القاهرة 01 يونيو 2021 الساعة 09:33 ص
حاورتها: روفيدة خليفة
• الترجمة هي الطريق الأمثل لبناء جسر بين النقد العربي والغربي
قصة طويلة، يمكن اختصارها تحت عنوان "حكاية معافرة"، قررت السفر إلى أوروبا فور تخرجها من أكاديمية الفنون، واحتاج الأمر لثماني سنوات، حتى استطاعت تحقيق حلمها، حصلت على بعثة إشراف مشترك من جامعة حلوان لإتمام رسالة الدكتوراه الأولى، بعد عام كامل من تخليص الأوراق وإجراءات البعثة، حصلت أخيرا على تذكرة سفر لألمانيا، هكذا بدأت رحلة المعافرة من أجل المعرفة..
اختارت ألمانيا لانبهارها بالفلسفة الألمانية وبنظريات النقد الألماني الحديث، كان لديها فضول عظيم للتعرف على هذه الثقافة التي أنجبت هيجل وماركس ونيتشه وبريشت، سافرت لألمانيا لإكمال مسيرتها العلمية والأكاديمية، حيث حصلت على درجتين للدكتوراه في الدراما وفنون الأداء، من جامعتي كولن وحلوان وجامعة برلين الحرة بألمانيا، عملت كباحثة مسرحية منذ وصولها لألمانيا، ونشر لها عدد من الكتب والأبحاث العلمية باللغة الألمانية، كما قدمت دورات تعليمية عن المسرح المصري في الجامعات الألمانية، لطلاب المراحل الجامعية المختلفة، وبعد اتقانها للغة الألمانية، بدأت في احتراف الترجمة المتخصصة، في مجال المسرح، هذا بجانب نشاطها في مجال التبادل الثقافي العربي/ الأوروبي، وعملها كمنسقة ثقافية دولية، وأخيرا حصولها على جائزة الحكومة الألمانية للترجمة عن ترجمة كتاب "مسرح ما بعد الدراما".. إنها الباحثة الدكتورة مروة مهدي التي كان لنا معها هذا الحوار..
• ماذا عن جائزة الحكومة الألمانية للترجمة، عن ترجمة كتاب «مسرح ما بعد الدراما» للمنظر الألماني هانز تيس ليمان إلى اللغة العربية؟
أعطتني الجائزة دافعا أكبر لمواصلة مشروع الترجمة الذي بدأته بكتاب "جماليات الأداء" عن إيريكا فيشر ليشته، يكافح المترجم وحده مع مشاريعه، ومهما كان الدعم المادي فهو لا يوازي المجهود ولا سنوات العمر التي تحتاجها الترجمة، هناك فجوة كبيرة بين الكتب المطبوعة سنويا في ألمانيا، وبين المترجم منها للعربية، خاصة في مجال نظريات النقد، وهذا هو الدور الذي أحمله على كتفي، أقصد ترجمة نظريات النقد الألمانية إلى العربية، عن لغتها الأصلية وليس عن لغة وسيطة، جاءت الجائزة كطوق نجاة ففي مرحلة كدت استسلم، وبالنسبة لي تعتبر الجائزة تتويجا لمجهود سنوات من العمل في مجال كافحت سنوات من أجل اتقانه، وتتميز الجائزة بأنها تتعامل مع الترجمة باعتبارها مجالا إبداعيا، وتعتمد معايير التحكيم فيها على دقة الترجمة وحرفية المترجم وخبرته في المجال، أي أنها اعتراف رسمي بالاحترافية والدقة والتميز في الترجمة من جهة حكومية مشهود لها بالنزاهة والمصداقية.
• وما هو شعورك كونك مصرية تحصل عليها؟
حين ترحلين عن الوطن، يصبح الوطن همك الأول، أعشق مصر، وأعتبر كل جائزة أو خطوة تقدم، جزءا صغيرا من ديوني لها، وأحملها معي في كل خطوة أخطوها، وهي الهدف الأساسي لعملي، أحاول أن أرد بعضا من جميلها علي وأن أقدم لها كل ما يمكن رغم البعاد، أكثر ما أسعدني في كل ذلك كلمة "مصرية" التي أعقبت اسمي، تعطي الغربة شعورا وكأن المغترب يسير على أطراف أصابعه في الحياة، وحصولي على الجائزة أعطاني شعورا بأني أخيرا أستطيع السير على كامل قدمي، هذا الشعور الذي لا أشعره إلا في مصر.
• إذا تحدثنا عن ترجمتك لكتاب "ما بعد الدراما" فما أهمية ترجمته بالنسبة لك وما المقصود ب "ما بعد الدراما"؟
نظرا للمجهود الكبير الذي تحتاجه الترجمة المتخصصة، أختار عناوين الكتب تبعا لأهميتها في المجال النقدي، كتاب "مسرح ما بعد الدراما" من أشهر وأهم النظريات النقدية المعاصرة، كما أنه حجر أساس في مجال نقد مسرح ما بعد الحداثة، ومحور نقاش أكاديمي مستمر على المستوى الدولي منذ نشره في نهاية التسعينيات وحتى الآن، كما تمت ترجمته للعديد من اللغات، لذا كانت هناك ضرورة لترجمته للعربية، خاصة وأن النقل عن لغات وسيطة يبعد المحتوى مسافات طويلة عن الأصل، يقف "مسرح ما بعد الدراما" على الضفة المواجهة لمشروع إيريكا فيشر ليشته عن فنون الأداء، وبعد ترجمتي لكتابها "جماليات الأداء"، جاءت ترجمة "مسرح ما بعد الدراما" كخطوة ضرورية لإثراء المكتبة العربية بمراجع متخصصة في نقد ما بعد الحداثة.
أما مصطلح "مسرح ما بعد الدراما" فقد انتشر كالنار في الهشيم في مجال النقد المسرحي على المستوى الدولي، ويهتم ليمان هنا بالتنظير لمجموعة من العروض الأوروبية التي كسرت قواعد الدراما الكلاسيكية، وسعت لخلق جماليات مسرحية جديدة سماها جماليات مسرح ما بعد الدراما اعتمادا على صياغة فلسفة ما بعد الحداثة، يصعب جدا اختصار 400 صفحة بحثية في عدة سطور، أعني لابد من قراءة الترجمة العربية كاملة للوقوف على عناصر نظرية ليمان، والتي سوف تكون متاحة قريبا ورقيا في المركز القومي للترجمة في القاهرة.
• لماذا اخترت الترجمة عن المسرح وليس أي وسيط أدبي آخر، وهل هناك ندرة في الترجمات المتعلقة بالمسرح من الألمانية للعربية؟
تحتاج الترجمة لمعرفة وثيقة باللغة والثقافة المنقول منها وإليها، كما تحتاج إلى معرفة دقيقة بمجال التخصص، ونظرا لدراستي للمسرح والدراما ووعيي بالفجوة بين النقد الغربي والعربي خاصة في الترجمة عن الألمانية، لذا قررت بلورة مشروع ترجمة خاص بي هدفه ترجمة المراجع التنظيرية الألمانية المهمة والمعاصرة، في مجال نظريات النقد المسرحي الحداثي وما بعد الحداثي إلى العربية، ولدى خطة لترجمة نصوص مسرحية ألمانية جديدة، بالإضافة إلى مسعاي لنقل المراجع والنصوص المسرحية العربية إلى الألمانية، والهدف من ذلك، هو بناء جسر للتواصل بين حركة النقد العربي والألماني في مجال المسرح، على الرغم أن مصر بها عدد من المترجمين عن الألمانية، إلا أن أغلبهم يركز على ترجمة الأدب، وأغلب التراجم العربية في مجال النقد تأتي عن الإنجليزية أو الفرنسية، وفي أحيان أخرى تتم الترجمة عن لغة وسيطة مما يبعد النسخ العربية مسافات كبيرة عن المحتوى في اللغة الأصلية.
• ماذا عن تجربة إدارتك لمركز "المسرح العربي والتبادل الثقافي" في ألمانيا؟
تم تأسيس مركز المسرح العربي "تساتي" على يد مجموعة من المسرحيين الألمان والمهاجرين عام 2015، كأول مركز يهتم بالمسرح العربي في أوروبا، وأقوم بإدارته منذ تأسيسه، ويهدف المركز إلى دعم التبادل الثقافي العربي الأوروبي، وإلى تقوية حضور المسرح والفنون العربية المختلفة داخل الساحة الثقافية الأوربية، وتنص اللائحة التنظيمية للمركز على استخدام الفنون المختلفة للتقريب بين الثقافات، ودعم مناطق الاتفاق، وفتح مساحة فنية للتعرف على الثقافة العربية من خلال الفعاليات المختلفة بين أوروبا والوطن العربي، قدمنا عددا كبيرا من الفعاليات الدولية في ألمانيا وأوروبا، كما استضفنا عددا من المسرحيات العربية على المسارح الألمانية، ونركز اهتمامنا بجانب التنظيم على ترجمة العروض المسرحية العربية إلى الألمانية للوصول إلى المتفرج الألماني، حيث نحاول من خلال عملنا تجاوز حدود اللغة، لذا يعتبر مركز "تساتي" مركزا متعدد اللغات.
ومن محاور العمل في "تساتي" التركيز على ما سميناه "مسرح اللاجئين"، حيث استخدام المسرح كوسيلة لدعم القادمين الجدد إلى ألمانيا، لتجاوز حدود اللغة، ودعم عمليات الاندماج والتواصل مع المجتمع الجديد، كما يهدف المركز إلى دعم الفنانين ذوي الأصول المهاجرة، وفتح مساحات لهم لممارسة مهنهم الفنية في ألمانيا، وتنفيذ مشاريعهم الفنية، هذا غير تعريف الوسط الفني الألماني بهم.
• كيف تعمل د. مروة على تغيير التصور النمطي عن الثقافة العربية في الغرب؟
انها عملية معقدة ومركبة، يتداخل فيها ما هو شخصي وما هو عام، بداية لا بد لأي مهاجر أن يكون إنسانا مستقيما ليكون نموذجا إيجابيا يشهد له، لأنه لم يعد يمثل نفسه فقط بل هو رمزية لبلده الأصلي وللثقافة المنحدر منها، من الناحية الأخرى أعمل من خلال الفن، وخاصة المسرح، على تقديم الثقافة العربية من منظور مختلف للغرب، أعتقد أن الصورة النمطية السلبية قد بنيت على معلومات منقوصة، حيث يتم تصدير صورة غير كاملة ومشوهة عن الثقافة العربية، دون الاهتمام بتعريف الغرب بالفنون العربية أو التراث العربي وتاريخ الثقافة العربية العريقة، وهذا هو ما نحاول القيام به من خلال نشاط مركز المسرح العربي.