القاهرة 24 سبتمبر 2014 الساعة 11:07 ص
حين ظهرت كراكات حفر المجرى الإضافى لقناة السويس، سافرت أفكارى إلى كراكات أخرى بدأت عملها منذ عام 1974 لحظة أن بدأ الانفتاح الملعون،
وهى كراكات إباحة الكسب بدون ضابط أو رابط، وقامت تلك الكراكات غير المرئية فى اقتحام بيوتنا نحن المصريين لتأخذ منها خيرة شبابها ليعملوا فى مهن لم يحسن إعدادهم لها ، إلى الدرجة التى كان بالإمكان رؤية خريج كلية للاقتصاد بدرجة جيد وهو يقف فى محطة بنزين ليعمل فى تموين السيارات بالوقود، وترى شابا آخر فى شوارع مدينة عمان وهو خريج كلية العلوم بتقدير جيد وهو يقوم بتحضير الشيشة فى مقهى. وطبعا لم يكن هناك فرصة لكسب الرزق إلا فى أعمال هامشية لاترتبط بما درس .
وإذا كانت المدارس الثانوية قد تم تفريغها من محتواها التعليمى لتصير مجرد بحيرات بشرية يصطاد منها كثير من المدرسين أسماكا بشرية تحلم بالسباحة إلى كليات القمة المزدحمة عن آخرها بأساتذة قد يمر الشهر بأكمله دون أن يدخل أحدهم إلى مدرج ليشرح لطلبته شيئا.
وكانت بطون النساء المصريات تزيد من التعداد البشرى دون أن تكون هناك قدرة على تحمل المجتمع لمسئولياته عن صحة الأطفال، فضلا عن تعليمهم ما يؤهلهم لسوق العمل .
وإذا كانت هزيمة يونيو 1967 كانت نتيجة طبيعية لتولى أهل الثقة مقاليد إدارة أهم مؤسسة مصرية على مر التاريخ وهو الجيش، فقد كانت قيادة جمال عبدالناصر بعد هذا التاريخ قادرة على إعادة اختيار من هم أهل للقيادة التى أحسنت تدريب جيش استطاع تحقيق معجزة بشرية مازالت تتغنى بها المعاهد العسكرية واسمها حرب أكتوبر 1973. ولكن رحلة الانفتاح التى بدأها السادات وتبعها ركود زمان مبارك قد أدار كراكات تفريغ المجتمع المصرى من المهارات والقيادات العلمية والاجتماعية، وصار عيد العمال - على سبيل المثال - فرصة لسماع هتاف يقول: المنحة ياريس، ولم تكن المنحة تلك سوى طباعة لأوراق نقد لا رصيد لها من إنتاج فعلى ، ثم بدأت رحلة تفكيك القطاع العام وبيعه فى مزاد أنتج مزيدا من الطفيليات المتوحشة الناهبة لقدرات هذا المجتمع ، وألقى محترفو زواج السلطة بالثروة بعشرات الألوف من العمال إلى قارعة شارع اسمه المعاش المبكر. وكلما تملل الناس من رؤية أيديهم التى تنتج قد قصرت وضمرت لأنها لا تجد طريقا للمشاركة فى إنتاج يعود نفعه إلى المجموع. وتزداد اليد القادرة على الإنتاج ضمورا لأنها لا تجد فرصة للتدريب أو المشاركة فى أعمال لها مستقبل، وتزداد اليد الأخرى طولا لأنها تدربت على الفهلوة وعدم الإتقان. وصار إبداع الحاكم هو أن يمد فترة بقائه على عرش هذا الوطن بمنطق امنحونى ربع قرن لتروا وطنا منتجا وأعطاه الوطن فوق الربع قرن خمس سنوات أخرى ليتملل البركان ويقذف بهذا الحاكم بعيدا. وحين قبل المصريون حكم المتأسلمين كانوا قد قرروا الدخول إلى تجريب ما ظل الدعاة يروجون له، فجاء عام أكثر إظلاما وقسوة من الثلاثين عاما السابقة عليه ، فتحرك البركان مرة أخرى ليقذف بالمتأسلمين بعيدا.
وقد تجلى ذلك فى الثلاثين من يونيو والثالث من يوليو والسادس والعشرين من يوليو، وازداد التجلى وضوحا بمشاركة عموم المصريين فى أسهم قناة السويس ليرصدوا أربعة وستين مليارا من الجنيهات فى ثمانية أيام كى يتم حفر القناة الجديدة بأموال مصرية لا بقروض أجنبية.
أكتب ذلك لمن يسألون عن ّ الظهير السياسى لهذه القيادة الموجودة الآن فى نيويورك تواجه قوى التخلف اللامع الساعى لتفتيت منطقتنا، وهذا الظهير السياسى يحتاج فقط إلى مؤتمر فى كل محافظة مصرية لمن وقعوا على استمارة تمرد ، ويمكن أن نضم لهم خيرة الخبرة التى اختارها المجلس العسكرى تحت لافتة المجلس الاستشارى بشرط ابتعاد المتأسلمين عنهم ، ويضاف إليهم الخمسون عضوا الذين وضعوا الدستور. ومن تلك المؤتمرات بالمحافظات يمكن انتخاب أعضاء مؤتمر مصغر ليختار من يمكنه الترشح للبرلمان.
هانحن بعد طول هذا الزمان الفارق، نجد أمامنا تنظيما سياسيا يمكنه أن يعبر عن جموع المصريين، ويمكنه أن يركل بعيدا أصحاب كراكات استنزاف ثروات الوطن البشرية والمادية لتبقى كراكات حفر قناة السويس الجديدة بمشاركة جموع المصريين هى دليل إعادة إنتاج مجتمع يضع العلم والتدريب فى خدمة العلم . ولسوف نلحظ تساوى اليد المنتجة مع اليد التى تأخذ ليستقيم لنا الطريق إلى مستقبل نحلم به .