القاهرة 20 اغسطس 2024 الساعة 01:19 م
غموض!
بقلم: أمل زيادة
يبدو أني كلما فكرت في شيء يصبح له حظًا أوفر!
بمجرد نشر مقالي في الأسبوع الماضي، فوجئت بوجود إعلان يحمل العنوان نفسه لمطربنا الحبيب: مدحت صالح..
يبدو أنه ينتظرنا الكثير أيها المبدع صاحب الصوت الدافئ الثائر، بكل الأحوال أتمنى لك مزيدا من النجاحات الساحقة.
ولآن كوكبنا مختلف، فقد تجدون أرائي مختلفة أو غير معتادة، لكن ما لا اختلاف عليه كون الكوكب الثاني، أكثر هدوءًا ورُقيًا وخصوصية!
تابعت منذ أيام ظهور مطرب شاب ملثم، يغني بصوت لم أتمكن من الحكم عليه هل هو جيد أم لا؟!
معايير النجاح والحكم على طربية الشخص من عدمه أصابها بعض الخلل بحكم تغلل التكنولوجيا في كل شيء، ووجود السوشيال ميديا!
بحكم ارتباطي بالكتابة فقد لفت انتباهي كلمات أغانيه، جاءت كلماته بسيطة، معبرة عن حالات يعاني منها الجميع حد السواء، حب، هجر، خيانة، خذلان، وما إلى ذلك.
استوقفني حديث البعض وتساؤلاتهم عن هويته، وعمن يكون؟! وتساءلت فيما يفيد معرفة شكله أو اسمه؟! ألا يهمنا ما يقدمه فقط؟!
ألا يهمنا فنه الذي لفت نظري وجعلني أنتبه لوجوده وسط الآلاف ممن نعرفهم ويظهرون بشخصياتهم الحقيقة؟!
ما الضير في الوجود المختلف والغامض وسط كل هذا الوضوح؟!
بدأت التكهنات بتقريب صوته من أصوات مطربين معروفين، وتم حصر تشابه الصوت بين شخصين!
بصفتي كاتبة أتفهم جيدا مبرراته في عدم الإفصاح عن هويته، بل وأقدر فعلته!
ربما آثر عدم الإفصاح عن هويته لأسباب تخصه، ربما رغبة في بقائه مجهولا ليقينه أنه كلما كنت غامضا كلما كنت أكثر قربًا وحاضًرا!
وربما رغبة في إثارة الجدل، وصنع حالة من الغموض تعمل على زيادة مساحة وجوده على السطح، وربما رغبة في العطاء والعمل بحرية دون قيود، وربما رغبة في الوصول للمزيد من النجاحات، وربما رغبة في إيصال رسالة لنا ولغيرنا أن الإنسان كلما ازداد غموضا كلما لفت الأنظار وبالتالي أصبح أكثر شهرة!
أيًا كانت دوافعه ومبرراته يجب علينا احترامها وهذا لم يحدث بكل أسف!
ولنا في الأدب أمثلة مشابهة، كم من كاتب عمل في الظل لأن شهرته لم تعد تحقق ما ينبغي!
فهذا يكتب ويبيع ما يكتب لأشباه الموهوبين، ليحققوا نجاحا ويصبح لعمله صدى أكبر، بل قد يتجاوز الأمر ذلك ليفوز في مسابقات كبرى!
وضع قد يبدو عبثيًا للوهلة الأولى.. لكني أراه بصفتي أحد رواد كوكبنا الثاني بمثابة تبادل منفعة، فقد تم بالتراضي، وهدف الكاتب في الأساس أن تقرأ حروفه وتخلد لا يهم تخص من أو تحمل اسم من! مع الأخذ في الاعتبار أن من يلجأ لذلك، قطعا حاول مرارا وتكرارا وتقطعت به السبل وأغلقت بوجهه الأبوابُ كافة!
قال الكاتب أنيس منصور إنه قدم في مسابقات كثيرة باسمه، ولاحظ أنه لم يفز بأي جائزة، في حين عندما قدم باسم زوجته فازت!
قد يرى البعض أن أصحاب الأسماء الرنانة ليسوا بحاجة للمزيد من النجاح، ويرون أن إفساح الطريق لأسماء مجهولة أولوية أولى!
قد يكونون على صواب لكنهم لا يعلمون أن الكاتب مهما كانت شهرته يسعد كالطفل بأقل تقدير، وهناك العديد من الأمثلة على المستوى العالمي.
فهناك كاتبة مشهورة ذاع صيتها وكان سر نجاحها حرصها على بقائها شخصية مجهولة، فهي لا تقبل الظهور إعلاميا أو حتى للإدلاء بتصريحات للصحافة.. وقد رشحت لجائزة كبيرة وحصلت عليها، وعندما تم الإعلان عن اسمها، فوجي الجميع بوجود ثلاثة رجال يتسلمون الجائزة!
أعلنوا ثلاثتهم أنهم اخترعوا هذه الشخصية الوهمية وسط صدمة كبيرة في الأوساط! ليقينهم أنه كلما زاد الغموض زادت فرص النجاح!
الغموض ليس فقط يكفل لك العمل بحرية، بل يكفل لك المزيد من الوقت، المزيد من الاستقرار والهدوء لمواصلة العطاء والتميز.
ولأننا في عالم لا يقدس هذه الأشياء، قام بعض المزعجين بالبحث وتتبع حسابات المطرب الملثم إلكترونيا، في محاولة لكشف هويته، وبالفعل تم الإفصاح عن هويته وكشف شخصيته الحقيقة، وأعلنوا عن حقيقة شخصيته وصورته، وقاموا بالاستيلاء على حساباته، فاختفي الشاب بعد أن أغلق كل وسائل التواصل الاجتماعي!
لا أدري لماذا فعلوا ما فعلوا؟! فما الضير من وجود شاب ملثم يغني؟!
تطبيقات الموسيقى وموقع يوتيوب مليء بمثل هؤلاء وأكثر، لماذا تم التعامل مع هذا الشخص بهذه الندية والتحدي؟!
اكتشفوا أن الشاب أحد الاثنين الذي ثارت الشكوك بشأنهم، وأنه مطرب بالفعل، له عدة أغان بشخصيته الحقيقة، ربما رغب في تحقيق المزيد من النجاح، ربما كان يخطط للإفصاح عن هويته مستقبلا! ربما أراد التعبير عن حالة لم تكن معتادة في مجتمعات الشباب والراب والأندر جرواند! ربما أراد الانصهار في التخفي رويدا رويدا حتى يصبح هذا الغامض الذي جاء متأخرا، وكأنه البطل الغامض الذي يعبر عن أبناء جيله وقضاياه! ربما أراد الاستمرار بصورته الجديدة بعيدا عن آراء هذا وذاك، هو فقط يعبر عما يشعر به من حب ووجد وحزن وخيبة ويأس!
بعيدًا عن كل هذا، هو شخص أراد ابتكار طريقة جديدة للحرية!
لكن..أي حرية تتمنى وأنت لست من سكان الكوكب الثاني!
|