القاهرة 14 اغسطس 2024 الساعة 01:15 م
بقلم: عمرو خان
يُعد الذكاء الاصطناعي من التقنيات الواعدة التي بدأت تلعب دوراً متزايداً في دعم ريادة الأعمال، خاصة في المشروعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) في إفريقيا. تتسم هذه المشروعات بأنها العمود الفقري للاقتصادات الإفريقية، حيث تشكل أكثر من 80% من فرص العمل في بعض الدول، مما يجعل تحسين أدائها واستدامتها أمراً بالغ الأهمية. يسهم الذكاء الاصطناعي في تمكين هذه المشروعات من خلال مجموعة من الحلول المبتكرة التي تتيح لها تحسين الكفاءة التشغيلية، وتخفيض التكاليف، وزيادة الإنتاجية.
لقد بات الذكاء الاصطناعي محركاً رئيسياً للتحول الرقمي في إفريقيا، وخاصة في مجال ريادة الأعمال للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه العديد من الدول الإفريقية، يوفر الذكاء الاصطناعي فرصاً فريدة لتحسين الأداء، وزيادة الكفاءة، وتعزيز القدرة التنافسية لهذه المشروعات.
وشهدت إفريقيا في السنوات الأخيرة نمواً ملحوظاً في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما فتح آفاقاً جديدة لريادة الأعمال في القارة. يتمتع الذكاء الاصطناعي بإمكانات هائلة لدفع الابتكار وتعزيز الكفاءة في مختلف القطاعات، بدءاً من الزراعة وحتى الخدمات المالية.
على سبيل المثال، في كينيا، ساهمت حلول الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية الزراعية من خلال أنظمة التنبؤ بالطقس وتحليل التربة، مما أدى إلى زيادة الإنتاج بنسبة تصل إلى 30%. وبالإضافة إلى ذلك، بدأت شركات التكنولوجيا الناشئة في نيجيريا وجنوب إفريقيا في استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير تطبيقات تتيح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تحليل البيانات بشكل أفضل، مما يساهم في اتخاذ قرارات أكثر دقة وسرعة.
وفقاً لتقرير صادر عن McKinsey & Company، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم بإضافة ما يصل إلى 1.2 تريليون دولار إلى الاقتصاد الإفريقي بحلول عام 2030 إذا تم استثماره بشكل صحيح. ومع ذلك، لا يزال هناك تحديات تتعلق بالبنية التحتية والتعليم تحتاج إلى التغلب عليها لضمان أن تتمكن الشركات الإفريقية من الاستفادة الكاملة من هذه التقنيات المتطورة.
كما بدأت العديد من الشركات الناشئة في نيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا بتطوير منصات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة وتقديم توصيات مخصصة لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
هذه الأدوات تساعد في اتخاذ قرارات أكثر استنارة فيما يتعلق بالتسويق، وإدارة المخزون، وتخصيص الموارد. وفقاً لدراسة من معهد Brookings، يمكن لتبني الذكاء الاصطناعي أن يزيد من الإنتاجية بنسبة تصل إلى 40% في بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة الإفريقية.
إضافةً إلى ذلك، تشهد إفريقيا نمواً في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التمويل الرقمي، حيث تساعد هذه التقنيات في تحسين إمكانية الوصول إلى التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة التي كانت تواجه سابقاً صعوبة في الحصول على القروض بسبب نقص البيانات الائتمانية. في كينيا، على سبيل المثال، تستخدم منصات التمويل الرقمي الذكاء الاصطناعي لتقييم الجدارة الائتمانية وتقديم قروض صغيرة بشكل فوري، مما أدى إلى زيادة فرص التمويل بنسبة 20% على مدى السنوات الثلاث الماضية.
مع ذلك، تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة في إفريقيا تحديات كبيرة، من بينها نقص البنية التحتية التكنولوجية والمعرفة الفنية. لكن مع الاستثمار المستمر في التعليم التكنولوجي والبنية التحتية الرقمية، فإن الذكاء الاصطناعي يحمل وعداً كبيراً بتحويل مشهد ريادة الأعمال في القارة وتعزيز النمو الاقتصادي.
أحد أبرز التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي في المشروعات الصغيرة والمتوسطة هو تحسين خدمة العملاء من خلال تطوير أنظمة الدردشة الذكية (chatbots) التي توفر دعماً فورياً للعملاء على مدار الساعة.
على سبيل المثال، اعتمدت العديد من الشركات الصغيرة في نيجيريا وجنوب إفريقيا على هذه الأنظمة لتقليل تكاليف خدمة العملاء وزيادة رضا العملاء، حيث أظهرت الدراسات أن الشركات التي تستخدم الدردشة الذكية تحقق زيادة في معدلات رضا العملاء بنسبة تصل إلى 25%.
بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الشركات في قطاع التجزئة الإفريقي الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستهلكين وتوجيه عروض التسويق بشكل أكثر فعالية. تعتمد هذه الشركات على أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة المجمعة من منصات التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يمكّنها من تخصيص العروض بشكل أفضل وزيادة مبيعاتها.
في تقرير صادر عن "PwC" أشار إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تستخدم تحليلات الذكاء الاصطناعي قد شهدت زيادة في الإيرادات بنسبة تتراوح بين 10% و20%.
وفي مجال التمويل، برزت منصات التكنولوجيا المالية (FinTech) كواحدة من أهم القطاعات التي تستفيد من الذكاء الاصطناعي، حيث تتيح هذه المنصات للشركات الصغيرة والمتوسطة الوصول إلى التمويل بطرق مبتكرة. في كينيا، مثلاً، تستفيد الشركات من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقييم المخاطر بشكل أكثر دقة، مما أدى إلى تحسين فرص الحصول على القروض وتقليل نسب التخلف عن السداد.
يُقدر أن هذه المنصات قد ساهمت في تمويل أكثر من 50,000 مشروع صغير خلال السنوات الأخيرة، بفضل خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تقلل من المخاطر وتعزز من الكفاءة.
ومع استمرار انتشار الذكاء الاصطناعي، من المتوقع أن تزداد معدلات الابتكار في إفريقيا بشكل كبير. تشير التقديرات إلى أن تبني الذكاء الاصطناعي في المشروعات الصغيرة والمتوسطة قد يساهم في خلق ما يقرب من 5 ملايين فرصة عمل جديدة في القارة بحلول عام 2030، مع إسهام هذا القطاع بزيادة ملحوظة في الناتج المحلي الإجمالي. ولكن لتحقيق هذا الإمكان، يجب على الحكومات الإفريقية والمؤسسات الخاصة العمل معاً لتوفير البنية التحتية المناسبة، وتعزيز التعليم في مجالات التكنولوجيا، ودعم الابتكار المحلي.
|