القاهرة 11 يناير 2023 الساعة 10:24 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
كان لابد من وضع مقال منفصل عن الفنان في عصر النهضة، ذلك الفنان الذي كان تكوينه هو الأساس في ظهور فنون هذا العصر الذي ما زال تشهد أوروبا كلها زخمه حتى الآن.
فقد أدى تزايد الطلب على الأعمال الفنية في عصر النهضة إلى ارتقاء الفنان من مستوى الصانع البرجوازي العادي إلى مستوى المشتغل الحر بالعمل الذهني، وهي طبقة لم تكن لها جذور ولكنها بدأت تتحول إلى جماعة مستقرة اقتصاديا واجتماعيا، وظل الفنانون في الجزء الأول من القرن الخامس عشر أناسا ذوي شأن ضئيل، ولم تكن ثقافتهم تؤهلهم لأن يكونوا مختلفين على أي نحو مع العناصر البرجوازية الأخرى.
وليس من المفيد أن نذكر أصول الفنانين وحرف آبائهم، ولكن نكتفي بأن نذكر أن كبار فناني عصر النهضة بدأوا مجرد تلاميذ في ورش الصاغة كمساعدين وحرفيين، ثم كانت الموهبة هي الأساس التي فتحت لهم أجواء العمل؛ إذ هم لم يتلقوا تدريبهم في مدارس أو معاهد، وإنما تلقوا التدريب وفقا للطائفة الحرفية التي ينتمون إليها.
وقد بدأ معظم فناني عصر النهضة ومنهم دوناتيلّو وجيبرتي وأوتشيلّو، وأنطونيو بولاجولو، وبوتشيلّي وفرنشا في ورش الصاغة، ومن هنا نستطيع أن نطلق على تلك الورش بالفعل أنها معاهد فنية، كما أن كثيرا من النحاتين بدأوا عملهم من البنائين ونحاتي الأحجار، وظل دوناتيلّو مثلا يوصف بأنه صانع وبناء للحجارة، إلا أن هذا العصر تميز بعدد من الورش لعدد من الصناع مثل فيريكو وسكوارشوني، وهي الورش التي اشتهر رؤساؤها بوصفهم معلمين.
ويبدأ برنامج التدريب للفنان في هذا الوقت بنهج متميز إلى حد كبير، مثل البدء في إعداد الألوان وإصلاح الفرش، ووضع الطبقة الأولى من الصور، ثم يمتد إلى التكوينات الفردية من المسودة، وتنفيذ الخطوات الأقل أهمية في العمل الفني، حتي يصل الفنان إلى قدرة محددة بحيث يستطيع أن يقوم بالعمل الفني كله وحده.
وهنا لابد من إلقاء نظرة حول تدرج العمل في تلك الورش، والتي نستطيع أن نطلق عليها المعاهد الفنية غير المعلنة، حيث كان الفنان في البداية يتعلم تلك المهارات السابقة الذكر، ثم يتحول إلى مساعد للمعلم، ثم في النهاية يؤول له عمل فني وحده، ومن الملاحظ أن ستوديو الفنان في أوائل عصر النهضة كانت تسوده الروح الجماعية للتجمع الحرفي للبنائين ولورش الطوائف الحرفية، ولم يكن العمل الفني قد أصبح تعبيرا عن شخصية مستقلة تؤكد فرديتها، وهكذا كانت تنشأ منظمات أشبه بالمصانع تضم مساعدين وعمالا، لمواجهة المهام الكثيرة، ولا سيما أعمال النحت الكبرى.
كان فنانو عصر النهضة على قدم المساواة من الناحية الاقتصادية مع الحرفيين من أفراد البرجوازية الصغيرة، صحيح أن حالتهم لم تكن ممتازة إلا أنها لم تكن محفوفة بالمخاطر التي يقابلها البنائون على سبيل المثال، ولم يكن هناك ما يسمى بالفنان أو الطبقة الفنية أو العاملين بالفن، فقط كان كل الأمر يتمثل في أنهم هم الفنانون الذين ينهون أمر العمل كله.
كان مركز الفنان في إيطاليا في عصر النهضة أفضل منه حالا عن باقي أوروبا، ويرجع ذلك إلى أن الأمراء في إيطاليا كانوا أجدر على تقدير مواهب الفنانين، ورغبة الحكام الإيطاليين في تشييد الكثير من القصور والكنائس، فكان استخدام الفنانين، ووضعهم في إطار أو مركز اجتماعي خاص.
|