القاهرة 25 مارس 2021 الساعة 01:51 م
تتسم العلاقات المصرية مع أشقائها الأفارقة بالتنوع والثراء والاتفاق في كثير من القضايا المشتركة (سياسيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا وإنسانيًّا) تاريخيًّا؛ وهو ما يبرز عبر الاستراتيجية التي تتبعها الدولة المصرية نحو القارة، وأبرز المواقف التي انحازت فيها مصر دائمًا وأبدا نحو ما يسهم في تحقيق العدالة والاستقلال والرفاهية لشعوب القارة كافة؛ وهو ما تجلى في دعم مصر لحق دول القارة في التحرر والاستقلال الوطني منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي.
أواصر الصداقة التاريخية والمشتركات السياسية والمجتمعية والاقتصادية بل والثقافية بين الشعب المصري وشعوب دول القارة كثيرة ومتعددة، بل أنها لم تتأثر بالخلافات التي دبت بين الأنظمة السياسية المصرية ونظرائها في دول القارة تاريخيًّا؛ فسرعان ما ذابت تلك الخلافات بواسطة المكون الثقافي المشترك بين مصر وعدد كبير من دول القارة؛ والذي يتشابه في كثير من سماته وصفاته وأهدافه، وعلى الرغم من ذلك إلا أن ثمة مشروع ثقافي مصري أفريقي مشترك غائب لم يتحقق للأسف حتى الآن.
وجود مشروع ثقافي أفريقي مشترك سيساهم في دعم استراتيجيات التنمية لدول القارة كافة في الوقت الراهن؛ في ظل ما تشهده من تحديات؛ وإن كان التقارب المصري منذ سنوات وتحديدًا منذ عام 2016 نحو قارتنا ساهم -وما زال- في رأب الصدع والشقاق الذي وقع بسبب بعض الأحداث تاريخيًّا، ولعل المتابع للتحركات المصرية نحو قارتنا بقيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووزارة الخارجية المصرية خير دليل على استعادة الدور المصري التاريخي في أفريقيا، وآخرها توقيع بعض مذكرات التفاهم المشتركة بالأمس بين مصر وبوروندي في ستة مجالات مختلفة هي:" الإدارة المتكاملة للموارد المائية في بوروندي، الإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر الرسمية، الإعلام، التربية والتعليم، السياحة، الثقافة".
ولكي يتحقق مشروع ثقافي أفريقي يخدم استراتيجيات التنمية المستدامة، يجب أن تتضافر جهود الوزارات المعنية كافة بتعزيز القوى الناعمة في دول القارة الأفريقية كافة؛ وذلك من خلال تفعيل اجتماعات وزراء الثقافة الأفارقة دوريًّا، وتعزيز سبل التعاون بين الجامعات داخل القارة من خلال تبادل الخبرات العلمية المشتركة، وتدريب الكوادر في مجالات الإعلام، والثقافة، والرياضة، إضافة إلى وضع خطة جديدة لنظام البعثات العلمية بين دول القارة.
منذ عام 2015 ذهبت بمبادرة فردية كصحفي إلى عدد من السفارات الأفريقية في القاهرة التي يقدر عددها 55 سفارة؛ وذلك لإجراء اللقاءات الصحفية مع الملحقيات الثقافية فيها، بهدف التعرف على ثقافات أشقائنا الأفارقة كافة، وإذ بي أجد في كل زيارة ترحيب وتقدير من المسئولين بالمبادرة، وتقديم الكتب و ال" سي دي" التي تشرح أبرز ثقافات دول القارة، وخريطة الصناعات الأفريقية في كل دولة من الدول الأفريقية، وكذلك إرسال البيانات الإخبارية كافة المتعلقة بالأنشطة الثقافية للسفارات التي زرتها عقب كل زيارة، إلا أن أبرز ما توقفت أمامه، هو ما اتفق عليه جميع من قابلتهم -وإن كان بدرجات متباينة- ألا وهو: أن وزارة الثقافة المصرية ممثلة فى قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بعيد عن التفاعل مع أنشطة السفارات الأفريقية!
أخيرا؛ ما أود أن ألفت النظر إليه هو أنه مازال لدى مصر عدد من مراكز التفكير والمعاهد العلمية التي لعبت ومازالت تلعب دورًا كبيرًا في التقارب الثقافي والعلمي والمعرفي بين مصر وأشقائنا الأفارقة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر كلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، ومعهد البحوث والدراسات العربية والأفريقية منذ تأسيسه، ومركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية التابع لمؤسسة الأهرام؛ وجميعها سعت ومازالت نحو تعزيز التوجه نحو مشروع ثقافي تنموي مشترك بين مصر ودول القارة الإفريقية، وإن كنا نتمنى أن تنشط مراكز التفكير كافة في مصر نحو دعم الشراكات العلمية والثقافية والمعرفية بين مصر وأشقائنا الأفارقة خلال الفترة القادمة؛ من أجل تعزيز سبل التعاون بين دول القارة ولخدمة برامج التنمية في المجالات كافة.