القاهرة 27 مايو 2021 الساعة 11:42 ص
ارتبط وجود المؤسسات الصحفية على مدار تاريخنا الاجتماعي والمعماري بشارع قصر العيني منذ عقود مضت، ولا أدري ما السبب وراء أن تختار السيدة فاطمة اليوسف شارع قصر العيني لكي يكون مقرا لمؤسستها الغراء روز اليوسف، ولماذا قرر جورجي زيدان قبل السيدة فاطمة أن يضع حجر الأساس لمؤسسة دار الهلال نواحي شارع قصر العيني، أو لماذا اختار أحمد أبو الفتح أن تؤسس دار المصري على 2600 متر مربع على شارع القصر العيني وجاردن سيتي رغم أن مطابعها ببولاق ودير النحاس، أو أن يتم اختيار الشارع ليكون عنوانا لجريدة الشعب التي لم تستطع أن تجد من يشتريها ثم تحولت إلى مؤسسة "دار الشعب"؟ على الرغم من أن الشارع ارتبط تاريخيا بأقدم مدرسة للطب وهي مستشفى قصر العيني التي كانت في الأساس أحد القصور القديمة التي يملكها "العيني باشا" والتي تم تحويلها فيما بعد إلى مستشفى!
ليس هناك سبب ملموس وراء اختيار أصحاب المؤسسات الصحفية التي أشرنا إليها شارع قصر العيني لكي يكون شارعا للصحافة بدلا من أن يكون شارعا للمؤسسات الصحية والمشافي سوى أنه بمجرد أن تتحرك في هذا الشارع في آخر النهار وأنت تتجول بحثا عن الإصدارات الجديدة في دور النشر المحدودة فيه إلا ينتابك شعور بأن هذا الشارع الذي مازال يحتفظ بجمال معماره سوى أن يكون شارعا للصحافة وللكتب بل والحب تحت ظلال أشجار جاردن سيتي المطلة على الشارع.
تاريخ شارع قصر العيني ليس رومانسيا بالدرجة، بل إنه شهد العديد من الحوادث حيث سالت فيه الدماء ونصبت به الأكمنة، فلا ننسى كمين شارع قصر العيني عام 1946 الذي أعده محمد أنور السادات لقتل النحاس باشا عندما أطلق عليه الرصاص ونجا بمعجزة عندما حالت بينه وبين سيارته حافلة ترام في آخر لحظة، وتفجير سيارة مفخخة بجوار منزل النحاس فى شارع قصر العيني بعد كمين"السادات" بعامين لكن المقادير حمت الرجل.
ظل شارع قصر العيني؛ مكان عمل الأديب الراحل إبراهيم أصلان عندما كان مسئولا عن القسم الثقافي بجريدة الحياة اللندنية (مكتب القاهرة) منذ عام 1992 وحتى وفاته في 2012، وغيره من كبار الأدباء ممن نشروا في "الحياة"، وممن زاروا "أصلان"، وممن ذهبوا لصحف روز والشعب والهلال، وظلت أشجار جاردن سيتي المطلة على شارع قصر العيني شاهدا علي مرحلة تاريخية من العمل الصحفي، ومشاهد العنف والدماء والاعتصامات، بل ومن تاريخ الحب والرومانسية.