القاهرة 17 اغسطس 2014 الساعة 10:06 ص
لكى لا أطيل على القارئ حيرته، فالقناع الحائر هو قناع مومياء السيدة الجميلة كانفر التى عاشت منذ 3200 سنة تقريباً ودُفنت فى سقارة بجوار هرم جدها الأكبر زوسر، المعروف بالهرم المدرج.. والقناع ليس من الذهب أو من الأحجار الكريمة لكنه قناع بديع ملون على طبقات من الكتان المغموس فى الجص، وهو تحفة فنية من مخلفات حضارة عظيمة لاتزال باقية رغم تكالب الكوارث عليها. والقناع فى الواقع ليس حائراً، فهو قابع ومستقر فى متحف مدينة سانت لويس الأمريكية! أما الحائر هنا فهو دم هذا القناع الذى تفرق ما بين مسؤولى المتحف بسانت لويس وبين القضاء الأمريكى وبين المسؤولين عن الآثار فى مصر.. فمن هو الجانى الحقيقى وراء خروج القناع من مصر؟ لا أحد يعرف.. لكن المؤكد أن القناع سُرق فى الطريق ما بين سقارة والمتحف المصرى بالقاهرة، وذلك بعد كشفه بسنوات على يد العالم الأثرى المصرى زكريا غنيم.. حيث خرج القناع من سقارة للمتحف المصرى ليتم إعداده للخروج فى معرض لليابان لبضعة شهور بعدها يعود مرة أخرى لسقارة، لكن القناع أبداً لم يعد مرة أخرى إلى سقارة! وبعد سرقة القناع بسنوات، يظهر بأمريكا فى معرض تحف يدعى «فينوكس أرت» بنيويورك بعد شرائه من تاجر عاديات أرمنى، ويقرر متحف سانت لويس شراء القناع، ولكى يطمئن قلبهم، أو لنقل لكى يقنعوا أنفسهم بأنهم عملوا الواجب المفروض عليهم، أرسلوا خطاباً إلى مدير المتحف المصرى فى ذلك الوقت- الدكتور محمد صالح- برغبتهم فى شراء القناع.. وبدلاً من أن يكون الرد صارماً حازمًا من نوعية «هذا قناع مصرى قديم مسروق نطلب استرداده»، وصلهم رد يقول اعملوا اللى انتو عايزينه.. ليس لدينا معلومات عن القناع!! ولم يتردد المتحف، واحتفظوا بالجواب فى أرشيفهم طيلة سنوات، لعلمهم أنهم يوما ما سيحتاجونه دليلا على براءتهم من دم القناع.
وفى عام 2006 حينما كنت مسؤولاً عن هم الآثار المصرية، نبشت الدمل وأفرغت صدأ سنوات من اللامبالاة والإهمال والظلم لحضارة الفراعنة، وطلبت من متحف سانت لويس إعادة القناع فرفضوا، فقمت بدعوة كل مدارس مدينة سانت لويس بالتوقف عن زيارة المتحف لأن به أثرا مصريا مسروقا من بلده الأصلى. واتصلت بعضو الكونجرس المسؤول عن المدينة، ثم فوضنا هيئة الأمن القومى الأمريكى بمقاضاة المتحف أمام وزارة العدل، وعندما أرادوا معرفة ماذا فعلنا فى قضية السرقة فى مصر؟ أحلت الملف لنيابة الأموال العامة المصرية، وللأسف تلقينا الصدمة الثانية! عندما استدعت النيابة مديرة المتحف المصرى فى ذلك الوقت- الدكتورة وفاء الصديق- للإدلاء بشهادتها قالت على غير الحقيقة إن القناع ليس مسجلا بالمتحف ولا نعرف عنه شيئاً، وهى الشهادة التى وصلت لمتحف سانت لويس، فضموها إلى الخطاب سابق الذكر، لكى تضيع بسبب الخطاب والشهادة قضية القناع ويصدر النائب العام الأمريكى أوامره بوقف التقاضى ورفض دعوى الاسترداد!! والآن يبقى سؤال مهم: هل قامت مصر بحساب المخطئ والمقصر؟ لا، لم يحدث. والأدهى أن الإعلام المصرى- وله العذر، حيث لم يكشف له أحد الحقيقة بالمرة- بدأ يلقى التهم على أمريكا وعلى القضاء وعلى أى شىء إلا على الجانى الحقيقى، وهو الإهمال والتقصير ممن وكّل إليهم مهمة الحفاظ على التراث والآثار.. ولكن نحن نقول دائماً إنه ما ضاع حق وراءه مطالب.. فالحل هو أن نعد قضيتنا جيداً، ولنعمل وفق منظومة عمل ممنهجة وعلم ومعرفة، تقوم على قاعدة بيانات حقيقية لحجم الكارثة التى لايزال يتعرض لها تراث مصر الأثرى.