القاهرة 12 اكتوبر 2014 الساعة 02:09 م
لم يقتصر إبداع السينما المصرية على أقلام الروائيين المصريين، بل تعداها إلى الأدب العالمى .و لم يكن الاقتباس و التمصير بجديد على السينما المصرية، فاختلاط الثقافة المصرية بالثقافة الأوروبية أفرز ثقافة تمتاز بنوع من المرونة ،الشىء الذى يجعلها تتقبل الفكر المختلف و الثقافة المغايرة، و بينما قبل المجتمع رقصات الفوكس تروت و التويست ،و بينما غزت آلة البيانو البيوت المصرية كقطعة فنية و موضة أرستقراطية ،غزت الروايات المترجمة الثقافة المصرية، ووجدت سينما التمصير طريقها بسهولة و نجاح إلى عقل و وجدان المشاهد المصرى .
بينما نتكلم عن قضية التمصير و الاقتباس نسير على حافة الموسى أو على حد السكين فكما أن الاقتباس الناجح يصنع أفلاما رائعة تبقى رغم السنين ، و يمر عليها الزمان و لا تختفى من عقل الأجيال المختلفة ، كفيلم " آه من حواء" المأخوذ عن رواية " ترويض النمرة " للكاتب الإنجليزى الشهير " وليام شكسبير " .إلا أن الاقتباس المشوه أو نستطيع تسميته بالتقليد الأعمى، يكون كارثة سينمائية فالنقل عن الأدب العالمى و السينما العالمية له أصول وقواعد، أهمها ألا يكون نسخة بالكربون من العمل الأصلى فيأتى خاليا من الإبداع فقيرا فى الخيال، فيخرج عملا ممسوخا لا هو بالمصرى و لا هو بالأجنبى، و هو ما أخذ فى الاعتبار فى العديد من عمليات الاقتباس و التمصير الناجحة ،التى روعى فيها قيم و عادات و تقاليد المجتمع المصرى ، و أعرافه التى دأب عليها . حيث تم استخلاص الفكرة الرئيسية فى العمل و تقديمها من خلال قالب مصرى و لكن لم يتم نسخ العمل بممثلين مصريين، و هنا كان ذكاء كتاب السيناريو و المخرجين المصريين .
و عن الاقتباس يقول الأستاذ " محمود قاسم " الكاتب و الناقد فى مقاله المنشور بعدد الهلال ديسمبر 2007 . لما جاءت السينما وازدهرت فى مصر، كان المسرحيون هم أول من تحمس لها و حولوا مسرحياتهم الشهيرة إلى نصوص سينمائية، و قد كانت هذه المسرحيات مقتبسة بشكل مباشر من المسرح الأوروبى، و خاصة الفرنسى. و يضيف الكاتب قائلا : مرت علاقة السينما المصرية بالأدب العالمى طوال ثمانين عاما بمراحل متباينة ، الأولى كان المقتبس فيها يقرأ الرواية الأجنبية فى أصولها ، أو مترجمة فى كتب الجيب التى كان يصدرها " عمر عبد العزيز أمين " و سلاس
ل مشابهة ، و الغريب أن الإقبال على الروايات كان أكثر من اقتباس المسرحيات ، قد استمرت هذه المرحلة ما يقرب من ربع قرن بدأت من عام 1932 ، حين اقتبس يوسف وهبى فيلمه " أولاد الذوات " إخراج محمد كريم عن مسرحية فرنسية باسم " الذبائح " ،و ظلت العلاقة ثابتة بين السينما المصرية و النصوص الروائية العالمية، ففى عام 1933 قدمت عزيزة أول فيلم مصرى مقتبس عن رواية عالمية باسم " كفرى عن خطيئتك " و الرواية من تأليف " البير بدرينوز " .
ويضيف الأستاذ محمود قاسم مؤرخا للاقتباس فى السينما المصرية فيقول ، إتجه السينمائيون فى السينما المصرية إلى الأدب الفرنسى بشكل خاص، ففى عام 1935 كتب على عناوين فيلم " دموع الحب " لمحمد كريم، إنه مقتبس عن رواية "ماجدولين " أو تحت ظلال الزيزفون " التى ترجمها و أعدها المنفلوطى عن الروائى الفرنسى " الفونس كار " . و فى العام نفسه ظهر أول اقتباس مباشر لرواية "غادة الكاميليا" لالكسندر ديماس الأبن ، و ذلك فى فيلم الغندورة الذى قامت ببطولته منيرة المهدية و أخرجه ماريوفو لى عام 1936 ، و قد كان هذان العملان الأدبيان معروفان للقارئ المصرى العادى ، من خلال الانتشار الجماهيرى الملحوظ لروايات الجيب ، لكن لا أحد يعرف كيف حصل توليو كيارينى على النص الأصلى لرواية" المرحوم مانيا باسكال " لبرانديللو المكتوبة عام 1934 ، و الأرجح أنه قرأها بلغتها الأصلية دون الرجوع إلى اللغة العربية ،فهذه الرواية لم تترجم إلى العربية إلا بعد صدورها بسبعين سنة .
و نترك الكاتب و الناقد الأستاذ محمود قاسم ، و نستعرض بعض أهم الأفلام المقتبسة من أصول أجنبية سواء كانت روايات أو أفلام، و فى الأغلب ما تكون تلك الأفلام الأجنبية مأخوذة عن أصول أدبية فمثلا فيلم " موعد فى البرج " 1962 بطولة سعاد حسنى ، صلاح ذو الفقار و من إخراج عز الدين ذو الفقار مأخوذ عن الفيلم الأمريكى an affair to remember الذى تم إنتاجه عام 1957، و الفيلم بطولة الممثل الأميركى " كارى جرانت " و الممثلة " ديبورا كير " و القصة مأخوذة عن رواية للكاتبة الأمريكية " ميلدريد كرام " بعنوان love affair،و الفيلم من إخراج و إنتاج المخرج الأمريكى " ليو مك كارى ". و الفيلم يعتبر إعادة إنتاج لفيلم بنفس القصة و لنفس المنتج تم عرضه عام 1939 ويحمل نفس اسم الرواية love affair. و الفيلم بطولة الممثلة الأمريكية " ايرين دين "، و التى رشحت لجائزة الأوسكار خمس مرات و الممثل الفرنسى الذى نال جائزة أوسكار أحسن ممثل عام 1944 عن فيلمه gaslight.
و من الأفلام الشهيرة المقتبسة عن أفلام أجنبية فيلم " آه من حواء " 1962 بطولة رشدى أباظة و لبنى عبد العزيز و حسين رياض ، و المأخوذ عن مسرحية ترويض النمرة لوليام شكسبير عميد المسرح الإنجليزى، و الذى تم إنتاج فيلم عن نفس الرواية عام 1967 باسم " ترويض الشرسة " بطولة النجمة العالمية اليزابيث تايلور و زوجها ريتشارد بيرتون و من إخراج المخرج الكبير " فرانكو زفاريللى " . و من الأفلام الشهيرة المقتبسة أيضا عن روايات أجنبية فيلم أمير الانتقام، و المأخوذ عن رواية " الكونت ديمونت كريستو " للكاتب الفرنسى الشهير الكسندر دوما، و فى الواقع إن هذه الرواية قد تم إنتاجها مرتين، مرة باسم " أمير الانتقام " عام 1950 بطولة أنور وجدى و مديحة يسرى و سامية جمال و من إخراج بركات، و مرة أخرى بعد 12 عاما باسم " أمير الدهاء " و بطولة فريد شوقى و شويكار و نعيمة عاكف و من إخراج بركات أيضا .
قصة شهيرة أخرى استعانت بها السينما المصرية ، و المسرح المصرى أيضا، ألا و هى قصة "سيدتى الجميلة" التى أخذ عنها فيلم " تمر حنة " عام 1957 لنعيمة عاكف و أحمد رمزى و رشدى أباظة ، وسراج منير و استفان روستى، و زينات صدقى و هى مأخوذة عن مسرحية للكاتب الإنجليزى الشهير" برنارد شو" و هى تروى قصة الفتاة الفقيرة التى تتفق مع شاب ثرى على خداع مجتمعه، لهدم فكرة الطبقية فتنتحل شخصية فتاة ارستقراطية، بعد أن يقوم ذلك الشاب بتعليمها عادات و تقاليد مجتمعه الأرستقراطية . و هى نفس الفكرة أيضا التى دارت حولها المسرحية التى تحمل نفس اسم الرواية الأصلية " سيدتى الجميلة " و التى قام ببطولتها فؤاد المهندس و شويكار و نظيم شعراوى ، عام1966. أما الفيلم الأجنبى المأخوذ من نفس الأصل فهو فيلم " My fair lady و الذى قام ببطولته " اودرى هيبورن و ريكس هاريسون و الذى تم إنتاجه عام 1938.
عشرات الأفلام اقتبستها السينما المصرية عن روايات و مسرحيات عالمية، و قد تم نقلها ببراعة و اقتدار على أيدى كتاب سيناريو محنكين، و مخرجين امتلكوا الموهبة لتحويل فكر و ثقافة المجتمعات الغربية، إلى صور مصرية أحبها جمهور السينما المصرية، و تفاعل معها فى علاقة بين السينما المصرية و الأدب العالمى ،ازدهرت و تنامت على مدى نصف قرن .و لكن بعد أن تعرضت السينما لمرحلة الجفاف فى بداية الثمانينيات، بدأت تلك العلاقة فى الضعف و الانحلال. و يعلق الأستاذ محمود قاسم الكاتب و الناقد على هذه العلاقة قائلا : تعكس تلك العلاقة مدى التواصل بين المبدع المصرى كاتب السيناريو، و النصوص الأدبية العالمية . و هى علاقة فريدة باعتبار أن المقتبس المصرى يقوم بتمصير الحدوتة، و يغير فيها الكثير من الوقائع. و هذا عكس ما تقوم به السينما الأمريكية التى تلتزم بأجواء الرواية الأصلية، و قد بدا ذلك واضحا عند تحويل روايات روسية لأفلام أمريكية مثل " الأخوة كرامازوف " و " الحرب و السلام " و أنا كارنينا و غيرها .
بعد استعراض تلك العلاقة الفريدة بين السينما المصرية و الأدب العالمى، و كذلك استعرضنا سابقا نفس تلك العلاقة بين السينما المصرية و نوابغ الكتاب المصريين، و الصروح الأدبية التى أقامت عليها السينما المصرية مجدها الغابر. نجد أن الكاميرا لا تستطيع الاستغناء عن قلم الكاتب و خيال الأديب، و إبداع و عظمة أدب الرواية المتجذر فى كيان الإنسان على مر العصور، و الذى بلورته الأساطير و الحكايات الشعبية على مر التاريخ، قبل أن يأخذ القالب الأدبى و كذلك نجد أن السينما المصرية بدأت فى الانهيار، عندما تجاهلت قلم الكاتب و تجنبت سطور الروايات، لذا فنحن فى النهاية نقول و نكرر، أن لا عودة للسينما المصرية بدون العودة للكتاب .