القاهرة 12 سبتمبر 2024 الساعة 11:01 ص
بقلم: د. حسين عبد البصير
تميز الفن في عصر العمارنة -الذي يتزامن مع فترة حكم الملك أخناتون وخلفائه في القرن الرابع عشر قبل الميلاد- بتغييرات جذرية ومبتكرة مقارنة بالأساليب الفنية التقليدية في مصر القديمة، ورغم أن تلك الفترة كانت قصيرة نسبيًا، لكنها أحدثت ثورة فنية كبيرة في التعبير عن الشخصيات الملكية، والمناظر اليومية، والطبيعة الدينية.
* السمات البارزة للفن في عصر العمارنة:
- الواقعية والتفاصيل الجسدية
قبل عصر العمارنة، كان الفن المصري يميل إلى المثالية والتناسق في تصوير الشخصيات الملكية، حيث تظهر الأجساد مثالية ومتناغمة. لكن في فترة العمارنة، تغير هذا تمامًا، حيث تم تصوير الملك أخناتون نفسه، وزوجته نفرتيتي، وأفراد الأسرة الملكية، بشكل واقعي ومختلف عن المعتاد.
حيث تم إبراز التفاصيل الجسدية مثل الأذرع الطويلة، البطن الممتلئة، والفك البارز، وتشير بعض التفسيرات إلى أن هذه السمات قد تكون نتيجة تأثيرات دينية أو فلسفية، حيث كان يتم تصوير الملك بشكل أقرب للطبيعة، أو ربما كان أخناتون نفسه يعاني من مرض جسدي وتم تصويره بدقة.
- الأسلوب الطبيعي والعائلي
واحدة من أبرز الميزات الفنية لعصر العمارنة هي التركيز على الحياة العائلية للملك، ظهرت مشاهد كثيرة لأخناتون ونفرتيتي مع بناتهم الست في وضعيات حميمية وطبيعية، مثل احتضانهم أو اللعب معهم. هذه المشاهد كانت نادرة في الفن المصري التقليدي الذي كان يميل إلى تصوير الملك وأسرته بشكل رسمي ومقدس. هذا التغيير أظهر الطبيعة الإنسانية للأسرة الملكية، وأضفى نوعًا من الواقعية والعاطفة على هذه الأعمال.
- التركيز على آتون
نظرًا لأن ديانة آتون كانت محور الحكم في عصر العمارنة، فقد انعكس هذا أيضًا في الفن، حيث تم تصوير الإله آتون على هيئة قرص الشمس الذي ترسل منه أشعة تحمل "أيدي" تصل إلى الملك وعائلته، مما يرمز إلى الحماية الإلهية. كان هذا التصوير جديدًا وغير مألوف في الفن المصري، حيث كانت الآلهة عادة ما تُصوّر في هيئة بشرية أو مزيج بين الإنسان والحيوان.
- المعابد المفتوحة والهندسة المعمارية
في معابد آتون، تخلى أخناتون عن تصميم المعابد المصرية التقليدية المغلقة ذات الغرف المعتمة، لصالح معابد مفتوحة تحت أشعة الشمس، تعكس تركيز ديانة آتون على النور والشمس. كانت تلك المعابد مخصصة لعبادة آتون فقط، مما يعكس الانفصال الواضح عن التقاليد الدينية السابقة.
- الأسلوب الفني التجريبي
تميز الفن في عصر العمارنة بمحاولات التجديد والتجريب، حيث تم كسر الكثير من القواعد الفنية التقليدية، كما تم استخدام المنظور بشكل مبدع في بعض المشاهد، مع محاولة تصوير العمق والبعد في اللوحات.
* الألوان والأشكال:
شهدت هذه الفترة استخدامًا مكثفًا للألوان الزاهية مثل الأحمر والأصفر والأزرق، التي عكست الحيوية والتجدد. كما كانت الأشكال الهندسية المستخدمة في الزخرفة والمعمار أكثر جرأة، مع الابتعاد عن الأساليب الزخرفية التقليدية التي تعتمد على الرموز الدينية القديمة.
* أبرز الأعمال الفنية في عصر العمارنة:
- تمثال نفرتيتي:
يعتبر تمثال رأس الملكة نفرتيتي واحدًا من أعظم الأعمال الفنية من هذه الفترة. يُظهر التمثال الملكة بملامحها الرشيقة وابتسامتها الغامضة، وهو مثال رائع على الدقة والجمال في فن العمارنة.
- المناظر الجدارية:
أظهرت بعض المناظر الجدارية التي تم العثور عليها في المقابر والمعابد مشاهد من الحياة اليومية للعائلة الملكية، ومشاهد العبادة، والتي كانت تعبر عن العقيدة الآتونية. ولكن بعد وفاة أخناتون، تم التخلي عن الفن والديانة الآتونية بشكل سريع، وعاد الفن المصري إلى الأساليب التقليدية. لكن استمرت تأثيرات هذه الفترة في الظهور بشكل متقطع في الفترات اللاحقة، رغم محاولة خلفاء أخناتون محو آثار عصره.
يمثل الفن في عصر العمارنة فترة تجديد وتجريب فني وديني، حيث انعكست فيها الرؤية الشخصية لأخناتون وديانته الجديدة على الفن والعمارة، وعلى الرغم من أن هذه الفترة كانت قصيرة، إلا أن تأثيرها ظل عميقًا ومميزًا في تاريخ الفن المصري.
|