القاهرة 11 مايو 2021 الساعة 01:49 م
كتبت: نضال ممدوح
في أحدث مؤلفاته "صديقي سامي السلاموني" والصادر عن دار الهالة للنشر? يكشف مؤلفه سعيد شيمي مدير التصوير السينمائي? عن الحكايات التي جمعته بصداقة عميقة مع الناقد الفني سامي السلاموني? مشيرا إلى أن الصدفة هي التي جمعتهما كانت دون سابق ترتيب أو اتفاق.
ويوضح شيمي: لا أذكر ظرف وسخرية سامي اللاذعة في كثير من أحاديثه وكتاباته? وكل ذلك من زاوية رؤيتي وقربي ومعرفتي به، لم أقبل في المعهد العالي للسينما وبالتالي اختياري الأول أن أدخل كلية الآداب بجامعة القاهرة لأدرس التاريخ، وهذا ما حدث، ووضعت اهتمامي للدراسة الأكاديمية.
كان قسم التاريخ في الدور الثاني من مبني الكلية، وفي الدور الأول قسما اللغتين الإنجليزية والفرنسية، كانا يتميزان بغالبية من الزميلات الحسناوات جمالا ومظهرا? وكانت كافيتريا الكلية في مبني خاص منفصل ــ ظهرت في فيلم الباب المفتوح ــ على الجانب الأيسر من مبنى الكلية ومطلة علي حديقة يتجمع الكل فيها بين المحاضرات? وتكون دائما مزدحمة حيث يأتي الطلاب من كليات أخرى للجلوس بها? لوجود الحسناوات من كليتنا العامرة.
وكان ثلاثي أضواء المسرح الجدد وهم طلاب بالجامعة (سمير ــ جورج ــ الضيف) من الزائرين الدائمين للكافيتريا فقد كانوا قد ظهروا حديثا في التليفزيون وأحبهم الجمهور لطريقة غنائهم واستعراض طريقة المسرح التي تصاحبهم.
أقابل في الكافيتريا صديقي في قسم الصحافة وليم دانيال غازاريان وهو مصري من أصول أرمينية، ويعشق السينما مثلي، بل هو قاموس متحرك للأفلام المصرية وممثليها، كما أنه يحب المسرح ويمثل أحيانا عليه، وصداقتنا قبل الجامعة من أيام الدراسة الثانوية، وفي إحدي جلساتي معه، اقترحت عليه أن نصنع فيلما سينمائيا تسجيليا في الجامعة، وليم في فريق التمثيل بالكلية ويعرف أغلب الطلبة والطالبات هناك، ولكنه استعجب الفكرة، وقلت له:"الحكاية سهلة، طالب جديد دخل الجامعة سنستعرض ما يشاهده من كل أنشطة الجامعة، وستكون أنت الممثل في الفيلم، وأنا سأكتب المعالجة وأخرجه وأصوره وأركبه.
وبالفعل أقنع زملاءه بالفكرة، واستلفت كاميرا سينمائية مقاس 8 مللي من خالي عبد الرحيم، واشتريت أفلاما من شركة كوداك ريفرسال، ومع ثمنها يتم تحميضها وإظهارها، كما دفع كل مشترك في التمثيل بالفيلم خمسة جنيهات وأنا تكفلت بالباقي، وبالفعل بدأنا العمل وتصوير الفيلم "حياة جامعية" في العام الدراسي 1965.
ولم يطلب منا تصاريح تصوير لا داخل الجامعة أو خارجها، ندخل نصور في المحاضرات بعد أن نستأذن الأستاذ المحاضر، نذهب للمدينة الجامعية، إلى النشاط الرياضي، النشاط الفني التمثيلي? إلى المكتبة، إلي الكافيتريا، إلى كل الأماكن. الطلبة والدكاترة والإداريون متعاونون وليس هناك أي عقبات أبدا، هذا عندما كانت بلادنا جميلة وتتقدم في عصر جمال عبد الناصر.
ويردف شيمي: لا تمثيل، كان الجميع يفهم ذلك فنحن نصنع فيلما واقعيا عن حياة الطلبة داخل الجامعة، كنت أبتكر حلولا ومعدات مساعدة في التصوير، عربة حمل صناديق المياه الغازية، هي عربة "الشاريو" التي أقف عليها وأتحرك بها مع الممثلين، لا إضاءة بل الإضاءة الطبيعية في كل الأماكن، زملاء كثيرون كانوا معنا أذكر منهم صديقي إمام عمر المذيع اللامع فيما بعد بإذاعة الشرق الأوسط.
أتذكر صلاح القوي البنية الذي كان يحرك الشاريو المبتكر وممثلا في نفس الوقت? وأمين الفلسطيني الوافد ويعيش في لبنان? وكنت أرسل رسائل معه لمحمد خان وهو في بيروت? وناجي وفادية وسهير? وأحضر لي وليم اثنين من أصدقائه لعمل موسيقى مصاحبة مناسبة بالطبع منفصلة غير مركبة على شريط الفيلم? عند العرض الفيلم صامت? وانتهى الفيلم وقمت أنا بكل ما هو بعد التصوير وأصبح جاهزا للعرض.
اقترح أحد الطلاب ومن عملوا معنا في الفيلم أن يفرغ صالة والده للألعاب الرياضية بالزمالك من الآلات ونعرض الفيلم هناك بعد إحضار الكراسي من الفراشة? وأحضرت أنا آلة العرض والشاشة? وبالفعل قام وليم مع الطلبة بالإعلان عن موعد عرض الفيلم والمكان في كل الجامعة وليس في كلية الآداب فقط.
وكانت ليلة العرض? لم أتوتر في حياتي من قبل بهذا الشكل قبل عرض الفيلم وأثناء العرض كنت أسمع دقات قلبي برغم الموسيقى التي تعزف مصاحبة وكانت لا تعجبني كثيرا، وأشعر أن الزمن لا يمر أثناء عرض الفيلم، وقوبل الفيلم بتصفيق وفرح وبالذات ممن ظهروا في الفيلم من الطلاب، وفي هذه الفرحة والهيصة يتقدم شاب قصير عابس الوجه، شعره طويل ومنكوش، ملامحه بها شيئ من القسوة، على ذقنه جهة اليمين حسنة سوداء كبيرة يحمل معه نوتة وقلما، ولم يبتسم ولم يهنئني، وعرفني بنفسه.. سامي السلاموني طالب في قسم الصحافة.
وسألني في كل شيء.. أين تعلمت السينما؟ لماذا صنعت هذا الفيلم؟ كم كلفك؟ هل واجهت صعوبات في التنفيذ؟ ما نوع الكاميرا التي صورت بها؟ أنت بتحب السينما؟.. إلخ وكان هذا أول حديث في حياتي عن عمل فني أقوم به حقا في الجامعة، وسينشر في قسم الصحافة على الحائط، وكان هذا اللقاء الأول مع هذا الشاب الجاد جدا، العابس جدا "وكمان مكشر" من قسم الصحافة.