القاهرة 01 ابريل 2021 الساعة 12:51 م
تناول الأدبيات العربية مسألة العقل العربي على نحو عام، والعقل المصري على نحو خاص وما إذا كان أي منهما عقلًا استراتيجيًّا أم لحظيًّا؛ هو تناول قديم وممتد عبر الببلوجرافيات العربية التي تطرقت لعلوم تاريخ الفكر والعلوم الاجتماعية والإنسانية؛ ولعل ما ورد في كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" (1938) لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من تساؤل وبحث في مسألة ما إذا كان العقل المصري أقرب إلى العقل الشرقي أم العقل الأوروبي كان هو البحث الأبرز في تاريخنا المعاصر منذ عام 1938؛ إلا أنه ومنذ ذلك التاريخ جرت مياه كثيرة في النهر جعلت مسألة البحث في طرائق التفكير والمنهجيات التي يتبعها العقل العربي على نحو عام والمصري على نحو خاص محل بحث دائم ومستمر.
ولعل مؤلفات الدكتور محمد عابد الجابري "تكوين العقل العربي (نقد العقل العربي 1) 1982، بنية العقل العربي (نقد العقل العربي 2) 1986، العقل السياسي العربي (نقد العقل العربي 3) 1990، العقل الأخلاقي العربي (نقد العقل العربي4)" ساهمت بشكل كبير في تشريح فلسفة وطرائق تفكير العقل العربي وتأثره بالفلسفة الفارسية التي تستند الى قيم الطاعة كقيمة مركزية وليس إلى قيمة النقد؛ وهو ما جعل العقل الجمعي العربي على نحو عام، والمصري بوجه خاص يفضل ألا يتجاوز حاضره لمستقبله.
بالنظر الى المجتمع المصري وما شهد من تحولات سياسية واقتصادية وثقافية كان لها من التداعيات والآثار ما تركت بصماتها أيضًا على العقل المصري عبر فترات تاريخية متلاحقة كان لها من التأثير ما جعله يفقد أبرز سماته من كونه عقل متقد واستراتيجي إلى عقل لحظي لا يشغله سوى حاضره وماضيه فقط على أفضل الأحوال؛ وهو ما لمسه الدكتور مصطفى حجازي أستاذ فلسفة الهندسة في كتابه البارز "الإنسان المهدور.. دراسة تحليلية نفسية اجتماعية" والصادر عام 2013 عن المركز الثقافي العربي عندما قال: "إن إلغاء التاريخ، بما هو بناء الكيان، يجعل العقل العربي لا استراتيجي، لا تخطيط بعيد المدى ولا استيعاب في رؤى شمولية دينامية جدلية. وكيف يكون هناك تخطيط استراتيجي مع استفحال ذكاء تدبير الحال، ومداراة الحاضر بالحاضر، والتعامل مع التحديات والوقائع بردود الفعل".
قبل أن يناقش كتاب الدكتور مصطفي حجازي مسألة البحث في العقل العربي ولماذا هو عقل غير استراتيجي؛ سبقه إلى ذلك الباحث محمد الحداد عام 2004 عندما ناقش هذا الأمر في محاضرته الرائدة بعنوان "مستقبل الثقافة العربية"؛ والذي توصل في نهايتها إلى نتيجة مهمة ألا هي أن العقل العربي يتسم باللاليبرالية، واللاتاريخية، واللااستراتيجية على العكس من العقل الغربي الذي يقود العالم راهنًا.
في النهاية؛ أتمنى من خلال منصة مجلة "مصر المحروسة" الإلكترونية؛ أن تتبنى الدعوة نحو إطلاق مشروع قومي لبناء العقل الجمعي المصري؛ من خلال منابر وزارة الثقافة؛ والمؤسسات الثقافية وغير الثقافية الرسمية وغير الرسمية وكذلك من قّبل الفاعلين الثقافيين، على أن تكون البداية بمراحل التعليم ما قبل الجامعي من خلال مناهج تعليمية تحث على التفكير النقدي لدي الطلاب مع وازع وطني؛ حتى نستطيع أن نقدم جيلًا من الطلاب مؤهلًا لدعم ما نشهده من مشروعات تنموية في ربوع الدولة المصرية كافة.