القاهرة 27 يوليو 2014 الساعة 02:55 م
أنا الابتسام !!
والبسمة لا تفارق فمي :
يوم مولدي ..
كل ملوك الدنيا
تطأ قدمي ؟!
وأنا الموصوفة للفرح
لا أسخر قلمي
فهو السبيل الأبدي
للسخرية من أمم
وهو الشاهد عذرا
على جذوري منذ القدم .
يغلي رصاصات
كلما في جسمي
انفجر دمي
براكين غضب
و "لافات " حمم
كي لا يستر إخفاقات قومي
في ميدان الرغبة
إتاوات بثمن علمي
تمرغه بالتراب
لا يتكلم لزاما
يصمت ...
حيث الكلام واجب
بساحات الألم .
أنا الابتسام !!
والبسمة لا تفارق فمي :
أوزع لحمي ..
برصيف رهبانية
تمخر عباب سنمي .
تبجله أقداحا
من نبيذ معقم
يعم جوده
على شعوب تنعس
بين ثنايا وشمي
تعشق رسمي
أكوابا وقوارير
من فضة فرس وعجم ؟ !!
كي تستيقظ فجرا
على قذيفة ..
صنعها عدوي
من نعمي .
أنا الابتسام !!
والبسمة لا تفارق فمي :
أخطو خطوتي الأولى
بمأزر صنم
بريء هو من تعدد الالاه
في سرية
و أمام ذوي القربى
من أحشاء رحمي .
يمجد الله الواحد
في نبضه ..
وفوق خشبة
يحميه ..
كي يجعله واقفا
منتصبا ...
كما القمم .
لا ينحني لمعبود
فقط معبودة ...
أولى
... تظفر بغنيمة كثيفة الدسم
يردد اسمها جهارا
و بمنامه
يراها بكل حلم
هي الابتسام !!
والبسمة لا تفارق
محياها الهاشمي
تخرج كل يوم
من مخدعها ..
كي يعم الفرح
أراض جرذاء
بصحراء جزيرة
و ببادية شام
تسير وحدها بالقفر
تحرصها الريح
ولها خاصة
ظل الغيم !!
تلطف الجو
أينما حلت
لها الطيب
من ياقوت الهند
و زمرد الروم ...
هي رياح الأطلس
لعرش القصيد وصفت
حروفها لنسج الكلم
هي سبيلنا للبقاء
و هي ولية النعم !! "
يحمل عنوان القصيدة "مواكب" فيضًا دلاليا ثريًا ينم عن السير بزهو وزينة ،حيث أعلنت الذات الشاعرة منذ البدء في القصيد مكانتها السامقة في عالمها الشعري المتوهج بكل مبدع وأصيل،،فجاء العنوان منسجما مع كل التيمات الدلالية التي نسجتها خيوط القصيدة .
استطاعت الأنا القوية أن تكون محورًا رئيسًا في كل أرجاء النص،حيث أثرت الذات الشاعرة استخدام تلك الأنا المسيطرة سواء استخدامها مباشرة من خلال الاسم أو اللقب أو الصفة ،أواستخدام الضمائر المنفصلة والمتصلة وهذا يدل على انشغالها بالأنا وتوظيفها لها في كل تيمة من تيمات القصيدة.
انقسمت القصيدة إلى أربعة مقاطع ،أثارت المقاطع الثلاثة الأولى صوت الضمير بنبرة عالية بدأت بتكرارضمير المتكلم المنفصل "أنا" لرصد واقع الذات الشاعرة وتمثلها للأنا في كل المواقف فجاء استخدام الأنا مع الاسم/أنا الابتسام/ ومع اللقب/هي رياح الأطلس/ومع صفات الأنا/ هي سبيلنا للبقاء/ وهي ولية النعم/
أما في استخدام الضمائر فتكثف الذات الشاعرة من استخدام ضمير المتكلم ،ففي المقطع الأول /أنا الابتسام، والبسمة لا تفارق فمي/ أنا الموصوفة للفرح/ ثم الثاني فالثالث تكرر أيضا/ أنا الابتسام ،والبسمة لا تفارق فمي/ لتؤكد على عمق الأنا وتغلغلها في الدلالة، ثم المقطع الرابع والأخير انتقلت الذات الشاعرة بالتفات بليغ إلى ضمير الغائب المنفصل في:/هي الابتسام/والبسمة لا تفارق محياها الهاشمي/ هي رياح الأطلس/ هي سبيلنا للبقاء/ وهي ولية النعم/ مظهرة الذات الشاعرة بهذا التلوين الخطابي الأنا بكل تفاعلاتها فهي :المهابة ، المتفائلة الواثقة، القوية، الشجاعة المتعففة والمعطاءة.
ثم تأتي الضمائر المتصلة وجلَّها يتصل بياء المتكلم كما يتضح في:" فمي،مولدي،قدمي،قلمي،جذوري،جسمي،دمي،قومي،لحمي،سنمي،وشمي، رسمي،رحمي".وجاءت الأنا بصورة معمقة لكل مشاعر النفس الإنسانية.
أما الأفعال المسندة إلى الأنا فتزيدها سموا وارتفاعا وإفصاحا عنها وجلَّها أفعال مضارعة في:" تفارق-تطأ -تعشق-تستيقظ- -تخرج-تسير- تظفر-تلطف
أسخر -أخطو- أوزع"
وتتابعت الألفاظ المعضدة للأنا مثل: تفارق فمي،تطأ قدمي،أسخر قلمي،أوزع لحمي وغيرها ، فدلالة الأفعال السابقة تحمل دلالات نفسية للأنا حيث وصفت بالبهجة والفرح ،والإباء والعزة، والقوة ،والأثرة،والحب،والثقة في تحقيق النصر .
أما الأفعال المضارعة المسندة إلى الآخر فـ:"يغلي-يستر- -يصمت-يتكلم- - -يمجد- يردد- ينحني - يعم -يحميه-يجعله-يراها"
تمرغه- تبجله- وتتابعت الألفاظ الممتزجة بالآخر لتظهر هذه الصورة المشوهة كـ يغلي رصاصات /،كي لا يستر إخفاقات قومي/تمرغه بالتراب.
ويأتي الآخر بصوره السلبية فهو قد يكون متمثلا في الواقع المطبق بالصمت بالرغم من كثرة الإخفاقات وآهات الألم ،واستلاب الهوية " ، في ظل شعوب تنعس عن اللحاق بركب السبق والتقدم في شتى مناحي الحياة.
هذه الفورة من فورات الأنا الثائرة على كل قيد يعرقل مسيرتها ،والمتمردة على واقع عربي لا يصحو من غفلته ،يصمت أمام تحديات العصر المستمرة ،يستكين أمام أدوات الموت التي يصنعها له الآخرون،،ويترك لعدوه تحريكه كيفما يشاء.
فتثور الذات الشاعرة وتئن : على شعور تنعس...،كي تستيقظ فجرا/على قذيفة../صنعها عدوي/من نعمي/، فهل من مستيقظ؟!
وتأتي لأفعال الماضية كـ :انفجر:تدل على استباحة الدم العربي في كل مكان على أرض هذا الوطن الجريح.
صنعها :قمة الاستخفاف بالآخر الضعيف الذي يرتضي من عدوه أن يصنع له قذيفة و يشتريها منه ليدمر نفسه بنفسه .
حلَّت،وصفت: تدلان على تمكن الذات الشاعرة من عرشها وهو ليس عرش من الزمرد أو الياقوت ولكن من جواهر ولآلئ من القصيد.
وهذه الإشكالية بين الأنا والآخر جعلت من القصيدة مجالا لكل شىء، وهذه صفات القصيدة ما بعد الحداثة أن تصف كل الملامح الإنسانية لا تعبر عن صور نمطية مجتزئة ،ولكن صور ممتدة "ويقصد بها الصورة التي تتنامى بمجىء صفات متتالية للمشبه به؛ لتعمق الصورة وتعطي إطارا كاملا لها يشع بالصوت والحركة.
الذات الشاعرة في القصيدة عربية حتى النخاع،تفخر بهويتها العربية وأهم ملمح لها هو كل ما يخلد مآثرها وأمجادها ويذود عنها،وهل غير الشعر بمدافع؟!
فالشعر ذاكرة الأمة وديدن الحفاظ على لغتها العربية ومفرداتها قديمها وحديثها،وبه تمكنت الذات الشاعرة من القصيد.
الذات الشاعرة حاملة للهم العربي،بكل قضاياه وشجونه وتُسخِّر شعرها لهذا الغرض السامي ،فهل من مستمع؟!