القاهرة 24 يوليو 2014 الساعة 01:43 م
* هل كانت المواجهة مقصودة بين عملين لنجمين كبيرين تم وضعهما في نفس الموعد تقريباً وبفارق دقائق ليختار المشاهد واحداً منهما ويترك الثاني؟ وهل يفيد العرض الحصري الآن الأعمال الدرامية أم يعوق انتشارها ويقلل أعداد المشاهدين لها.. أقول هذا بمناسبة العرض الحصري علي قناة واحدة لخمسة مسلسلات جديدة لعادل إمام ومحمود عبدالعزيز ويحيي الفخراني وأحمد عز وغادة عبدالرازق.. ثلاثة منها تتداخل مع بعضها زمنياً وهو ما يعني اختيار البعض علي حساب الآخر ثم الانطلاق نحو الأعمال الأكثر انتشاراً والأكثر ملاءمة لظروف المشاهد.. في هذا الإطار يأتي الحديث عن "صاحب السعادة" مسلسل عادل إمام وفريقه و"السيدة الأولي" لغادة عبدالرازق وفريقها والحقيقة أن هذا الوصف الكروي. ينطبق علي المسلسلات فأنت تري من تتابع الأحداث هنا وهناك أن النجم هو رئيس الفريق حتي لو أعطي بعض السلطات والمساحات للآخرين.. مع ذلك فهناك فارق كبيرين لعملين فارق الفكرة والمعالجة والإيقاع وقبل هذا المنطلق أو الرؤية بعائد وبمضي اتجاه المسلسل وهل هو للماضي أم الحاضر أم المستقبل وهو ما يمكن إدراكه بسهولة في كل ما نشاهده علي الشاشات في رمضان وحيث استغرق الماضي جهد أغلب الأعمال وإبداع صناعها حتي الأسبوع الأخير الذي تبقي منها.. ولم يتوجه للمستقبل إلا عمل واحد فقط.
السيدة الأولي.. والصعود فوق الجميع
* يعيد مسلسل "السيدة الأولي" أحداث الأمس القريب إلينا وبعد أن كان الصراع الأساسي حتي منتصفه بين "مريم" الطموحة والمتعطشة للسلطة وبين الجميع سواء الأهل "الأم والأخ" والخطيب القديم أو عائلة هاشم الرئيس المرشح الحزبي الذي تعلقت بأذياله لتصل إلي السلطة فإن الصراع يتحول ليصبح بينها وبين كل الفئات التي أصبحت خصما لها. خاصة بعدما تزوجت أمها من منافس الرئيس الدكتور فريد المرشح الإسلامي وارتدت السروال وساندها شقيقها. في تحليل مرتبك لعائلة السيدة الأولي وارجاع طموحها الهائل إلي أم غير سوية لها نفس الطموح "وهو ما يبدو بعدها من خلال تبنيها لصفقات بيع فتيات صغيرات إلي شيوخ باسم الزواج" ومن هذه الفكرة غير المقنعة لاتساع الخلافات بين مريم التي أصبحت زوجة الرئيس أو السيدة الأولي" وبين أمها وشقيقها. ؟؟ بنا العمل علي أبيها الغريب وجدتها التي تنبأت لها بالسلطة قبل أحد ثم يصب المؤلفان عمرو عبدالمجيد وياسر الشامي جهدهما في نقل شكل صراعات السلطة الحقيقية بعد ثورة يناير إلي الشاشة ووضع السيدة الأولي في قلبها فهي التي تأخذ القرارات ليفاجأ بها الرئيس وهي التي تعين متحدثاً رسمياً من أصدقائها وهي التي ترفض قرارات الزوج وتطالبه بالرجوع عنها هي التي تأمر الداخلية بالقبض علي زوج أختها وسجنه وليس هذا من خلال المشاهد والسيناريو والحوار فقط وإنما الصورة الأكثر تأثيراً وقوة والصورة هنا تظهر سيدة أولي متفوقة في فرص الظهور وفي المساحات المهمة التي تفرد لها في ديكورات السلطة وقصورها وأداء شديد الثقة من "مريم" أو غادة عبدالرازق مع عناية بالغة بالملابس والماكياج وتسريحات الشعر الملائمة في مقابل الرئيس نفسه. ممدوح عبدالعليم بأداء يختلط فيه ضعف الشخصية الدرامية وضعف الأداء أو اعتماده علي أسلوب يظهره هكذا سواء من خلال الانفعالات المبالغة والصوت الخافت. فمن هو هذا الرئيس الذي يبدو في واد وزوجته في واد آخر وهل يهمر المسلسل والمخرج محمد بكير دوره خصيصاً لخدمة دور السيدة الأولي؟.. وليس تهميش الرئيس فقط فالعمل يهمش كل الفئات بما فيها الوزارة والوزراء والمسئولون من أجل تسليط الضوء علي زوجة الرئيس بدون أن يبرر لنا المسلسل ولا اهتمامات حقيقية تبرر هذا الطموح القاتل.. ولا شخصيات لها قيمتها تريد مصلحة الوطن سواء من الحكومة أو المعارضة.. فماذا يريد بنا المسلسل في الحلقات القليلة القادمة؟
صاحب السعادة..والإرث
في "صاحب السعادة" لعادل إمام والكاتب يوسف معاطي والمخرج رامي إمام لا تأتي المفاجأة فقط من اختيارات الفريق الذي سيظل مع البطل حاضراً في أغلب المشاهد مثل الفنانة الكبيرة لبلبة في دور الزوجة صعبة الرأس أو بعض من النجوم اللامعين مثل إدوارد وأحمد عيد وخالد سرحان وهاني عادل أو الفنانين القديرين خالد زكي ونهال عنبر في دور وزير الداخلية وزوجته اللواء في الوزارة نفسها وكذلك الفنان لطفي لبيب في دور الحاج عبدالعزيز جار البطل بهجت.. كما المفاجأة في فريق الممثلين الصغار. الأطفال الذين أعطوا للعمل روحاً أخري أضافت إليه وإضاءته بعبق المستقبل أطفال من المفترض أنهم أحفاد البطل بهجت أبوالخير القبطان السابق يجتمعون مع آبائهم وأمهاتهم في أحضان الجد والجدة. يتعلمون أن لكل منهم رأياً يحترم. ويتداولون في كل القرارات التي تخفي حياتهم في بيت الجد. وصوت كل منهم له نفس أهمية صوت بهجت "عادل إمام" كما يناودنه بعيداً عن الفروق القديمة بين الأجداد والآباء والأبناء واللهاث وراء لحظاتها. وما تفعله بنا ولكنه عمل عن جمال الحياة وعن استعادة العلاقة الأسرية الحميمة بأسلوب جديد يؤكد علي الديمقراطية التي تبدأ من البيت وهو ما نتلمسه تدريجياً مع تتابع القصص وتشابكها ومن خلال هذه الشخصيات كلها بدون أنانية وانحياز للنجم عادل إمام أو لبلبة وباعتبارهما صاحبي المنزل. وفي إطار بناء الشخصيات يمارس الكاتب يوسف معاطي هوايته في إضافة لمسات تميز كل شخصية بدون انحيازات مسبقة وهو ما نراه من خلال "عيشة" زوجة بهجت والأم والجدة التي تتولي قيادة البيت حين يضعف الزوج فتتحول إلي وحش. أما دوري وزير الداخلية وزوجته اللواء شرطة ؟؟؟؟ صورة تكشف بعض الذين نراهم في حياتنا وقد ابتلعتهم الوظيفة أو المهنة فأنستهم ذواتهم الحقيقية حتي الآن وللدرجة التي يحارب فيها الوزير وزوجته ابنهما الضابط "محمد إمام" لرغبته في الزواج من ابنة عائلة "منفلتة" وهو ما تتوقف الدراما عنده من خلال مشاهد عديدة تشارك فيها الأسرة في صناعة البهجة في المناسبات السعيدة معبرة عن الفروق الكبيرة بين أطياف المجتمع الآن في التعامل مع كلمات ومعان بسيطة مثل البهجة والاحتفال وهي فروق لا توجد فقط بين الناس العاديين وبين المتطرفين ولكن بين فرق مختلفة داخل هذا الفريق أو ذاك وليصبح لكل كلمة معني مختلف لدي كل فئة.
قصة الأستاذ حسن
من جانب آخر فلم يكن ديكور المكان الأساسي للعمل أي فيللا بهجت ملائماً. إذ بدا مفتعلا وزائداً الفخامة ومعبراً عن ثراء مبالغ فيه وأقرب إلي ديكورات الفنادق وليس بيوت العائلات. بدا البيت القديم الذي ذهبت إليه العائلة في الوراق أكثر فخامة مما تتوقع أيضاً وربما كانت هذه الديكورات مريحة للمخرجين والممثلين لكنها ليست معبرة دائماً عن الحالة المزاجية التي أوصلت شخصيات العمل إلي ترك المكان بعد الحجز عليه والعودة إلي منطقة قديمة شعبية بعد جنة الكومباوند.. وهل تقضي الحياة الجديدة علي روح العائلة وتماسكها مع وجود كل مشاكل الأحياء المزدحمة؟ ربما يراهن العمل هنا علي صلابة أفراده وعلي مواجهة السلبيات التي تحيط بنا.. أو يلجأ إلي الحل الأسهل.. وهو حل المشكلة المادية للأسرة والعودة من جديد إلي مناطق سكن الأغنياء.. وهو ما يفرق كثيراً في الصورة الأخيرة للعمل.. وفي رسالته إلينا في الحلقات الباقية خاصة بعدما أوصل إلينا رسائل عديدة تخص إنسانية الإنسان في تعامله مع الآخرين. الأقرباء أو الغرباء مثل قصة الأستاذ حسن مدرس اللغة العربية الذي أصبح واحداً من الأسرة وكيف استطاع "بهجت" التعامل معه من منظور راق فأخرج أفضل ما لديه من مشاعر الحب والتقدير وأيضاً الفهم والاحترام وربما كانت علاقة الأستاذ حسن بهجت وعائلته أهم من علاقات الدراما هذا العام في تعبيرها ميراث إنساني اجتماعي قديم في هذا البلد يتعرض للانقراض من جراء مفاهيم جديدة تضغط بشدة مستغلة الظروف الصعبة للناس لحثهم علي الابتعاد عن ميراث المحبة والتكافل القديم وهو ما يصل إليه العمل بطرق عديدة من أهم شخصية البطل نفسه "بهجت أبوالخير" الذي أداه عادل إمام بفهم كبير وانضباط دفعة لتقليص مساحات واسعة كانت له في الأعمال السابقة لحساب بقية الممثلين الكبار والأطفال وليبدو في الصورة الأخيرة أكثر رعاة الفكر حماساً.. إنه المسلسل الوحيد هذا العام الذي يضع المستقبل في اعتباره بعيداً عن الماضي ومعاركه.. والذي يري في الاتجاه نحو الأجيال الجديدة واعتبارهم أبطالاً حدداً في المستقبل وفاعليته كما هم جزء من أهمية الدراما.. وفاعليتها.