القاهرة 20 ابريل 2021 الساعة 11:31 ص
بقلم :على سرحان
الصوم هو الإمساك عن الطعام والشراب لفترة من الزمن، بغرض التقرب إلى الله في توبة وإيمان، والصوم يعطي للإنسان دلالات على القدرة على كبح رغبات النفس والسيطرة عليها وتدريبها على قوة التحمل والصبر، وكلما ازدادت السيطرة على شهوات النفس والجسد كلما صفت النفس والجسد والروح، وهو أحد الصور الهامة من صور التعبد، لذلك لجأت جميع الديانات القديمة والحديثة إلى فرائض الصوم. إن كلمة صوم أصلها "صاو" الهيروغليفية s3w أي امتنع أو كبح، أما حرف الميم فمعناه "من أو عن" فتكون "صاوم" أو "صوم" معناها "امتنع عن"، فكلمة صوم كلمة مصرية قديمة.
لقد عرف الشعب المصري القديم كثيراً من العادات والتقاليد في أمور الأكل والشراب، فقد رفض بعض المأكولات الخاصة في المناسبات الدينية وأعيادها، وأعتبر الشعب المصري القديم أن أكل مثل هذه الأطعمة هو نوع من التبرك والتقرب إلى المعبودات، وأن الامتناع عن الأكل هو نوع من الصوم والتبرك والتقرب أيضاً، فمن يتبع هذه التقاليد يحظى برضاء معبوداته، ومن رفضها حرم من التبرئة والطهارة وعرض نفسه للنجاسة وغضب المعبودات واستحق العقاب.
وقد عرف المصري القديم نوعين من الصيام نوع أول هو "صيام الكهنة" وقد جمع بين كونه فرضًا أو استحبابًا، وكان صوم الكهنة يبدأ منذ التحاق الناسك بخدمة المعبد؛ فعليه أن يصوم لسبعة أيام متتالية دون طعام أو شراب، بهدف التطهر من علائق الجسد والنفس ولتجهيزه للمهام الروحية التي تلقاها، وذكر بعض الباحثين أن هذا القسم من الصوم قد يمتد إلى 42 يومًا!! ويمر الكاهن من خلاله بمراحل، أولًا بصيام عشرة أيام عن اللحوم والنبيذ، ثم يعقب ذلك تلقينه واجباته بالمسائل المقدسة، ثم يستأنف الصوم لعشرة أيام أخرى يمتنع فيها كل طعام فيه الروح ويتغذى على خبز الشعير والماء، ليترقى إلى مرحلة أعلى في المهام الروحية، ثم في العشرة أيام الأخيرة يمتنع عن جميع أنواع الطعام والماء.، وهناك نوع آخر من الصيام يحرُم فيه أكل كل شيء من الطعام، عدا الماء والخضر مدة سبعين يومًا، ويصومون كذلك في الأعياد كوفاء النيل، وفي موسم الحصاد.
وكان المصرى القديم فى احتفاله الدينى الجنائزى لوفاة أوزيريس يصوم 40 يوماً، أما الموتى العاديون فكان يُصوم لهم أهلهم وأقاربهم ثلاثة أيام لمنفعة ومصلحة المتوفى فى العالم الآخر.
لقد حثت الأديان السماوية على الصوم، وذلك لقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عليكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ"؛ فالصوم عند المصري على مدار التاريخ يبين مدى تقربه من ربه سبحانه وتعالى، كذلك نرى في الصوم والامتناع عن أنواع من الطعام والشراب أو الامتناع عن الطعام والشراب بصفة عامة لفترة من الوقت؛ ما يدل على قرب المصري من دينه وتعاليمه ومحاولة تطبيقه لينال رضا ربه.
وهكذا نرى أن المصري القديم والمعاصر اشتركا في حب الصوم رغبة في رضا الله، واشتركا أيضاً في نوع هذا الصوم سواء بالامتناع الكامل عن الطعام طوال النهار، أو الامتناع عن أنواع معينة من الطعام لأيام متعددة.