القاهرة 04 يونيو 2024 الساعة 11:15 ص
كتب: ممدوح الدخيل ـ الأردن
تعاني المكتبة الإدارية التربوية العربية قصورا كبيرا في مناقشة مفهوم "إدارة المعرفة"، حيث يجد الباحثون التربويون أنفسهم في مأزق كبير وهم يرصدون قصورا كبيرا في مناقشة الممارسات الإدارية للقيادات التربوية وتأثير ذلك على مسارات عملية التربية. وقد حاول الباحث الأردني اخليف الطراونة مناقشة تلك القضية في كتابه "إدارة المعرفة في التربية" ، حيث تتداخل وتختلف وتتطور التعريفات العالمية لمفهوم المعرفة، وذلك نظرا لكثرة وتجدد وتسارع مصادر الحصول عليها، وكيفية التعامل معها، إلا أن هذه التعريفات تتمازج ـ في معظمها ـ مع الاستعداد الإنساني الفطري من المواهب والملكات، وتظل المعرفة بنوعيها الذهني والصريح، المنطلق الأول لمنظومة الممارسات والقدرات الإبداعية.
وتعتبر المدرسة البيئة الأولى، التي يحصل فيها الإنسان على المعرفة بأنواعها، فيدرك قيمتها حيث تُصقل وتُشكل بنيته الفكرية والعملية الخاصة، وتُظهر قدراته ومواهبه.
ولا يمكن للباحثين أن يتجاهلوا قضية أن ممارسات المعلومات واستراتيجيات التعلم المعروفة باسم إدارة المعرفة تحظى بالقبول في مجال التعليم. على المستوى الأساسي، يمكن وصف إدارة المعرفة بأنها مجموعة من الممارسات التي تساعد على تحسين استخدام وتبادل البيانات والمعلومات في عملية صنع القرار.
ويرى الباحث الطراونة أن هذا الكتاب يشكل إضافة نوعية للمكتبة التربوية العربية التي هي بأمس الحاجة لرفدها بإصدارات أكاديمية تستحضر الأفكار الريادية والمبدعة، والممارسات الإدارية للقيادة التربوية الخلاقة في مؤسسات التعليم العالي العربية، حيث سيشكل هذا الكتاب وما شابهه من مؤلفات حديثة متوائمة مع متطلبات العصر عوناً للباحثين والدارسين ورواد المكتبة العربية.
ويأتي الكتاب الذي ضم في جنباته أحد عشر فصلاً رئيسياً هي: مفهوم المعرفة وخصائصها، إدارة المعرفة، اقتصاد المعرفة، رأس المال الفكري، استراتيجيات المعرفة، منظمة المعرفة، أخلاقيات إدارة المعرفة، إدارة المعرفة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إدارة المعرفة وإدارة الجودة الشاملة، إدارة المعرفة في مؤسسات التعليم العالي، نماذج إدارة المعرفة، ليؤكد على أهمية المعرفة، حيث شهد العالم ? العقود الماضية تحولات جذرية ? مختلف المجالات؛ إذ تغيرت المنظومة البنيوية التي تحكم الأسس التي يقوم عليها المجتمع البشري على نحو لم يشهد له التاريخ الإنساني مثيلاً طوال تاريخه الطويل.
وكان المحرك الأساسي ? هذه التحولات هو التقنية بتنويعاتها المختلفة، والتي استطاعت أن توفر الإطار المرجعي الأكثر أهمية وحسماً ? التحوّل الذي طرأ على بنية المجتمع البشري بمختلف أنواع النشاطات فيه، سواء أكانت هذه النشاطات اجتماعية أم صحيّة أم تعليمية أم اقتصادية أم غيرها، حيث استطاعت التقنية أن تؤسس لواقع ذي دلالات معرفية جديدة كانت المحرك الأساسي لكل ما شهده العصر الحالي من تغيّرات.
ويسوق الطراونة في كتابه ما يؤكد على أن المعرفة حالة فطرية، والإنسان دائم البحث عن المعرفة حتى يستطيع التكيف مع بيئته، وتستند المعرفة ? تكوينها إلى معلومات، وهذه المعلومات يجب أن تتعرض للمعالجة الإنسانية من خلال إعمال العقل واستخدام المدركات الحسية والحدس والتطبيق.
مؤكدا على أن امتلاك المعرفة من أهم الموارد التي تسعى لها منظمات اليوم التي بدأت تدرك يقينًا أهمية تبني مفهوم إدارة المعرفة وذلك من خلال الدور الذي يقوم به العنصر البشري العامل بهذه المنظمات والمتعلق بتفعيل هذه المعرفة من خلال العمليات المرتبطة بإنتاجها وتنظيمها والتشارك بها مما يسهم ? تحسين أنشطتها وخدماتها.
ويقدم الكتاب قراءة معمقة في مفهوم إدارة المعرفة، حيث تعد إدارة المعرفة من أحدث المفاهيم الإدارية التي حظيت باهتمام متزايد من قبل المنظمات منذ بداية القرن الحادي والعشرين، إذ دعت إلى تبنيه كوسيلة لمساعدتها على مواجهة تحديات الاقتصاد المبني على المعرفة ومجتمع المعرفة ومتطلباتهما التنافسية والإبداعية.
وينتقل الطراونة الى تفسير مفهوم اقتصاد المعرفة وهو النمط الجديد من الاقتصاد القائم على الأسس الجديدة المعنية بالتطور والسرعة وتحقق فيه المعرفة الجزء الأعظم من القيمة المضافة، وهذا يعني أن المعرفة ? هذا الاقتصاد تشكل مكوناً أساسياً ? العملية الإنتاجية كما ? التسويق، وأن النمو يزداد بزيادة هذا المكون القائم على تكنولوجيا المعلومات والاتصال باعتبارها المنصة الأساسية لهذا الاقتصاد.
ومرورا بمفهوم رأس المال الفكري الحديث نسبياً ? الفكر الإداري وعلاقة رأس المال الفكري بإدارة المعرفة وغيرها من العناوين المهمة يقدم الطراونة في كتابه"إدارة المعرفة في التربية" قراءة نوعية وبحث متفحص للكثير من الجوانب التي تعتبر محل تساؤل وبحث للعديد من الدارسين.
ومع ذلك طوال تاريخ التعليم، كانت إدارة المعرفة فاعلة، ولكن غالبًا ما يتم تجاهلها. لقد اشتمل نظام التعليم التقليدي بطبيعته على جمع المعرفة وتنظيمها ونشرها. لقد كانت تتضمن دائمًا إدارة المعرفة ولم يتم الاعتراف بها صراحةً كممارسة رسمية. وبدلاً من ذلك، كان التركيز في المقام الأول على نقل المعلومات من المعلمين إلى الطلاب. اكتسب مصطلح "إدارة المعرفة" مكانة بارزة في سياقات الشركات قبل أن يتم الاعتراف به على نطاق واسع في مجال التعليم. ومع ظهور التقنيات الرقمية والاعتراف المتزايد بأهمية الإدارة الفعالة للمعرفة، أصبحنا الآن قادرين على التفكير في قيود الماضي وتصور التحسينات في المستقبل. لقد تم نسج بعض جوانب إدارة المعرفة بشكل معقد في نسيج النظام التعليمي لعقود من الزمن، ومع ذلك تم التغاضي عن الاعتراف بها وفهمها الصريح في كثير من الأحيان. لقد طغى التصور الحديث لإدارة المعرفة كنظام منفصل أو ممارسة مؤسسية على وجودها المتأصل في التعليم. ومع ذلك، من خلال دراسة المبادئ والممارسات الأساسية، يمكننا تسليط الضوء على ما هو مفقود وتحديد مجالات التحسين.
|