القاهرة 30 مارس 2021 الساعة 06:41 م
بقلم: سماح ممدوح حسن
إذا استطاعت أي قوة تكميم الأفواه والرغبات، فلن تستطع كبح بوح الأحلام، سنعيش كيفية ذلك في رواية الأديب الكويتي "عبد الوهاب الحمادي"، "لا تقصص رؤياك".
"بسام" شاب ذو حسب ومال، ورغم أن ظاهر حياته تدل على خلوها من المنغصات، إلا أن كوابيس لياليه يفيد بغير ذلك. شاب متزوج يعمل في شركة عمه بوظيفة ومنصب مرموق، متزوج ولديه ولد، يمتلك كل ما يطمح إليه غيره، لكن عندما ينفرد به النوم، تكون لكوابيسه رأى آخر. ولما كثرت عليه الكوابيس وثقل حملها، قرر"بسام" أن أحلامه ليست عبثًا. وأصبح مهووسًا بتفسير معانيها ودلالاتها، وليكشف هذه التفسيرات حكى لصديقه "يوسف" على مضض، وحكى له كيف أنه زار أحد المفسرين الشيوخ ممن يقدمون خدمة تفسير الأحلام عبر الهاتف والإنترنت والفضائيات، مِن هؤلاء الذين حشدوا حولهم جيشًا من النساء الحائرات بأحلامهن وشيوخ ورؤوس قبائل خائفين. يسخر الصديق يوسف من بسام ويرسله إلى طبيب نفسي، ويفسر أحلامه بشكل علمي، الأحلام إما أنها تعبر عن مكنونات أنفس الناس، وإما تنذر بما لا يعلمون من الغيب. وهذا التفسير الأقرب للصحة بالنسبة لبطل الرواية، فيفسر منها ما يجده ملائمًا لحياته، وما لم يجد له تفسير سعى حتى آخر صفحات الرواية لإيجاده وقد كان، وفاز بالسعادة بعد المأساة.
تعدد مسارات الحكي والمصب واحد:
في رواية "لا تقصص رؤياك" تتعد الأصوات والشخصيات، وكل منهم يحكي الحكاية من طرفه، لتكتمل بذلك نواقص اللغز من حكاية الآخر، والجميع يحلم، ويصبح الآخرون هم تفسير رؤياه. كل الشخصيات لها أسماء ما عدا السيدة "ن" بطلة الرواية، حبيبة بسام، وإحدى تفسيرات أحلامه، تلك الفتاة التي جاءته فى الحلم تربط يده ببالون يطير به إلى سماء الأمان، لتأتى عربة وتعصف بها هي بعد أن اطمأنت على أمانه، وحدث هذا فى الواقع عندما اختفت "ن" التي كانت تعمل في شركة بسام، بعدما قدمت استقالتها، اختفت بعدما علمت أن زوجها المنفصلة عنه عرف بعلاقتها ببسام وانتقم منها، واستطاعت الهرب منه وسافرت إلى بيروت، لكن زوجها والذي كان أحد أبرز رجال الأمن السري المنوط بهم انتزاع اعترافات المتهمين غصبًا، اختطف "نواف" عن طريق الخطأ، ظنًّا منه أنه هو من على علاقة بزوجته، وعذّبه حتى مات ودفنه رجل الأمن سرًّا، لكن أحد الذين أطلعهم على السر أبلغ السلطات.
"يوسف" الشيوعي، السياسي المحنك، صديق بسام، الساخر منه أبدا، هو أيضا يحكي قصة من طرفة لنعلم علاقته ببسام. "نادية" الزوجة، التي أهملت زوجها حتى نسيته، وتعيش كما المراهقات، ولم تهتم كثيرًا أو تحزن لعلاقة زوجها بسام بحبيبته "ن" فقد كان الاثنان قد انتهيا من علاقتهما منذ زمن، حتى أثر على نفسية ابنهما الوحيد فادعى أن أحد أصدقاء سائقه تحرش به ليكسب تعاطف واهتمام والديه. وكيل النيابة الذي حقق في كل الوقائع، بما فيها مقتل نواف صديق السيدة "ن" وبسام ويوسف.
تصوير الرواية للحياة السياسية بالكويت:
من أهم العناصر التى احتلت مكانًا في الرواية بعد فكرة الأحلام التى تحركت من خلالها كل الشخصيات، كانت صورة الحياة السياسية بالكويت، وكيف أن المعارضة استطاعت أن تؤجج حمية القبائل وتدخلهم في صراع السياسة، لتفعل الطبقة الحاكمة بالمثل، وتستخدم الأسلحة الإعلامية للهجوم على المعارضة والقبائل المساندة لهم، تعرض القائمون على الندوات السياسية للضرب والعنف والاعتقال، مما أدى إلى تأجج الطائفية والقبلية بين الكويتين.
الإطار السردي بالرواية:
رغم أن عنوان الرواية "لا تقصص رؤياك" إلا أن الصنعة السردية في الرواية هى قص الرؤى والأحلام؛ فالجميع في الرواية يحكي عن نفسه وعلاقته بالآخر، والجميع يحلم، ويحكي الحلم الذي يفسره بأنه خاص بالآخر، فالرواية صارت في أغلب السرد بضمير المتكلم، أو السارد الراوي.
كما استخدم الروائي "عبد الوهاب الحمادي" أيضا اسمه الحقيقي في الرواية، كما لو أن غيره يحكيها، ليقول لنا أن الرواية تخص غيره، وكثيرة هي الروايات التي يوهم فيها الكاتب الحقيقي، قراءه بأن غيره هو الراوي، وهي حيلة سردية ناجحة وتكفل التشويق.