القاهرة 01 ابريل 2021 الساعة 04:30 م
بقلم: د. نهى عبد المعبود
أُغلقت الأنوار.. أُظلمت القاعة.. حُبست الأنفاس.. تسارعت النبضات.. تعالت الصرخات ها هو بطل قصتنا يستدرج فريسته ليمص دمها.. نعم إنه الفامباير.. دراكولا مصاص الدماء!
قصه لطالما أثارت خيال الكثير من الكتاب والممثلين والمهتمين بصناعة السينما على مدار العصور.. رعب وخوف وترقب وإثارة.. كانت ولاتزال وستظل هي الأكثر إلهامًا لكتاب قصص وروايات الرعب.
كانت بدايتها على يد مؤلفها برام ستوكر عام 1897، من منا لم يشاهد تلك الرواية أو يقرؤها أو على الأقل سمع عنها، ولكن هل أثار فضولكم يومًا أن تبحثوا عن تلك الشخصية المرعبة، هل هي حقيقة، أم أنها محض خيال كاتب؟!
أستبعد أن يكون أحدكم قد توقع أنها من الممكن أن تمت للواقع بصلة؛ لأن ما يحدث بها غير منطقي وغير إنساني بالمرة.. ولكن يؤسفني أن أصدمكم بأن بطل قصتنا "دراكولا" حقيقي وموجود في طيات كتب التاريخ.. إنه المُلهم لتلك الرواية التي صنعت ثروات طائلة لكل من تناولها في السينما وعلى شاشات التلفاز.
تبدأ قصة بطلنا في غرفة مظلمة في القسطنطينية؛ حيث أُسر هو وأخوه من قبل السلطان العثماني مراد الثاني حتى يضمن السلطان ولاء والدهما! فمن هما هذا الطفلان الأسيران؟!
الطفلان هما فلاد الثالث، ورادو الوسيم، ولدان لحاكم ولاية الاشيا التابعة لرومانيا، الأب هو فلاد الثاني الذي لقب بـ"دراكول" أي التنين أو الشيطان، فأصبح اسم بطلنا فلاد الثالث "دراكولا" أي ابن الشيطان!
كان فلاد الأول قد اعترف بسيادة الدولة العثمانية في اسطنبول خوفًا من اجتياحهم لبلاده، وخاصة أنه كان مقتنعا تمام الاقتناع أن أي معركة بينه وبين الدولة العثمانية لن تكون متكافئة، حتى تواصل معه أمير الصرب بتحريض من ملك المجر، وانضم لهما، وأعلنا الحرب على السلطان مراد الثاني حتى انتصر عليهما، وأخذ ولديه الاثنين "فلاد الثالث" و"رادو" حتى يضمن ولاء والدهما للدولة العثمانية.
ظل الولدان في الأسر لمدة سبع سنوات، تطبّع فيهم "رادو" بطبائع الأتراك؛ حتى أنه بعد ذلك أسلم وعاش معهم، وتربى في كنف السلطان محمد الفاتح، ولكن بطل قصتنا لم ينس أبدًا أنه أسير لدى الأتراك، ولحدة طباعه وعصبيته المفرطة كان يتعرض للتعنيف من الأتراك مما زاد الأمر سوءًا، وبعد فترة قام بعض أفراد الطبقة المتنفذة بالتعاون مع الهنجاريين فيما يشبه الانقلاب على والد فلاد الثالث وقاموا بدفنه حيًّا؛ مما زاد الحقد في قلبه والرغبة في الانتقام من العثمانيين.
وفي عام 1447 أطلق الأتراك سراحه، ولم تمض سوى عدة سنوات حتى استعاد حكم أبيه بمعاونة العثمانيين، ولكن هيهات أن ينسى للأتراك ما فعلوه به وهو صغير من قتل لأبيه وأخيه وأسرهم له، والتفريق بينه وبين أخيه، فانقلبت الدفة وأصبح شغله الشاغل هو الانتقام من العثمانيين، وقد امتدت فترة حكمه لسبع سنوات متقطعة.
لماذا لُقِّبَ بالمخوزق؟!
سُمِّي "فلاد الثالث" بالمخوزق لأنه اعتمد الخوازيق كطريقة لتعذيب أعدائه، ومن أشهر الحوادث التي نُسبت له أنه خوزق راهبًا مع حماره، كما أنه خوزق 500 نبيل من النبلاء، حتى أنه خوزق 600 تاجر أجنبي وكان في قمة الاستمتاع بخزوقتهم!
كما يذكر أنه أشعل النيران ورمى فيها 400 طالب، كما جمع المتسولين وقدم لهم الطعام، ثم قام بإحراقهم.
وانتقامًا من مدينة باراشوف الرومانية قام بمهاجمتها وأعدم 30000 من تجار المدينة وذلك بتعليقهم على الخوازيق، وجلس بكل دم بارد يتناول غذاءه تاركًا الجثث تتعفن لتصبح عبرة لكل من تسول نفسه التمرد عليه أو الخروج عن سطوته وطاعته.
وفي يوم ما أرسل السلطان العثماني له رسلًا ينذرونه بدفع الجزية المتأخرة عليه، فرفض "دراكولا" شروط السلطان العثماني، وأمر الرسل بخلع طرابيشهم في حضرته تبجيلًا له، لكنهم رفضوا، فقام بتسمير الطرابيش على رءوسهم بالمسامير!
ومن أبشع جرائمه أيضًا ما فعله بالجيش العثماني بقيادة حمزة باشا حيث سمم دراكولا المياه التي كان يشرب منها العثمانيون، وكان يتنكر ويرتدي نفس زيهم ويدخل على مجموعات منهم فيقتلهم، حتى أصابهم بالذعر والتشويش، وكان يجمع جثث ضحاياه في قرية ويضعها على الخوازيق، حتى أتى يوم استدرج فيه الجيش العثماني إلى تلك القرية وبمجرد دخولها وجدوا أقرانهم من الجيش العثماني معلقين على الخوازيق وتفوح منهم رائحة العفونة ورائحه الموت؛ حتى أُصيبوا بالذعر والهلع وفروا هاربين.. الجدير بالذكر أن أطول خازوق كان الخازوق الذي أعده لحمزة باشا.
نهاية دراكولا:
فاض الكيل وطفح فقرر السلطان محمد الفاتح تجهيز جيش جرار قاده بنفسه لكن هذه الحملة لم تفض إلى شيء، فقام "رادوا" أخو دراكولا بمساعدة السلطان العثماني على الإطاحة بأخيه وتولي حكم "والاشيا"، ولكن بمجرد موت "رادوا" عاد دراكولا وأعلن قيام دولته من جديد، ولكن هذه المرة كانت الأخيرة حيث لم تدم فتره حكمه إلا شهرين، حيث لقى حتفه في معركة ضد العثمانيين بالقرب من بوخارست.. وكما تدين تدان فقد قُطعت رأسه وفصل عن جسده، ووضع الرأس على خازوق خشبي وداروا به في العاصمة العثمانية أدرنه.
أما الجانب الإيجابي من قصة "دراكولا" وطرقه الوحشية فإنه من شده الخوف والرعب في "والاشيا" انخفضت معدلات السرقة والجريمة حيث كانت كئوس وأواني الذهب والفضة في الشوارع ليشرب فيها المارة ولا يستطيع أحد او حتى تسول له نفسه أن يسرقها، حتى وإن مات من الجوع والفقر هو وعائلته؛ فالموت من الجوع أفضل من الموت بالخوازيق.
هذا هو دراكولا الحقيقي.. بعدما قرأتم هذا المقال في رأيكم من الأبشع.. دراكولا الحقيقي الواقعي؟ أم دراكولا الخيالي الأسطوري؟!
يسعدني تلقى إجاباتكم عبر رسائل الصفحة.. دمتم بخير معافين سالمين في أبدانكم.