القاهرة 03 مايو 2022 الساعة 08:08 ص
صلاح صيام
العيد عند الشعوب الإسلامية مناسبة متميزة لأنه فرصة للفرح والسرور والتواصل الاجتماعي، ومن مظاهر تميز الأعياد في الإسلام أنها تأتي بعد الانتهاء من عبادتين مهمتين، وركنين من أركان الإسلام: الصيام والحج، وعلي الرغم من الجدية السلوكية المرتبطة بهاتين العبادتين فقد تميز العيدان بالسرور والفرح والأكل والشرب وممارسة الاحتفالات.
ولهذا كان العيد أحد أهم الموضوعات التي أثرت الأدب العربي خطابة ونثراً وشعراً ولا شك أن خطبة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الشهيرة التي ألقاها في يوم النحر في حجة الوداع هي أشهر الخطب وأهمها في هذا المجال، وهي من جوامع الكلم التي أرست كثيراً من المفاهيم الإسلامية المهمة واستمع إليها أكثر من مائة ألف شخص تفرقوا في مشارق الأرض ومغاربها مبلغين عن الرسول صلي الله عليه وسلم.
وقد شكلت المناسبات الإسلامية مادة خصبة للشعراء منذ صدر الإسلام وحتى الآن وتفاوت إحساسهم بها قوة وضعفاً، عبادة وعادة وأخذ الاهتمام مظاهر عديدة، فهذا الشاعر العنصري المتنبي الذي مر عليه العيد وهو طريد مشرد بعيدا عن أحب الناس إليه، صديقه، وممدوحه سيف الدولة الحمداني، وكان في مصر يرجو رضا واليها كافور الإخشيدي، فلما يئس من رضا الأخشيدي هجاه في قصيدة حملها كل حقده وغله عليه، وتركها عند بعض الأصدقاء وفر من مصر يوم العيد، وفي نهاية رحلته هذه فتك به فاتك الأسدي.
يقول المتنبي في مطلع قصيدته:
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضي أم لأمر فيك جديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك يبدأ دونها بيد
وقد يتعرض بعض الشعراء لمحنة السجن والانقطاع عن الأهل والأحباب والأنباء، ويأتي العيد وهم خلف القبضان، فتثور في نفوسهم الذكريات فهذا الشاعر عمرو خليفة الذي كتب قصيدته "ياليلة العيد" وهو بين قضبان السجون يصور فيها ما يعانيه هو وأحباؤه من مأساة الظلم والطغيان فما أشد ما يلاقيه الشاعر وهو في زنزاته الضيقة، فيقول:
يا ليلة العيد كم أقررت مضطرباً لكن خطى كان الحزن والأرق
أكاد أبصرهم والدمع يطفر منه أجفانهم ودعاء الحب يختنق
يا عيد يا فرحة الأطفال ما صنعت أطفالنا نحن والأقفال تنفلق
ما كنت أحب أن العيد يطرقنا والقيد في الرسغ والأبواب تصطفق
وكما أن العيد فرصة للفرح والسرور فقد يكون مناسبة للهم والحزن، أو يذكر بفاجعة، ونجد كثيراً من الشعراء يجدون في العيد محركا لشجونهم حيث يذكرهم إما بالفقراء أو ببعض من فقدوهم من الأهل والأصدقاء.
أما العيد في الشعر الفصيح فقد قال الشاعر الخليفة، عبد الله بن المعتز، خليفة اليوم الواحد، واصفا هلال العيد وصفا بديعا:
أهـلا بفطـر قـد أضاء هـلالـه
فـالآن فاغد على الصحاب وبكـر
وانظـر إليـه كزورق من فضــة
قـد أثقلتـه حمـولـة من عنبـر
ووصف ابن الرومي، الشاعر العباسي الشهير، هلال العيد وصفا عجيبا، فقال بعد أن انقضى شهر الخير والبركة والرحمة والمغفرة، شهر رمضان الكريم، ليأتي العيد بفرحته التي تملأ الأرجاء، وتعم الأنحاء
ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله
تجلى هـلال العيـد من جانب الغرب
كحاجـب شيخ شاب من طول عمره
يشير لنا بالرمـز للأكـل والشـرب
أتى العيد، ولا بد أن يذهب الشعراء إلى الخلفاء والملوك لتهنئتهم، وربما لنيل عطائهم، فذهب البحتري إلى الخليفة العباسي المتوكل
بالبر صمت وأنت أفضل صائم
وبسنة الله الرضية تفطر
فانعم بعيد الفطر عيدا إنه
يوم أغر من الزمان مشهر
وتختلف أعياد أبي الطيب المتنبي، شاعر العربية الأشهر، فها هو يذهب مهنئا سيده سيف الدولة الحمداني بعيد الفطر، فيقول وهو مبتهج مسرور
هنيئا لك العيد الذي أنت عيده
وعيد لمن سمى وضحى وعيدا
ويقول أيضا في عيد آخر وكله بهجة:
الصوم والفطر والأعياد والعصر
منيرة بك حتى الشمس والقمر
كما أن أحد الشعراء الملوك كانت له معاناة أقصى وأمر. لقد كان المعتمد بن عباد، ملك أشبيلة، من خيرة حكام زمانه في خلقه وأدبه واهتمامه بالعلم والمعرفة والشعر والشعراء، لكن أيام سعده لم تدم، فهاجمه ملك المرابطين يوسف بن تاشفين، ليأخذه أسيرا في عاصمة مملكته مراكش، وبالتحديد في أغمات، وجاء العيد، فرأى الملك الأسير بناته في حالة يرثى لها، جائعات حافيات، فكتب بمداد من دموع وآلام قصيدته الشهيرة:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
وكان عيدك باللذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدة
فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة
في لبسهن رأيت الفقر مسطورا
معاشهن بعيد العــز ممتهن
يغـزلن للناس لا يملكن قطميرا
أفطرت في العيد لا عادت إساءته
ولست يا عيد مني اليوم معذورا
وكنت تحسب أن الفطر مبتهـج
فعاد فطرك للأكبــاد تفطيرا
العيد في الشعر النبطي
هذا في الشعر الفصيح، أما شعر النبطي فللعيد فيه نصيب وافر. فحين قضت ظروف الحرب على الأمير الفارس عبيد بن رشيد أن يقضي عيد الفطر وعيد الأضحى خارج بلده، وبعيدا عن أهله، فقال:
العيد عيدناه باقصى صعافيق
والعيد الآخر بالحفر والدجاني
ويتمنى الشاعر الكويتي عبد الله الفرج لو لم يأت العيد، ذلك أنه رأى فتاة في غاية الحسن والجمال، سحرته وملكت قلبه، وحاول التقرب إليها، فلم تعبأ به، ولم تنظر إليه بطرف عين، وتركته هائما مولعا، فقال ضمن قصيدة طويلة:
صار السبب لي يوم عيد وزينه
لا عاد ذاك العيد من بد الاعياد
ويتكرر الأمر مع الشاعر عبدالرحمن الربيعي، ويعاني المعاناة نفسها، فقال:
غرو سلب عقلي وانا منه ملهود
ولا ساعة عن مولع القلب لاذي
مياح مزاح ولا منه لي فود
لاهوب محذيني ولا هوب حاذي
مرن ضحي العيد والسـيف مجرود
بيده وانا ما لي ملاذ ومحاذي
أما سعيدان، مطوع نفي، فلا يهدأ له بال والعيد غدا، لأنه لن يرى محبوبته، فقال يخاطب صديقه الراوية محمد بن علي بن عويويد:
غابت نجوم الليل يا ابن عويويد
وانا اتنور فوق عالي الحيودي
الليله الجمعه وباكر ضحى العيد
عيد على ثلاب جعله يعودي
جعله يعود بغير شر على زيد
وجعله عليهم من ليالي السعودي
كل يساير صاحبه في ضحى العيد
وأنا على غض الصبايا وجودي
من هذه القصائد رائية البحتري التي يهنئ بها المتوكل العباسي بصومه وعيده ويصف فيها خروجه للصلاة وخطبته البليغة: بالبر صمت وأنت أفضل صائم وبسنة الله الرضية تفطر فأنعم بعيد الفطر عيداً إنه يوم أغر من الزمان مشهد وبعض الشعراء استغل فرصة العيد ليذكرنا بالخير والحث علي الصدقة كما فعل الشاعر محمد الأسمر حين قال:
هذا هو العيد فلتصف النفوس به
وبذلك الخير فيه خير ما صنعا
أمام موسم للبر تزرعه
وعند ربي يخبئ المرء ما زرعا
وقد حظي كبش عيد الأضحي بنصيبه من الشعر فكثيراً ما يطلب أحد الشعراء من أحد أصدقائه خروفاً ليضحي به فيتخذه موضوعاً لقصيدة إما مادحاً أو قادحاً.. ويوجد بعض المحاورات اللطيفة التي حواها كتاب "قرة العين في رمضان والعيدين" تأليف علي الجندي نختار منها بعض الأبيات لمحمد بن نصر الدين الدمشقي حيث أهدي إليه أحد أصدقائه خروفاً هزيلاً فكتب إليه يشكره ويمازحه: أبوالفضل وابن الفضل وأهله فالآن فاغد علي الصحاب وبكر
وانظر إليه كزورق من فضة قد أثقلته حمولة من عنبر
|