القاهرة 22 ابريل 2021 الساعة 05:49 م
كتب: وائل سعيد
شُغلت الخريطة الدرامية على غير المتوقع بعشرات المسلسلات هذا العام، بالرغم من التوقف الجزئي والكلي للحياة الطبيعية إثر جائحة كورونا، وبالتوزاي مع هذه الدراما، احتلت بعض الأعمال الأخرى البطولة المؤقتة خلال الأيام الأولى من الشهر الفضيل، التي لم تتخذ من دراما المسلسل متنا لتخرج للجمهور -وإن لم تبتعد كثيرا أيضا عن مفهوم السياق الدرامي في العموم- إنها الإعلانات الرمضانية التي فاجأت جمهورها هذا العام بظهور جديد لنجمة الاستعراض شريهان.
التاريخ القديم للحركة
عرف الإنسان لغة الجسد قبل أن يبدأ في اختراع الكلمات؛ حيث استخدم الإشارات والحركات التعبيرية في التواصل اليومي، الأمر الذي تطور فيما بعد لتوظيف ذلك في الطقوس الدينية والشعائر وصولا إلى الاحتفالات أو المراسم والكرنفالات، ومن ثم تولدت الفنون الحركية لاحقا بداية من الرقص، الذي يُعد من أقدم الممارسات الإنسانية في التعبير الوجداني، حسب دائرة المعارف البريطانية، حدث ذلك بمُصاحبة أصوات أولية ثم إشراك الموسيقى بتنويعات مختلفة.
في مصر، لم يبتعد الأمر كثيرا عن ذلك؛ إذ سجلت نقوش المعابد الفرعونية العديد من حركات الرقص الإيقاعي التي تدل علي مكانة هذه الشعيرة الحركية، مستغلة إمكانات أعضاء الجسد البشري كافة وتطويعها لأغراض عديدة. كما استخدم القُدامى والمتصوفة ممارسات مشابهة في حلقات المناجاة الإلهية كالمولوية وغيرها، وفي نفس السياق، يزخر التاريخ الشعبي بالعديد من أشكال الفلكلور الحركية كالزار أو الحكواتي وعرافة الوضع، باستخدامهما تيمات حركية تعتمد على الذراعين أو الكف.
نوستالجيا الفوزاير
ارتبطت فكرة الفوازير بشهر رمضان، وبدأ الجمهور في التعرف على هذا الطقس -ومن ثم التعود عليه- أوائل الستينيات عبر الإذاعة المصرية من خلال الصوت المميز للإعلامية الكبيرة "آمال فهمي" صاحبة أشهر برنامج إذاعي "على الناصية" المستمر لعقود.
قدمت فهمي في برنامجها "فوازير رمضان" العديد من الأُحجيات اليومية المروية في قالب زجلي، وكان الهدف من فكرة الفوزاير هو تسلية الصائم وإعمال مُخيلته في البحث عن مقصد الفزورة.
وبرغم أن الفوازير ارتبطت باسمي "نيللي وشريهان" إلا أنها انتقلت من الإذاعة إلى التليفزيون علي يد فرقة "ثلاثي أضواء المسرح- سمير غانم، جورج سيدهم، الضيف أحمد" منتصف الستينيات من إخراج محمد سالم، وسرعان ما تنتقل من جديد للفنانة نيللي منتصف السبعينيات ولكن هذه النقلة الجديدة ستكون محورية في تاريخ الفوزاير والاستعراض؛ حيث يحتل اسم نيللي ثم شريهان لاحقا الصدارة في هذا النوع الفني على مدار الثلاثة عقود الأخيرة في القرن العشرين، شكلتا خلالها سمات الاستعراض التليفزيوني ولم ينافسهما اسم ثالث إلى أن توقفتا عن تقديم الفوازير على التوالي..
على الرغم من اشتراك العديد من الأسماء في مجال الفوزاير وعلى رأسهم الفنان سمير غانم "فطوطة"؛ فقد اقتصرت في وجدان المُشاهد المصري والعربي على "نيللي وشريهان"، حيث النوستالجيا دائما ما تعود بنا إلى بدايات تشكيل الحس الجمالي للاستعراض في صورته "الفزورية"، ربما ذلك كان السبب الرئيس وراء الاحتفاء الشديد بالظهور الجديد للفنانة شريهان، من خلال إعلان "راجعين أقوى.." المعروض ضمن الخريطة الإعلانية لرمضان هذا العام، وكان عام 2002 قد شهد آخر ظهور لها في فيلم "العشق والدم - إخراج أشرف فهمي".
يبدأ الاعلان بشريهان وهي تقف في شرفة -خيالية- كبيرة ترى النيل من منتصفه ويظهر في عمق الكادر كوبري قصر النيل وبرج القاهرة، وتأتي الخلفية الموسيقية لتيمة "ألف ليلة وليلة" مغلفة بدندنة شريهان.
"عشنا.. شفنا.. وياما الدنيا كسرتنا.."، الكلمات للشاعرة منة عدلي وألحان إيهاب عبد الواحد، وتحمل في طياتها ما يمكن أن يمر به أي منا خلال رحلته الحياتية، وهو ما يستغله مخرج العمل الشاب محمد شاكر خضير في سرد قصة الحادث المأساوي الشهير الذي تعرضت له الفنانة الاستعراضية أواخر الثمانينيات، وترتب عليه إجراء عشرات من العمليات الجراحية لها، وقد أحدث ظهور شريهان في آخر فوازير لها "حاجات ومحتاجات 1993" حالة من الاندهاش الجماهيري؛ حيث ظن الكثير أن العمليات الكثيرة والجبس لن تمكنها من الحركة العادية من جديد.
وجاء توظيف السيناريو للحادث بشكل جيد؛ حيث استخدم مجموعة الراقصين المشاركين لتشكيل تكوينات بأجسامهم في المكان، مرة على شكل سيارة -التي شهدت الحادث- والأخرى علي هيئة رحم بشري تخرج منه شريهان في ميلادها الجديد، ومن الملاحظ استخدام الألوان الرمادية في مرحلة ما قبل الحادث، كتعبير عن الاسترجاع الزمني "فلاش باك" وعن قتامة السنوات الرمادية التي تحمل من الانكسارات الكثير، فيما تدخل الألوان للمشهد بعد التعافي مباشرة وتعلو الموسيقى إيذانا بالميلاد الجديد.. "راجعين أقوى وطايرين..".
كتبت شريهان لجمهورها رسالة امتنان وحب جاء فيها: "في هذه الأيام الكريمة وهذا الشهر العظيم، عايزه أقولكم أنا متشكرة أكتر من جدا. حبتوني احترمتوني احتضنتوني وبحبكم ودعائكم شفيتوني ولسه بتشفوني ... شكرا و 100 مليون انحناءة شكر وقبلة على جبين كل واحد بدايةً من أصغر مولود ومواطن مصري وصولا لآخر إنسان في العالم.. شكرا".