القاهرة 02 ابريل 2023 الساعة 10:04 ص
بقلم: عمرو خان
بمناسبة مرور 82 عامًا على تأسيس نقابة الصحفيين التي يشرفني عضوية الجمعية العمومية بها، أحب أن أهنئ شيوخ وأساتذة وزملاء هذه المهنة -ذات الهدف الرفيع الرامي في تشكيل الرأي العام ورفع الوعي والبحث عن الحقائق وقتما يصعب الحصول عليها- على صمودنا المستمد من صمود شيوخنا والعراقة التي صبغوا بها هذه المهنة ومنحوها إجلالًا حتي باتت هي صاحبة الجلالة.
لم يكتمل عمري الصحفي العشرون عامًا، ولكني أشعر بفخر بمرور 82 عامًا على تأسيس نقابتنا الكبيرة قيمةٍ وقامة، وبملْء الفم أقولها نقابتنا، إذ كنت في الماضي قبل أن أحصل على موافقة لجنة القيد بقبولي كعضو نقابة تحت التمرين لا أستطيع أن أعلن انتمائي لهذه المهنة وإلا اتهمت بانتحال صفة صحفي، وهذا حدث فعليًا، عندما كنت أعمل في صحفية ورقية شهيرة واتهمني أحد المصادر بانتحال صفة صحفي نظرًا لعدم عضويتي لنقابة الصحفي وأنني لا أحمل كارنيه النقابة بعد فشله في إدانتي باتهامه بالاختلاس في إحدى القضايا الشهيرة بفك وديعة في جهة حكومية ما، أنذاك كنت قد بلغت عامي العاشر في بلاط صاحبة الجلالة، ومثلي مثل المئات من المناضلين ممن قتلهم الشغف في البحث عن الحقائق كان الصبر رفيقي، وعزة النفس عنواني، لم أقبل بأية موائمات من أجل الحصول على خطاب الترشيح للجنة القيد، واستمرت تجاربي الصحفية والانتقال بين موقع وجريدة ومجلة، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة.. وفي غفلة من الزمن أهدتني جعبة الأفراح فرحة مستحقة ومسبوقة الدفع، وتم ترشيحي بناء على أرشيف صحفي يراه البعض قيما وأراه لا بأس به، ودخلت نقابة الصحفيين للمرة الأولى في حياتي بعد عشر سنوات عمل في بلاطها الجميل.
عندما كنت أمر أمام نقابة الصحفيين في تسعينيات القرن الماضي، حينها كنت يافعًا صغيرًا، وكان يرافقني صديق هو الآن طبيبٍ ماهرٍ وذائع الصيت، قلت له:" يومًا سأكون صحفيًا.. وسوف يكون لي مقالات تنشر في الصحف ويقرأها العوام والمثقفين"، وكانت ضحكته على ما أقول تؤذيني، ولكنه كان صديقي، فقرر أن يساعدني، وعرض علي أن يجعلني أزور نقابة الصحفيين بناء على توصية من والده الطبيب الشهير، ولكني خشيت من قبول الدعوة، وقتها شعرت أنني لست مؤهلًا لدخول النقابة، أو ربما كانت لدي هواجس وتخوفات لا محل لها من الإعراب الآن، ولكن الشئ الأكيد هو أن دافعي في رفض الدعوة كان "هيبة النقابة؛ والمهنة نفسها وقدسيتها"، ولكني أقسمت إلا تطأ قدمي نقابة الصحفيين إلا وأنا صحفي معترف به من قبل مجلس نقابة الصحفيين، ووفقني الله وقد حدث ما حلمت به، بالجد والعمل والاجتهاد والعزيمة والإصرار، وليس بأي طرق أخري.
دعك من هذه الثرثرة يا صديقي، وتعالى كي نتفق على ما أود قوله، في رسالته الرقيقة لتهنئة الصحفيين بمرور 82 عامًا على تأسيس نقابة الصحفيين قال الأستاذ خالد البلشي نقيبُنا الجديد والزميل: "إن الصحافة باقية بقدرتها على نشر الوعي والمعرفة، وأن تكون دائمًا صوتًا للمواطنين، وساحة للحوار وتداول المعلومات مفتوحة أمام الجميع"، وأنا أقول له -بعد تهنئتي له بفوزه بمقعد النقيب أمام الأستاذ خالد ميري رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم، والذي أعطي درسا في وحدة الصف بعد خسارته بتصويت الجمعية العمومية للصحفيين- أرجو أن تعمل على نشر الوعي والمعرفة داخل النقابة، وأن يتم تدريب الصحفيين على كيف يكونون صوتًا للمواطنين، وأن يتعلم الصحفي آلية الحوار في ساحة الحوار، وأن يتدرب الصحفي على كيفية استقصاء المعلومات عندما تحجب وتمنع بدون مبرر.
وأخيرًا؛ كل سنة ونحن صحفيين كرام طيبين مُتآزرين.. ورمضان كريم..
أتوجه بخالص التهنئة إلى أساتذتي وزميلاتي وزملائي بمناسبة العيد 82 لتأسيس نقابة الصحفيين، وكل أملي أن تستعيد النقابة والمهنة عافيتها وقوتها بكم، وأن نستكمل معًا رسالة أمل بعثتم بها للجميع، بحضوركم اللافت يوم جمعيتكم العمومية الأخيرة في مشهد ديمقراطي مهيب يليق بنا، ورسالة للجميع أننا أصحاب نقابة عريقة ومهنة عظيمة.
بمثل هذا الحضور صنع أساتذتنا ورواد هذه المهنة تاريخ نقابتنا كقلعة من قلاع الدفاع عن الحقوق والحريات في مصر والوطن العربي، وهو تاريخ يمتد لأكثر من نصف قرن قبل تأسيس النقابة في 31 مارس 1941، تاريخ لم يصنعه الصحفيون فقط ولكن صنعه معهم كل المصريين، تاريخ من محاولات الانتصار للمهنة والوطن والمواطنين كان عنوانه الدفاع عن الحرية وتأسيس نقابة تجمع العاملين بالصحافة وتدافع عن مصالحهم وعن وطن يتسع للجميع.
إنها حكاية نقابة احتمت بالمواطنين منذ أن كانت مجرد فكرة في عقل أساتذتنا العظام، وحماها المواطنون وحموا العاملين بالصحافة حتى قبل تأسيسها بأكثر من ثلاثين عامًا، عندما خرجت أول مظاهرة تطالب بحرية الصحافة في 31 مارس عام 1909 بقيادة الصحفي أحمد حلمي جد الشاعر صلاح جاهين، وقتها ضمت المظاهرة التي خرجت للاعتراض على عودة قانون المطبوعات أكثر من 25 ألف مواطن، كلهم رأوا أن الصحافة هي صوتهم، وأن حرية الصحافة هي سلاحهم في مواجهة الاستعمار والاستبداد، بينما بقيت ذكرى مظاهرتهم عيدًا للحرية وللصحافة، ودينًا في عنقنا جميعًا لمن ساهموا في صنع هذا اليوم، وفي مقدمتهم قائد المظاهرة أحمد حلمي الذي دفع الثمن وقتها بعد سجنه بتهمة إهانة الذات الخديوية، إلا أن اسمه هو من بقي عندما اختار الصحفيون ذكرى المظاهرة يومًا لتأسيس نقابتهم.
هكذا بقي 31 مارس، من 1909 مرورًا بـ1941 وحتى اليوم، واحدًا من الأيام المشهودة ليس فقط في تاريخ الصحفيين المصريين ولكن في تاريخ العمل الوطني والنقابي وفي تاريخ الدفاع عن الحقوق.
وهكذا بقيت رسالة من أسسوا هذه النقابة ومن ناضلوا من أجل تأسيسها لنا جميعًا تقول إن الحرية والتنوع هما روح هذه المهنة وشريان حياتها ومصدر قوتها، وأن تعبيرها عن المواطنين ودفاعها عن حقوقهم هو سلاحها الأول للبقاء والاستمرار، بهما تحتمي وتحمي الحقوق وتدافع عن الوطن والمواطنين وتنير الطريق أمام الجميع.
وهكذا بقي 31 مارس يومًا ملك فيه الصحفيون حلمهم وقبضوا عليه، وبدأوا مشوار العبور به من الدروب الفرعية ومفارق الطرق إلى مسار رئيسى تتحول فيه جهود أجيال، لخروج مشروع النقابة للنور، إلى رايات من الفعل والمواجهات وعبور التحديات يتسلمها جيل من بعد جيل.
هذه رسالة التاريخ لنا تقول إن الصحافة باقية بقدرتها على نشر الوعي والمعرفة، وأن تكون دائمًا صوتًا للمواطنين، وساحة للحوار وتداول المعلومات مفتوحة أمام الجميع.
تحية لمؤسسي النقابة العظام، وتحية لتاريخ طويل من نضال النقابيين الكبار الذين حملوا راية الدفاع عن الصحافة والنقابة وحموا استقلالها وناضلوا من أجل حقوق الصحفيين، وتحية لتاريخ وطني طويل شارك الصحفيون جميعًا في صنعه، وتحية لكل صحفية وصحفي ما زالوا يحلمون بصحافة على قدرنا جميعًا، صحافة على قدر الوطن والمواطنين.
|