القاهرة 10 يونيو 2021 الساعة 10:13 م
أجرت الحوار: سماح ممدوح حسن
عندما يُصدر الروائي إبراهيم فرغلي عملا جديدا فدائما نتوقع أن العمل سيحمل طابعا فانتازيا، ويمتلأ بالغموض والتشويق أو حتى سيشبه الحبكات البوليسية، كما في رواية "معبد أنامل الحرير"، وراية "أبناء الجبلاوي"، وأخيرا رواية "قارئة القطار" موضوع حوارنا مع الكاتب اليوم..
يستفيق شخص على صافرة قطار كنداء أخير للركاب، يسرع في اللحاق بالقطار فينسى على كرسي المقهى الذي كان غافيا فيه كل متعلقاته، المحفظة والهاتف وكل شيء ما عدا حقيبة صغيرة لن نعرف من محتوياتها سوى كتاب الأحلام أو كتاب الأوهام، بحسب ما ستجود به ذاكرة الشخص الذي نسي حتى اسمه.
يسعد بلحاقه بالقطار الذى ركض وراءه هربا من سيطرة (أبوه وأمه وأخوته بحياته) ليرحل عنهم بعيدا، لكن العجائب تبدأ أول ما يتحرك القطار، قطار خالي إلا منه في البداية، ووقوده الوحيد هو القراءة، فقدان ذاكرة كل من تطأ قدمه القطار، وقارئة القطار العارية التي تمد القطار بوقوده، وهي ضمانة حياة الركاب الوحيدة بقراءتها.
بعد فترة تيه طويلة بفقدان ذاكرة ركاب القطار العجيب، سيقرر الشخص الغريب أنه لن يستسلم حتى يعرف من هو، وبالفعل يكتشف إجابة ذلك عند قارئة القطار والتي أخفت عنه قصة حياته حتى وصل إلى اقترابه من ارتكاب جرائم قتل في سبيل معرفة هويته ومن يكون.
يقول آخر أبطاله "محمد الوهم" الذى قرر ألا يغادر القطار ليكمل مسيرة القارئة التى ترجلت منه أخيرا:
"في الحلم يعيش الوهم حرا، يتشبه بالحقائق، أما الحلم نفسه فيمضي في مسارات خفية في مدينة العقل الشاسعة، يتلمس دروبَه بين آلاتها، ثم يندثر في قاع الذاكرة، فإن أحيت الذاكرة الحلم عاش للأبد، وإن ألقته في أوديته السرية اندثر في هاوية النسيان".
وعن القطعة الفنية الفانتازية العجيبة الأخيرة للروائي إبراهيم فرغلي كان لنا حولها هذا الحوار:
• هل قصدت بالرمزية فى رواية "قارئة القطار" الموت والحياة أو مراحل تكوين الانسان فى الرحم والولادة فالحياة ثم الممات؟
طبعا تأخذ الروايات ذات الطابع الرمزي عادة، أو بالأحرى تثير لدى القارئ الرغبة في التأويل، أو التفسير، هذا يرتبط بشكل عام بالفانتازيا والخيال، ستجدين دائما في تحليل وقراءات الغرب لألف ليلة محاولات كثيرة للتفسير أو التأويل للخيال باعتباره رمزا، والتأويل عادة يرتبط بثقافة القاريء وخياله وليس فقط بما أراد الكاتب أن يقوله، ربما ما أشرت إليه جوانب من تأويلك للنص، وقد أكون قصدت جانبا منه، وربما لا، وربما نجد تأويلات أخرى أيضا تتعدد بتعدد القراءات.
• نجد الرمزية في معظم رواياتك، هل السرد يُحتم على الكاتب تلك الرمزية أم هو أسلوب أردت به تميز كتاباتك؟
أنا متحيز للمزج بين الخيال والواقع، ويبدو لي أن أغلب القراء يحبون القراءة عن الواقع، عن حياة تشبه ما يعرفون، في محاولة لفهم ذواتهم أو الآخر من حولهم، وفهم حياتهم، بشكل ممتع، كما أتصور، الفانتازيا في تقديري تتيح إما أن تقرأ كما هي، بلا تأويل وتفتح للقاريء بابا للخيال، وفي هذه متعة للقراء الذين يستهويهم الفانتازيا والخيال والعجائبي، أو تفتح باب الرمزية، وتقديري أن المزج بين الواقعي والخيالي يمنح النص فرصة أكبر للتعبير عن قضايا تخص الإنسان في أكثر من مجتمع أو زمن، تمنح النص بعدا إنسانيا وعالميا بشكل ما. أحب أن تأخذ نصوصي هذا السمت أو السمة.
• الزمن والتاريخ والموت.. عناصر سادت أغلب رواياتك وآخرها "قارئة القطار" هل الزمن والتاريخ والموت، عناصر حياتية تشغل أو هي هاجس لديك ففرضت نفسها على أغلب الكتابات؟
أعتقد أننا خلال الفترة من بداية الألفية الجديدة ونحن نشهد ظواهر جديدة على المجتمع، وتغيرات في القيم وفي شيوع نوع من اللخبطة إذا جاز التعبير، وبالنسبة لي كنت أرى أن في مثل هذه الأزمات لا بد من العودة للجذور من جهة للإجابة عن سؤال من نحن؟ ومن جهة أخرى العودة لسؤال عن الهوية، لدينا جذور تاريخية عريقة جدا معرفية ومعمارية وحضارية، فكيف يمكن فهم هذا التناقض الرهيب، الذي يشبه رقصة مايكل جاكسون الشهيرة (الماشي على القمر) يبدو كأنه يتحرك للأمام بينما هو واقف مكانه أو يتحرك للخلف، فكرة أننا نعيش على كنز من المعرفة والحضارة ولا نراه أو نتعامى عنه كان قد شغلني في الروايات الثلاث وقدمت في كل منها محاولة للإجابة على الأسئلة التي تخص انشغالي السابق الإشارة إليه.
• هل يرى إبراهيم فرغلي أن النقد الذي حظيت به كتاباته كافيا أو منصفا بمعنى أدق؟
أعتقد أن كتابتي حظيت بالاهتمام والمراجعة بما ينصفها، وصولا لقارئة القطار، وهذا يكشف لي كيف أن النصوص تضمنت تقنيا وموضوعيا ما يجعل بعض الكتاب والنقاد يهتمون بما أكتب، لكن اللافت مع قارئة القطار، بالإضافة لأقلام نقدية لها خبرة، ظهور موجة جديدة من قراءات قراء شباب، وكتاب من الشباب أيضا لديهم رؤى نقدية لا يستهان بها، أضاءت لي بالفعل الكثير من إمكانات استقبال النص.
• أخيرا، هل يمكن تعليم الكتابة؟ أو من أراد أن يكون كاتبا، فهل يتدرب مثلا على يد كاتب فيصبح في يوم ما كاتب بالمثل؟
أنتمي لمدرسة قديمة تعلمت الكتابة بجهدها الذاتي، ببطء، وبقراءات مطولة وعديدة، وبمتابعة الأساليب الروائية المختلفة، في حدود ما يتاح لها طبعا، ثم بالاحتكاك المباشر لاحقا مع كتاب أصحاب خبرة والتعرف على تقنياتهم وأفكارهم عن الكتابة، في الغرب يوجد اليوم مناهج أكاديمية للكتابة الإبداعية، مبنية على تحليل تراكمي ضخم لأساليب الكتاب الغربيين، وعلى تتبع أنواع الكتابة المختلفة، وهي متباينة جدا مقارنة بالمتاح لدينا، هناك كتابة خيال علمي، أو روايات جاسوسية أو واقعية، رعب، جاسوسية، وفي كل منها إنتاج ضخم جدا، لذلك تتوفر تلك المناهج على ما أعتقد، لكن اليوم مع الإنترنت أظن فرص تعلم وإتقان الكتابة أكبر لكن تحتاج للتمهل والإتقان والجدية.