القوى الغربية وإسرائيل .. ويتفق معه في طرح نفس الرؤية " ميخائيل كرافشينكو " الخبير الروسي في شؤون العلاقات الدولية ، بأن استمرار الاضطرابات في مصر وعدم استقرارها، هو الهدف الرئيسي الذي تريده القوى الغربية ممن يحكمها، سواء اتخذت هذه الاضطرابات شكل المظاهرات أو حتى الحرب الأهلية !!
والمصيبة ــ حقا ــ أن العوامل المساعدة قائمة ومتحركة، وأن عناصرها متأهبة ومتحفزة داخل الشارع المصري، والمصيبة الأكبر أن أمريكا أصبحت لها كلمة عليا في مصر، بأكثر مما هو ضروري، وبأكثر مما هو صحي .. لكن على أي حال هذه قضية أخرى !!