القاهرة 02 اكتوبر 2014 الساعة 01:26 م
أعاد الفوز الذي حققته الأحزاب الإسلامية في عام 2012م في أعقاب ثورتي مصر وتونس إلى الأذهان شكوكاً لا تنتهي تتصل بدور الإسلام في إجراء تحولات ممكنة في الديمقراطية، ولقد تراكمت هذه الشكوك لعقود منذ الثورة الإسلامية في إيران التي نتج عنها نظام استبدادي تقلد فيه رجال الدينالسلطة، ناهيك عن الخوف من انتخابات قد تؤدي إلى فوضى مدنية مثل الذي حدث في الجزائر عام 1992م.
وتقوم هذه الشكوك على إفتراض أن الإسلاميين لايعملون على ترسيخ الديمقراطية إذ يستخدمون الانتخابات لإقامة سلطة دينية، وهذا التفسير الذي يعني للإسلاميين "كل شيء أو لا شيء" لا يعكس في الحقيقة المسيرة الثابتة لحركات إسلامية ذات توجه ديمقراطي على مدى العقود الثلاثة الأخيرة.
ومن المهم على أية حال أن نلحظ أن دور الإسلام في إجراء تحولات ممكنة في الديمقراطية لا يعني أن هذه التحولات ستقود بالضرورة إلى ديمقراطيات ليبرالية مماثلة للتي في الغرب، وإن كان على الأرجح أن يشهد المسرح العالمي صعود ديمقراطيات متعصبة من حيث أن إحترام ما تأتي به الانتخابات لا يعني على نحو تلقائي نهاية التمييز الذي يقوم على الجنس أو الدين بين المواطنين.
ولقد كشف الانهيار الحادث في أنظمة الاستبداد عن أن الديمقراطية بوصفها الحالي تعد أكثر أنواع الأنظمة شرعية أو بكلمات أخرى " اللعبة الوحيدة في المدينة" وهو الأمر الذي لا يفاجيء المراقبين لسياسات الشرق الأوسط أو المسلمين الذين يشيرون إلى دولتي أندونيسيا والسنغال وغالبية سكانهما من المسلمين ويصفون نظام كل منهما بالديمقراطي طبقاً للمعايير التي وضعها مركز فريدم هاوس.
وعلى نحو مشابه أدى التطور السياسي في تركيا منذ عقد الثمانينيات إلى تبني حزب الحرية والعدالة ليس فقط لانتخابات حرة ولكن لمؤسسات الدولة الكمالية العلمانية، كما تبنى حزبا النهضة في تونس والحرية والعدالة في مصر البراجماتية ذاتها بقبولهما لمؤسسات أنظمة الحكم السابقة، ولذلك فإن الاختبار الحقيقي لديمقراطية مثل هذه الأحزاب يكمن في إصرارها على النظام الانتخابي الذي قد يطيح بالأحزاب السياسية المهيمنة إذا ما اتسمت الانتخابات بالحرية والنزاهة، ولا يعد ذلك على أية حال دليلاً كافياً على أن غالبية دوائرهم الانتخابية تنحاز للديمقراطية ومن ثم يتعين على القيادة السياسية أخذ هذه الحقيقة في اعتبارهم، كذلك فإن الاقتراع المتكرر الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط قد ألقت الضوء على أنه قبل وقت طويل من الربيع العربي تعرف مواطنو المنطقة على الديمقراطية وأشادوا بها.
كما توجد في الوقت نفسه مجموعة من الأدلة على أنه بالرغم من أن المسلمين في كل العالم يحرصون على إتاحة مكان للدين في نظام الحكم إلا أنهم يؤيدون المؤسسات والمباديء الديمقراطية على النحو المعمول به في الغرب، بمعنى أن الذين يؤيدون الديمقراطية من المسلمين هم أنفسهم من يؤكدون على أهمية الشريعة ليس فقط في حياتهم الشخصية وإنما أيضاً في مباديء الحياة السياسية.
وما يثير إهتمام الكثيرين هو أنه بالمقارنة بالخبرات الأوروبية(إلى حد ما) والأمريكية يتضح المزج في المجتمعات الإسلامية بين قبول انتخابات حرة واستقرار مؤسسي ومساواة سياسية واجتماعية للمواطنين من ناحية وبين الاعتراف بتدخل الإسلام في السياسة من ناحية أخرى، وهو الإعتراف الذي يفسر بالعديد من المبادرات التي تحفظ وضع الإسلام كدين للأمة من خلال استخدام القانون على نحو يقبل التمييز، وهو الأمر الضار ليس فقط بالأقليات الدينية ولكن أيضاً للمواطنين المسلمين أنفسهم الذين يرغبون في ممارسة حرية التعبير.
وكل هذا يعني بشكل ملحوظ أن أماكن العبادة ورجال الدين والمؤسسات الدينية المهمة تعد جزءاً من مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى أن القوانين الموضوعة تكفل الأمن للوضع المحوري للدين في الحياة العامة عن طريق القوانين ذات الصلة بالتجديف وبالقيود المفروضة على حرية التعبير، ومثل هذه التقييدات تم وضعها تحت حكم أنظمة علمانية استبدادية وليست من نتاج ما حققه الإسلاميون من فوز وانتصارات في الفترة الأخيرة.
ومثل هذا النوع من الديمقراطية لا يخص الإسلام وحده بل يخص أيضاً البوذية في سريلانكا والكنيسة الأرثوذكسية في اليونان وغيرهما وجميعهم أنظمة غير علمانية، وفي هذا السياق يعتقد البعض أن الدين الذي لا يزال يلعب دوراً مهماً في الديمقراطيات المسلمة الناشئة يمكن أن ينظر إليه كخطوة ضرورية في اتجاه علمانية أكبر، علماً بأن الأمريكيين في الولايات المتحدة الأمريكية الذين كانوا يصفون دولتهم بالديمقراطية المسيحية شهدت كذلك قضايا تجديف عدة إلى أن قامت العلمانية في القرن التاسع عشر بضمان حرية التعبير لكل الأمريكيين.
وهناك من يرى أن دمج الدين بالمؤسسات الوطنية لم يمثل مرحلة من المراحل وإنما كان في الحقيقة يمثل نوعاً جديداً من الديمقراطية نتيجة إدماج المسلمين ودول أخرى ليست غربية داخل النظام العالمي، وربما يأتي المستقبل بما يؤكد صحة هذا الأمر.
ترجمة للباحثة جوسلين سيزاري - مركز بيركلي للدين والسلام وشئون العالم - جامعة جورج تاون