القاهرة 30 مارس 2021 الساعة 06:57 م
تأليف: الكاتب والقاص المجري ألك بندك
ترجمة: د. عبد الله عبد العاطي النجار
كان ياما كان، في سالف العصر والأوان، في بلاد ما وراء البحار، كان هناك ملك له سلطة رهيبة، ليست موجودة لأحد من أقرانه على وجه البسيطة، وكان الناس يخشونه جدا، لدرجة أنهم كانوا يرتعدون كورق الشجر إن رأوه عن بعد. وإذا عطس هذا الملك، فإن الرُسُل يحملون الخبر إلى أرجاء البلاد كافة، والذي لا يقول: "فليبارك الله في صحة الملك" فإنه يعتبر في عداد الموتى، ولم يجرؤ سوى رجلٍ واحدٍ في جميع أنحاء البلادِ على ألا يقول: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ". إنه كان راعي الأغنام ذو العيون النجمية، ولذلك قام رجال الملك بالقبض عليه وأحضروه أمام الملك قائلين:
ها هو ذا – يا فخامة الملك –، راعي الأغنام ذو العيون النجمية الذي لا يريد أن يقول: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ".
وهنا ثار الملك في غضبٍ مخيفٍ:
ماذا؟ أنت لم تَقُلْ: "فليبارك الله في صحتي؟"
بلي! إنني وبكل تأكيد، يا جلالة الملك أقول: "فليبارك الله في صحتي!".
فقال الملك:
ليس في صحتي، وإنما في صحةِ جلالتك.
ورد راعي الأغنام:
ولكني قلت في صحتي يا جلالة الملك. قلت في صحتي.
وهنا يتدخل الحاجب ويشد راعي الأغنام من معطفه المصنوع من الفرو، ثم يهمسُ في أذنهِ:
يا حمار قل: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ"
فقال راعي الأغنام:
ولكني لن أقول ذلك أبدًا حتى يزوجني الملك من ابنتهِ.
أثناء ذلك، كانت ابنة الملك هناك في الحجرة، وكان يعجبها ويروق لها راعي الأغنام ذو العيون النجمية، وكم تتمني لو تصبح زوجةً لهُ، ولكنها لا تجرؤ على البوحِ بأمرٍ من هذا القبيلِ، ولم يلبث الملك أن استدعى جنوده في التوِ واللحظةِ قائلًا:
خذوا هذا الفتى وارموه في القفص مع الدب الأبيض!
وبالفعل رمي الجنود الفتى في السجن، حيث الدب الأبيض يتمشى ويزأر بشدة، فمنذ ثلاثة أيام لم يأكل قط، ولم يعطوه ولو لقمة واحدة حتى يجوع ويُقطِّع راعي الأغنام هذا إربًا إربًا. وما أن دخل راعي الأغنام، وقف الدب على قدميهِ الخلفيتين وشرع يُدمدم بقوة.
حسنا، إنها نهايتك أيها الراعي! ولكن اسمعوا المعجزة التي حدثت: عندما رأي الدب عيون راعي الأغنام النجمية هدأ، ثم رقد على الأرض لدرجة أنه لم يتحرك أي حركة، وظلَّ راعي الأغنام يُدندن طوال الليل، إلى أن جاء الحاجب في الصباحِ، معتقدا أنه لن يبقى من راعي الأغنام شيء حتى عظامه، ولكنه تعجب للغاية إذ وجد الراعي أمامه حيًّا سليمًا بشحمه ولحمه لم يُصِبه أي مكروه، فاقتاده إلى الملك وقال:
جلالة الملك! راعي الغنام لم يَمُتْ!
فقال الملك:
حسنًا... حسنًا، ولكنك شعرت بالخوف، أيها الراعي! أليس كذلك؟ والآن هل لك أن تقول: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ"؟
فأجاب راعي الأغنام:
لا، لن أقول حتى تُزوجني ابنتك، ولو وصل الأمر أن ألاقي الموت عشر مرات.
وأمر الملك بحزمٍ:
حسنا خذوه الآن إلى سِجِنِ "المنيات العشر".
وفي الحال وضعوا الفتى في السجن الذي به عشرة من القنافذ العملاقة المحبوسة، وأمر طبيعي أن عينيه لا تستطيع تهدئتهم جميعًا مرة واحدة، لسبب بسيط وهو أنه لا يستطيع أن ينظر في أعينهم جميعًا في وقتٍ واحدٍ، بيد أنه – في المقابل – كان لدى راعي الأغنام ناي جميل الصوت أخرجه من معطفه، وبدأ في العزف عليه، ثم في الإيقاع الموسيقي السريع، فإذا بها – القنافذ العشرة – تأخذ في الرقص: في البداية رقصت ببطءٍ، ثم زاِدت من وتيرة رقصها، وظلوا هكذا يرقصن إلى أن سقطن على الأرض من شدة التعب، ثم رقدن، فنمن ورحن في سُباتٍ عميقٍ. في الصباح ينزلُ الحاجبُ واضعا كفا على كفٍ، وسأل راعي الأغنام ذو العيون النجمية:
هل لازلت على قيدِ الحياةِ؟
فقال راعي الأغنام:
ولن أموت حتى تُصبح ابنة الملك زوجتي!
فاقتاده الحاجب مرة ثانية إلى الملك.
فقال الملك.
حسنا أيها الفتى، لقد كنت في حلق "المنيات العشر"، والآن ألن تقول: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ"؟
ليس الآن يا جلالة الملك، حتى وإن أخذوني إلى "المنيات المئة"، فلن أقولها حتى تزوجني ابنتك!
عندئذ صاح الملك بغضبٍ عارمٍ:
إذن خذوه إلى "المنيات المائة"، ضعوا هذا الراعي بالسجن الذي يوجد في وسطه بئر، وبداخله مائة منجل، وفي قاعه قناديل مشتعلة، والذي يُقْذف به إلى داخلهِ لا يمكن أن يخرج من هناك على قيد الحياة أبدًا.
وهنا فكر راعي الأغنام في نفسه: "آه، يالتعاستي، فهذا الأمر ليس بفكاهة هو الآخر" وطلب من الجنود أن يخرجوا من السجن حتى يفكر إذا كان سيقول: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ" أم لا! فخرج الجنود، وفي لمح البصر عَلَّقَ راعي الأغنام عصاه على حافةِ البئرِ، ثم وضع عليها جرابه، ثم رداءه المصنوع من الفرو، ثم وضع على العصا أيضا قبعته، واختبأ جيدًا في أحدِ أركانِ السجنِ.
فجاء سأله الجنود:
حسنا، هل فكَّرت؟
فقال راعي الأغنام:
نعم فكَّرت: لن أقول: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ"
بالتأكيد أنَّك إذا لم تقل فسنلقيك داخل البئر.
اعتقد الجنود أن راعي الأغنام يقف الآن بجانب البئر، فألقوا رداءه المصنوع من الفرو وعصاه، وكذا كل شيء يخصه في البئر، – ظنا منهم أن هذه الأشياء هي الشخص نفسه – وعندما رأوا أن القناديل المشتعلة في قاع البئر قد خمدت، أصبحوا على يقينٍ من أن الراعي قد مات.
وفي الصباح جاء الحاجب ليرى هل انتهى أمر راعي الأغنام ذو العيون النجمية أم لا. يا للهول! فقد كان راعي الأغنام ذو العيون النجمية يجلس بجانب البئر يعزف على آلة الناي، فاقتاده الحاجب إلى الملك، فقال له الملك:
حسنا أيها الشاب، لقد كنت الآن في بئر "المنيات المائة"، فهل لك أن تقول: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ"؟
لن أقول ذلك حتى تزوجني ابنتك، يا جلالة الملك.
لا شيء ينفع معه – قال الملك. ولكني لا أعرف ماذا كان سيعطيه لو قال ولو لمرة واحدة: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ"، ويفكر الملك ويقول: "أنت سوف ترضي بالأقل".
وفي الحال أمر الملك بتجهيز عربته المصنوعة من القطيفة وأجلس الراعي بجانبه، واتجه نحو غابة الفضة، وقال له الملك:
أيها الراعي! هل تري غابة الفضة هذه؟ أُعطيك إياها إذا قلت لي: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ".
أعجبت الغابة الراعي، ولكنه كرر مقولته المعهودة هذه المرة أيضا:
لن أقول ذلك حتى تزوجني ابنتك، يا جلالة الملك.
ثم خرج الملك من هذه الغابة، والتمعت قلعة الذهب على مبعدةٍ منهم.
أيها الراعي! هل ترى قلعة الذهب هذه؟ أعطيك إياها إذا قلت لي: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ".
لا، لن أقول حتى تزوجني ابنتك، يا جلالة الملك..
أكملوا مسيرهم حتى وصلوا إلى بحيرةٍ من الماسِ، فقال الملك:
حسنا أيها الراعي! أعطيك غابة الفضة، وقلعة الذهب، وبحيرة الماس، فقط إذا قلت لي مرة واحدة: "فليبارك الله في صحة الملك".
أنا لن أقول – يا جلالة الملك – حتى تزوجني من ابنتك.
حسنا أيها الثعلب! سأزوجك ابنتي على أن تقول لي بعدها: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ".
وها هم قد عادوا إلى المنزل، وأعلن الملك في الحال في سائر البلاد أنه سيزوج ابنته لراعي الأغنام ذو العيون النجمية والدعوة عامة، وسيكون هناك مأكولات ومشروبات كثيرة لكل الحضور.
وكانت حفلة الزواج هذه قد ذاع صيتها، وهناك كان يجلس راعي الأغنام ذو العيون النجمية بجانب الملك يأكلون ويشربون، وكانوا في قمة السعادة.
ثم، بعد أن جلبوا اللحمة المطبوخة بالفجل، عطس الملك بقوة، فإذا بزوج ابنته يقول له المرة تلو الأخرى:
"فليبارك الله في صحةِ الملكِ"، "فليبارك الله في صحةِ الملكِ"، "فليبارك الله في صحةِ الملكِ"! قالها حوالي مئة مرة.
كفى... كفى... لا تُكمل، من الأفضل لي أن أُعطيك مملكتي كلها.
وهناك في الحال تم تتويج راعي الأغنام، وأصبح ملكًا، وتحسنت أحوال البلاد والعباد، وأحب الشعب هذا الملك.
فإذا عطس، صاح الجميع بمنتهي الود والحب: "فليبارك الله في صحةِ الملكِ".
ومن يشك في هذه القصة، يمكنه التحقق منها بنفسه!