القاهرة 04 سبتمبر 2024 الساعة 12:49 م
بقلم: عمرو خان
إذا كانت مهنتك البحث عن الحقيقة وصناعة الأخبار، وكان قدرك أن تعيش في عصر يسوده الكذب، النفاق، والخداع، وتزييف الحقائق، ستكون ضالتك نادرة الوجود، فلا تبحث عنها بأدواتك التقليدية.
لقد أصبح البحث عن الحقيقة مهمة شاقة لا يمكن التقليل من صعوبتها في ظل عصر التكنولوجيا الذكية، وبات الإعلام -الذي يُفترض أن يكون حارسًا أمينًا لهذه الحقيقة- درع متصدع لا يحمي؛ وغالبًا لا يقدر على المواجهة الحاسمة لكل تضليل أو تزييف، لا سيما مع استخدامه في أحيان كثيرة كجزء من آلة التضليل، سواء عن قصد أو بسبب ضغوط السوق ومتطلبات اللحظة.
مع ظهور الذكاء الاصطناعي (AI)، ازداد النقاش حول دور هذه التقنية الجديدة في مكافحة التضليل الإعلامي أو العكس، وهل الـ" AI" يساهم في تأجيج وتوسيع نطاق التضليل الإعلامي؟ أم أنه يعد مساعد ذكي في الكشف عنه، والحد من توسعه وانتشاره؟
لا يُغيب علينا نحن العاملون في مهنة الصحافة والإعلام؛ أننا أصبحنا عاجزون عن إطلاق حكم نهائي في مدى مسؤولية الذكاء الإصطناعي عن تقافم ظاهرة التضليل الإعلامي من عدمه، ودور الإعلام في التصدي لهذه الظاهرة، أو كونه جزء من الآلة التضليلة؟ لهذا يجب أن نتوقف أمام هذا التصاعد اللا محدود لتغول التقنيات الذكية داخل مجال الصحافة والإعلام، مع وضع ضوابط استراتيجية لاستخداماتها المحكمة.
•دور الذكاء الاصطناعي في مكافحة التضليل الإعلامي:
تعتمد أدوات الذكاء الإصطناعي-اللا معدودة- على تقنيات تعلم الآلة لمعالجة كميات هائلة من البيانات والتعرف على الأنماط الخاطئة أو المشبوهة..
وفي هذا الصدد استطاع الـ"AI" أن يقدم أدوات متقدمة لتحليل وتقييم الأخبار بشكل أسرع وأكثر دقة مما كان ممكنًا في الماضي، ففي عام 2023 ظهرت تقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي مثل أدوات "Factmata" و"Logically" التي ساعدت في تحليل المقالات والأخبار للتعرف على التضليل وتصنيفه بشكل فوري، وتمكنت هذه الأدوات من توفير تقارير دقيقة وسريعة حول مصداقية المعلومات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما ساعد في الحد من انتشار الأخبار الزائفة.
* الجانب المظلم: الذكاء الاصطناعي كتقنية لتعزيز التضليل
نتفق جميعًا أن لكل قاعدة شواذ، وأنه أسفًا؛ ليس كل ما يلمع ذهبًا، ففي عامي 2023 و2024 ظهرت استخدامات مقلقة للذكاء الاصطناعي، تهدف إلي تعزيز التضليل الإعلامي، لاسيما وأن ظهورها كان له أهداف خفية، وغير معلومة حتى اليوم، ولكن أثرها كان شديد الوضوح في محيط تأثيرها.
في منتصف العام 2023 تعرضت عدد من الحملات الانتخابية في بعض الدول الأوروبية لتزوير خطاباتها السياسية، وتم نشر المحتوي المضلل على نطاق واسع بهدف التأثير على الرأي العام، ولقد استطاع بعض المبرمجين من الأعضاء بالحملات الانتخابية المستهدفة الكشف عن تزييف الخطابات باستخدام أداة الذكاء الاصطناعي المعروفة بـ"Deepfake"، التي تمكن من تعديل وتغيير مقاطع الفيديو والصوت بشكل يجعل من الصعب التفرقة بين الحقيقة والتزييف.
وتكرر استهداف أوروبا في العام نفسه بحملة تضليل إعلامي كبيرة، تعمدت نشر أخبار كاذبة حول أزمة الهجرة، واستهدفت هذه الحملة تضخيم المخاوف المرتبطة بالهجرة غير الشرعية، حيث انتشرت مقاطع فيديو مفبركة بالذكاء الاصطناعي تُظهر حوادث لم تحدث أصلاً، حيث أثرت هذه الأخبار على الرأي العام، وزادت من موجة العداء تجاه المهاجرين.
وتعرضت منطقة الشرق الأوسط في عام 2024 لنشر الأكاذيب بشكل مكثف من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتم توثيق حملات تضليل إعلامي واسعة النطاق في دول مثل سوريا والعراق، حيث استخدمت جماعات مسلحة ومتطرفة أدوات مثل "Deepfake" و"Chatbots" مدعومة بالذكاء الاصطناعي لنشر أخبار مزيفة ومقاطع فيديو مفبركة ومصممة خصيصًا لاستهداف فئات معينة من المجتمع، بهدف التأثير على الرأي العام وتأجيج التوترات السياسية والطائفية.
كما انتشرت حملة تضليل واسعة النطاق خلال الانتخابات المحلية في الهند في عام 2024، إذ استخدمت بعض الجماعات "Deepfake" في إنشاء مقاطع فيديو، تُظهر قادة سياسيين وهم يدلون بتصريحات مزيفة، مما أثار الفتنة والارتباك بين الناخبين، وقد أدى ذلك إلى تزايد التوترات بين الجماعات السياسية المختلفة وأثر بشكل مباشر على نتائج الانتخابات.
واستهدفت حملة تضليل إعلامي قارة إفريقيا في 2024، وخاصة خلال فترة النزاعات المسلحة في منطقة الساحل، إذ استخدمت الجماعات المسلحة الذكاء الاصطناعي لتصميم رسائل مفبركة تُظهر الحكومة المركزية وهي ترتكب انتهاكات جسيمة ضد السكان المحليين، وتم نشر هذه الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى تزايد حدة العنف وانعدام الثقة في الحكومة.
وتعرضت أيضا الولايات المتحدة لحملة تضليل إلكتروني مرتبطة بالأمن القومي في 2024، إذ استخدمت مجموعات مشبوهة الذكاء الاصطناعي لإنشاء وثائق ومقاطع فيديو مزيفة، تشير إلى وجود تهديدات إرهابية وهمية، بهدف إثارة الذعر العام وزيادة التوترات الأمنية، واستهدفت إضعاف الثقة في المؤسسات الأمنية وتفاقم الانقسامات الاجتماعية.
تظهر هذه الأمثلة كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة قوية في نشر الأكاذيب والتضليل الإعلامي على نطاق عالمي، مما يبرز الحاجة الماسة إلى تطوير آليات رصد ومكافحة فعالة لهذه الظاهرة، مع تعليم وتدريب العنصر البشري في مجال الصحافة والإعلام على آليات الرصد والمكافحة، وفي الوقت نفسه يتم تدريبه على استخدام "AI" للمساعدة في تطوير أدواته المهنية.
ورغم هذا؛ يظل الذكاء الاصطناعي سلاحًا ذو حدين. فالوجه المضئ له يظهر قدرات فائقة على تحليل الأخبار والتأكد من مصداقيتها، ويمثل أداة قوية في مكافحة التضليل الإعلامي، ولكن بنفس القوة؛ يطل علينا الوجه المظلم في استخدامه لتعزيز وتوسيع نطاق هذا التضليل.
|