القاهرة 13 ابريل 2021 الساعة 10:17 ص
كتب: أكرم مصطفى
صدر مؤخرًا كتاب "الإمام جابر بن زيد.. رؤية مستقبلية" عن النادي الثقافي بمسقط ضمن البرنامج الوطني لدعم الكتاب في سلطنة عُمان، وهو كتاب يؤرح لسيرة الإمام في مجموعة بحوث تنضوي تحت ما يمكن تسميته بالسيرة الغيرية، فقد كتب 15 بحثًا عن حياته جمعها وحررها الباحث خميس بن راشد العدوي.
وقدمّ لها العدوي بمقدمة عن الإمام يقول فيها: "في بدايات عام 2018 جرى الحديث –عبر حوارات تويتر– عن ضرورة إعادة النظر في تراثنا من خلال رموزه المؤسِّسة، فكان الحديث عن الإمام جابر بن زيد الأزدي، وضرورة قراءة فكره قراءة معاصرة، تنحو إلى المستقبل؛ وذلك للأثر العميق الذي تركه في بلده عُمان منذ وجوده حتى اليوم، فكان النادي الثقافي حاضرًا بمتابعاته لهذا الحوار، فتواصلَت معي إدارته ممثلة برئيس مجلس الإدارة الدكتورة عائشة بنت حمد الدرمكية، حول تقديم مشروع ثقافي يخدم فكرة الاستفادة من شخصية هذا الإمام العظيم وفكره".
وأضاف العدوي: "بناءً على ذلك، تشكّلت لجنة لبحث المشروع ضمت الأفاضل: ناصر بن سليمان السابعي، وزكريا بن خليفة المحرمي، وأحمد بن سعيد الأزكي، وسعيد بن محمد السيابي، وفيصل بن محمد الجابري، وخميس بن راشد العدوي. وقد خرجت اللجنة بتصور كامل لتقديم شخصية الإمام جابر بن زيد بصورة معاصرة ترنو للمستقبل. ومن ضمن مقترحات التصور إقامة ندوة عنه تتجاوز الطرح التقليدي لمثل هذه الأعمال".
وأوضح أن اللجنة العلمية التي أُوكل إليها الإعداد للندوة، والمتكوّنة من: زكريا المحرمي وناصر السابعي وخميس العدوي، اجتهدت أن تعالج محاورُها أبعادًا لم تُطرق من قبل، من مثل تأثير البيئة؛ البَصرية –والعراقية عموماً– ثمّ الحجازية، وقبلها العُمانية، على الإمام جابر، والرؤية الأخلاقية التي التزم بها، وأثرها في تغيير الواقع، والأبعاد التربوية لكونها أساسًا نفسيًّا متحققًا في ذات الإمام جابر من الأصل. والفلسفة المثالية الواقعية التي واجه بها الطغيان الأموي، والفقه المقصدي الذي كان جابر من أوائل من أرسى معالمه، والبواكير العقدية الأولى لديه التي شكّلت ملامح الجدل الكلامي فيما بعد، وتحليل كتب من التراث احتوت على آرائه وأقواله، وتقديم آخر تتبع لديوانه الذي ما يزال مفقوداً.
وأشاد العدوي بتمكّن الباحثين وتعمّقهم في دراسة شخصية جابر وفقهه وفكره، والمدرسة التي تبنّت فكره وفقهه؛ وهي المدرسة الإباضية، التي سادت قديمًا رقعة شاسعة من العالم الإسلامي؛ إذ تمركز وجودها في مناطق عديدة؛ من الهند شرقًا حتى الأندلس غربًا.
ومن الأبحاث التي تضمّنها الكتاب الذي صدر بالتعاون مع "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن، في 432 صفحة من القطع الكبير: "تأثير الأوضاع الاجتماعية في البصرة على شخصية الإمام جابر بن زيد وفكره" للدكتورة بدرية بنت علي الشعيبية (سلطنة عمان)، و"في حياة الإمام جابر بن زيد الأزدي مشروع أمة" للدكتور محمد بن قاسم ناصر بوحجام (الجزائر)، و"مشروع الإمام جابر بن زيد الإصلاحي.. أسسًا وعنايةً بالأمة ووحدتها" للدكتور أحمد بن يحيى الكندي (سلطنة عُمان)، و"الإمام جابر بن زيد وتشكّل الفكر الإسلامي.. التحدّيات والآفاق" للأستاذ الدكتور المبروك الشيباني المنصوري (تونس)، و"تكامل العقل والنقل في فكر الإمام جابر بن زيد" لفضيلة الشيخ أحمد بن سعود السيابي (سلطنة عُمان).
كما تضمّن الكتاب البحوث التالية: "تكامل العقل والنقل في فكر جابر بن زيد الأزدي" للشيخ ناصر بن سليمان السابعي (سلطنة عُمان)، "التقوى في مواجهة الجور.. المقاومة الأخلاقية للظلم عند الإمام جابر بن زيد" للأستاذ شفيق اكَريكَر (المغرب)، "المنهج التربوي عند الإمام جابر بن زيد" للدكتور خليفة بن أحمد القصابي (سلطنة عُمان)، "الفكر التربوي عند الإمام جابر بن زيد" للدكتور مبارك بن عبد الله الراشدي (سلطنة عُمان)، "جابر بن زيد والمثالية الواقعية في الإصلاح" للدكتور زكريا بن خليفة المحرمي (سلطنة عُمان).
ونقرأ في الكتاب البحوث التالية أيضًا: "البواكير الأولى للتفكير العقدي عند الإمام جابر بن زيد.. واستمداد المدرسة الإباضية من ينابيعه" للدكتور محمد عبد الرحيم الزيني (مصر)، "البنية المقاصدية في فكر الإمام جابر بن زيد، وإسهاماته في تطوير العلوم الشرعية" للدكتور بلقاسم بن علي مارس (تونس)، "قراءة مقاصدية في فقه الإمام جابر بن زيد" للدكتور خالد بن سعيد المشرفي (سلطنة عُمان)، "الإمام جابر بن زيد في المصادر التراثية.. مصنف ابن أبي شيبة نموذجاً" للأستاذ إبراهيم بن علي بن عمر بولرواح (الجزائر)، و"هل من أمل في العثور على ديوان جابر بن زيد؟" للأستاذ سلطان بن مبارك الشيباني (سلطنة عُمان).
وتناول المشاركون في الكتاب شخصية الإمام من حيث هي حافز لتقديم رؤية مستقبلية؛ ففي سيرته بحسب د. محمد بوحجام، ملامح ومظاهر وقواعد وضوابط ومواقف ومشاهد، يستفاد منها في إعداد مشروعات حضارية لتخطّي كثير من العقبات والعوائق في بناء المجتمع القوي المتماسك، الذي يمكن له أن يقوم بالتصحيح والتصويب والتعديل في مسيرة الحياة، ويقدّم إضافات في سيرورتها، وهو ما يمكن عدُّه "مشروع أمة".
ويضيف بوحجام أنّ الإمام، إضافة إلى ذلك، شخصية علمية وقيادية ورائدة في مجال الدعوة والتعليم والتوجيه والتكوين، لها خصوصياتها في سيرورة الحياة، ووضع قواعدَ وأسسٍ للتحرك في الحياة بعُدَدِ الكفاية والدراية، والاستعداد للتكيّف والتأقلم مع الظروف والملابسات والتحولات التي هي سنّة الحياة وإكسيرها، وما يحقق حقيقتها ويجسّد طبيعتها.
ورأى د.أحمد الكندي أن الإمام جابر إمام إصلاحي، وصاحب مشروع لإصلاح الأمة والنهوض بها، وأن هذا المشروع وأفكاره ما تزال صالحة للنهوض بهذه الأمة اليوم من عثرتها، ووأد الفتنة فيها، وتحويلها من حالة الفرقة والاحتراب إلى الاجتماع والوئام، ومن العداوة إلى المحبة والسلام.
وأشار د.خليفة القصابي إلى أن الإمام جابر في سيرته التربوية قد أتقن "فن السؤال"، كما أتقن فن التأثير، وأيقظ الانتباه، وأذكى الدافعية والهمة والحماس في نفسه وفي غيره، ووضع قواعد للسلوك لا تتضعضع ولا تضعف، فقد بناها على أساس الرقابة الداخلية، القائمة على المعرفة والعلم والتصور والاعتقاد، التي تجعل النفس منساقة نحو الصواب بدوافع من الداخل.
وبحسب القصابي، استخدم الإمام أساليب التأثير والنقاش والدرس والمناظرات والرسائل، كما استخدم التعليم الجمعي، والتعليم الفردي، واستحدث فن التعليم والإرشاد الأسري، فقد كان ينقطع إلى بيت هند بنت المهلب وأمها معلمًا وموجهًا.
ومن الجدير ذكره أن التابعيّ الجليل جابر بن زيد اليحمدي الأزدي العُماني وُلد بقرية "فرق" من مدينة نزوى العُمانية عام 21 للهجرة، وعاش جل حياته في مدينة البصرة، التي كانت موطن الملل والنحل والمذاهب الوافدة. وتؤكد الروايات أنه أدرك سبعين بدريًّا ونهل من علومهم، منهم: السيدة عائشة أم المؤمنين، وأبو هريرة، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وغيرهم من كبار الصحابة والتابعين. وكان يذهب إلى الحجاز لأداء فريضة الحج لمقابلة كبار الصحابة والتابعين للاستفادة من علومهم، وعوّل بالأساس على القرآن والسنة، حتى صار علماً في علوم الفقه والأصول ومن أهل الإفتاء.
واشتهر الإمام جابر بالزهد في الحياة والتجافي عن مظاهرها الكاذبة. وقال عنه الصحابي الجليل عبد الله بن عباس: "اسألوا جابر بن زيد، فلو سأله أهل المشرق والمغرب لوسعهم علمه"، وقال عنه أنس بن مالك يوم موته: "مات أعلم من في الأرض".