القاهرة 08 ابريل 2021 الساعة 11:11 م
كتب: محمد علي
على الرغم من وجود تخوف ملحوظ لدى العديد من المهتمين والعاملين بصناعة السينما من استقطاب المنصات الرقمية -الترفيهية- للأفلام السينمائية وعرضها بشكل حصري بعيدًا عن قاعات السينما؛ فإن منصة شاهد الترفيهية تستمر في عرض أعمال سينمائية بعيدًا عن قاعات العرض، وهو الأمر الذي شغل الكثير من المهتمين بالشأن الفني/السينمائي حتى بات هناك فيلمًا دائمًا من إنتاج منصة/شركة نتفليكس يُشارك في مهرجان كان السينمائي بل ويزاحم الآخرين في حصد الجوائز.
أما هنا فلا تزال عمليات الإنتاج والتوزيع السينمائي محفوفة بمخاطر الخسارة فيظل شباك التذاكر هو الداعم الأبدي والمستمر لهذه الصناعة وكذلك هو صاحب الكلمة الأخيرة في إعلان نجم الموسم.
تعرضت السينما المصرية لبعض الظروف والانتكاسات التي قد أثرت عليها في فترات متباعدة على مر تاريخها، لعل من أشهرها اللجوء للتصوير في مناطق لبنان وسوريا والاعتماد على المطرب لصنع فيلم غنائي يحمل العديد والعديد من الأغنيات دون حبكة ملحوظة في أغلب زمن الستينيات، ومرة أخرى كان المجتمع يتحول من الاشتراكية نحو الرأسمالية وبات هناك العديد من الراغبين في استثمار أموالهم في الإنتاج السينمائي وأنتجوا عددا كبيرا من الأفلام الضعيفة فنيا، وعرفت تلك المرحلة باسم السينما التجارية.
وأهم تلك الانتكاسات في العام 2011 والخوف الذي سيطر على المنتجين حتى بدأ معظمهم في الإنتاج التلفزيوني، ولم يبق سوي السبكي وحده يدخل سباق المواسم السينمائية دون منافسين، واشتهرت هذه الفترة بأنها السبب الأكبر في فساد الذوق العام بسبب سلسلة أفلام محمد رمضان.
• حال السينما المصرية في ظل الجائحة:
دون معوقات اقتصادية أو احداث سياسية هذه المرة تتعرض السينما المصرية لأكبر الانتكاسات منذ تفشي وباء فيروس كوفيد-19 والإغلاق الذي تعرضت لها البلدان حول العالم خوفًا من الجائحة، الأمر الذي أضر بالسوق السينمائي لحد كبير وضخم.، حتى أنه وبعد أن سمحت الحكومة بإعادة التشغيل وتقليص قواعد التباعد الاجتماعي غامرت بعض شركات الإنتاج بخوض التحدي في موسم عيد الفطر وكذلك الأضحى بالمنافسة بين ستة أفلام، بينما لجأ آخرون لعرض أفلامهم على منصة شاهد المدفوعة، وهناك من لا زال ينتظر تلاشي الأزمة حتي يتسنى له عرضها وجني أكبر قدر من المكاسب المالية.
لقد تعرضت السينما المصرية لخسائر ضخمة في الفترة التي تلت الجائحة تخطت حاجز المليار جنية مصري، وذلك لحجم الايرادات الضعيف لحد كبير، فلم يتخط فيلم حاجز المليون دولار أمريكي سوي "الغسالة" الذي أستمر عرضه في السينمات في موسمي الأعياد الفطر والأضحى، بينما حقق "توأم روحي" 930 الف دولار أمريكي، وجاء خلفه "الخطة العايمة" بإيرادات 600 ألف دولار أمريكي، وفيلم "زنزانة 7" بإيرادات 535 الف دولار أمريكي، وخلفه "الصندوق الأسود" الذي حقق 400 ألف دولار أمريكي، بينما تذيل الإيرادات فيلم "عفريت ترانزيت" الذي لم يستطع تحقيق سوى 80 ألف دولار أمريكي.
• نحو محتوي سينمائي رقمي:
في الثلاثين من يوليو العام الماضي قرر المنتج أحمد السبكي عرض فيلم "صاحب المقام" على المنصة الترفيهية شاهد للمرة الأولى قبل أن يعرض في السينمات كما هو معتاد، وحقق الفيلم نسب مشاهدة ضخمة ونجاح جماهيري كبير وبات حديث السوشيال ميديا طوال أجازة عيد الفطر، على الرغم من ضعف الفيلم من الناحية الفنية.
عادت مرة أخرى المنصة في موسم عيد الأضحى لتقوم بعرض فيلم "الحارث" في الثالث عشر من أغسطس العام الماضي بالتعاون مع المنتج هشام حلبي، واستطاعت أن تُحافظ على النجاح الجماهيري من حيث نسب المشاهدة، مستثمرة نجاح التجربة الأولي لاستقطاب مشتركين جدد.
وفي التاسع عشر من مارس العام الجاري، كان موعد العرض الأول والرسمي لفيلم "أعز الولد"، الذي على الرغم من الانتهاء من أعمال التصوير والمونتاج منذ فترة إلا إن العاملين عليه لم يفضلوا عرض الفيلم داخل قاعات السينما، والفيلم إنتاج مشترك بين كل من الطاهر ميديا برودكشن ولاجور فيلم برودكشن وأفلام البروديوسرز.
• كله إلا حبيب ستو ده أعز الولد*:
بحبكة سينمائية بسيطة الهدف منها هو تقديم محتوى ترفيهي كوميدي خالص دون إخلال بقواعد الكتابة والإخراج يصور فيلم "أعز الولد" علاقة الجدات بأحفادهن، والحب الذي يحظون به منهن مما قد يدفعهم إلى الوقوع في مخاطر الخطف والتهديد.
في الطريق إلى المدرسة يتعرض الأتوبيس لسطو مسلح من قَبل مجهولين يقومون بخطف خمس أطفال وطلب فدية خمسة مليون جنيه، بطريقة ما تتوصل إحدى الجدات لطريق الأحفاد فتجتمع مع جدات الآخرين ومن ثم تعمل على تحرير المخطوفين دون الرجوع لا إلى أب أو أم أي من الاطفال، ذلك في إطار من الحوار والمشاهد الكوميدية النابعة من احتكاك الجدات بعصابة الخطف.
• كوميديا نسائية ممتعة.
من السائد في الأفلام العربية التي تُصنف أنها كوميديا أن يقوم الفيلم على نجم مشهور له باع طويل في تمثيل هذه النوعية من الأفلام لكي يشد انتباه الجمهور نحو الفيلم، مع ضرورة أن يكون هذا النجم من الشباب أيضًا، ولا مانع أن يكون هناك بعض الشخصيات الفرعية حول البطل وكذلك الشخصية النسائية كلهم في آن واحد يحاولون الحفاظ على إيقاع الفيلم دون أن يحدث أي معوقات قد تتضرر منها الكوميديا المقصودة، لذا يعد هذا النوع من أصعب التصنيفات الفنية على كل المستويات بدايةً من الكتابة مرورًا بتكوين فريق العمل والممثلين حتى المراحل الختامية في أعمال التركيب-المونتاج-؛ لذا نجد أن أهم ما يميز فيلم "أعز الولد" ومكنه من البروز والنجاح هو اهتمام العاملين عليه بكل كبيرة وصغيرة ووعيهم الكامل بأنهم بصدد إنتاج عمل ذا تصنيف كوميدي، على الرغم من أن مهمتهم هذه لم تكن سهلة على الإطلاق، فالبطل هنا ليس شابا كما هو معتاد؛ إنما البطولة للجدات، والأطفال هم الشخصيات الفرعية، بينما نجوم ونجمات الصف الأول من الشباب كانوا ضيوف الشرف الذين ظهروا في عدد قليل من المشاهد.
• تنوع الشخصيات لخلق حوار كوميدي:
في الأساس يعتمد كل من الكاتب شريف نجيب والكاتب جورج عزمي على أن يكون تفاعل الشخصيات فيما بينها كاريكاتوري؛ كل شخصية تختلف اختلافا كبيرا مع الآخرين، ومن ذلك ينشأ الموقف الكوميدي الذي بالطبع سوف ينتج عنه حوار يحس على الضحك، وذلك يظهر في التأكيد على الخلفية الحياتية لكل شخصية، فهناك شخصية عبلة التي تجسدها "دلال عبد العزيز" والتي ترمز للتسلط والقوة فتفرض على ابنها تطليق زوجته وتنهر حسن الطفل لأنه ينوي تقديم هدية لفريدة في عيد ميلادها، وعلى النقيض تقوم "ميرفت أمين" بتجسيد شخصية كيكي جدة الطفلة فريدة والتي تهوى السهر وحضور الحفلات وسبق لها الزواج مرات عديدة، وعلى عكسهم عايدة التي تجسد شخصيتها "شيرين" هادئة الطبع لكنها سريعة التوتر لا تدري ماذا عليها أن تفعل في حياتها وكل ما يشغلها هو حفيدها شادي، بينما شخصية سهير التي تجسدها "إنعام سالوسة" تعيش في عالم مواز بكونها تعاني من ضعف السمع فتظهر وكأنها غريبة الأطوار.
وبعد أن تجتمع الجدات مع أحفادهن يظهر الحوار الكوميدي من خلال اختلاف وجهات نظرهن مع بعضهن البعض، وكذلك فيما بينهن وبين العصابة التي خطفت الأطفال ويتزعمها "سامي مغاوري" بشخصية رضوان ومعه أبناؤه "علي قنديل ومحمود الليثي" ومعهم تنشأ خطوط كوميديا أخرى مثل مغازلة رضوان لكيكي والمشاغبات المتعددة بين الليثي والجدات سهير وعبلة.
ومن ضمن الأشياء التي تبرهن على جدية كل من نجيب وعزمي هو أنهما لم يغفلا ضرورة وجود حالة كوميدية في مكتب مديرة المدرسة، فاستطاعا من خلال كتابة شخصيات ثانوية لأولياء الأمور -وظهورهم القليل جدًا- استخدام الشخصية التي قدمها "عمرو يوسف" الذي يتعامل بعجرفة وعصبية مع الجميع وبالأخص زوجته التي قدمت دورها "ريهام عبد الغفور"، كما أنه شكل خيطا كوميديا بارزا من خلال حواره مع ضابط الشرطة الذي قام بدورة "محمد شاهين"، وأيضًا تصوير حالة الخوف التي يعيشها "عمرو سلامة" كلما سمع تنبيه من والدته عبلة ونظرات السخرية من زوجته "أروى جودة" كما أنهما لم يغفلا سفر والدة شادي وابنة عايدة، واستطاعا أن يخلقا حالة كوميدية في مكالمة الفيديو التي جمعت أولياء الأمور الأمهات مع "أنجي المقدم" من خلال استخدام حيلة وصول الصوت متأخرا، وتجلى الاهتمام هذا في مشهد حضور "منى زكي" وهي تستعد للاشتباك مع مديرة المدرسة بسبب ضياع جاكت ابنها.
• من وراء ذلك النجاح؟
على الرغم من كونها التجربة الإخراجية الأولى لسارة نوح إلا أنها قدمت أسلوبًا سينمائيًا منفردا يعبر عن موهبة جديدة بأفق ممتدة نحو خلق سينما جديرة بالاهتمام لما بها من إتقان شديد لمهام وظيفتها من توجيه الممثلين واختيار وإدارة مواقع التصوير.
كل ما في الفيلم جاء معبرًا عن ذلك، فلا يوجد أصعب من توجيه خمسة أطفال وإخراج منهم ما تريد بالتحديد، وكذلك إقناع نجمات بحجم ميرفت أمين مثلا بأن تقوم بتمثيل الكوميدي بهذا الشكل الرائع، والأهم هو التصوير في موقع الخطف وهو مصنع كبير الحجم يحاول الأطفال الهروب منه مرة وأخرى تحاول الجدات الولوج لداخله، وكل هذا دون أي خلل من الوارد أن يحدث سواء كان في الراكور الخاص بالمصنع أو أحجام اللقطات وزوايا التصوير التي قد تربك المُشاهد، فأغلب اللقطات تنوعت فيما بين الأحجام المتوسطة الكبيرة والكبيرة جدًا، ويحسب أيضًا لها حرصها على توظيف الموسيقى التصويرية التي أعدها "عادل حقي" واستخدام الموسيقى الخارجية الخاصة بالفيلم المشهور "نمس بوند" في مشاهد الجدات وهن يحاولن الوصول إلى الأطفال تعبيرًا عن مدي خطورة الموقف، وكأنه مشهد أكشن دون وجود لحركات سريعة أو صعبة سوف تقوم بها الجدات.
كما يظهر وعي نوح بأدق مهمة في صنع فيلم كوميدي وهي عملية المونتاج، وذلك يعكس تعاونها المبهر مع المونتير محمد بكر في الحفاظ على الإيقاع السردي للقصة طوال الواحد وتسعين دقيقة مدة الفيلم.
* ظهرت الفنانة الراحلة رجاء الجداوي في الفيلم بدور مديرة المدرسة مِس نازلي، وكان ظهورها كما هو معتاد منها دائمًا على أشد درجة من الإتقان، لم تكن تهتم بأنها سوف تمثل بعض المشاهد القليلة والتي من السهل على فنانة بقيمة وقدر الراحلة أن تؤديها بأي طريقة لكنها كما كانت دائمًا تتفانى في إظهار أفضل شيء يمكن تقديمه على الإطلاق، هذا ما جعلها أيقونة سوف تظل خالدة في أذهان كل المتابعين حول العالم العربي.. شكر خاص وتحية واجبة لروح الفنانة الراحلة.