القاهرة 23 مارس 2021 الساعة 01:45 م
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
في مقدمته لكتابه "ما الإبداع؟" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يقول د.شاكر عبد الحميد إن الإنسان يكتب الشعر والرواية والمسرح، ويؤلف الموسيقى ويعزفها، ويرسم اللوحات، وينحت التماثيل، ويبني المتاحف، ويمثّل ويغني ويرقص ويضحك، كي يصبح أكثر حرية، يفعل أشياء كثيرة لا يستطيع فعلها داخل أنظمة الحياة الروتينية اليومية الرتيبة، ويقوم بالإبداع الذي لا يكتمل إلا بمشاركة الآخرين له.
عبد الحميد يرى أن الإنسان يتقدم بالإبداع، وبه يكون حرًّا، وبالحرية يكون أكثر إبداعًا وإنسانية. أما بالقمع والكبت والظلم فيكون أكثر تخلّفًا وحيوانية.
كذلك يرى الكاتب هنا أن الإبداع يشتمل على الأصالة والطلاقة والحساسية للمشكلات والمرونة التي هي هروب من التصلب والاجترار والتكرار والعود الأبدي، وهي الحرية، وهي طزاجة الوجدان وعنفوان التصوّر، ورغبة قاهرة في اجتراح المعجزات والإتيان بالعجائب، وهي رحابة مع الآخر وحوار إيجابي يقظ معه.
ما يؤكده عبد الحميد هنا هو أن المرونة والحرية صنوان، ولا إبداع بدونهما، ولا تقدم دون إبداع ودون حرية، ودون محبة وصدق وإخلاص، مثلما يرتبط الإبداع كذلك بالخيال، بل إن هذا الأخير هو جوهر الإبداع.
جوانب الإبداع
ومحاولًا الوصول إلى تعريف للإبداع، يقول الكاتب إن العلماء قد اختلفوا في تعريفاتهم للإبداع، فمنهم من ينظر إليه على أنه استعداد شخصي، أو عملية داخلية، أو أسلوب حياة، وينظر إليه آخرون على أنه يقف وراء الابتكارات والاختراعات العملية والنتاجات الأدبية والفنية والأفكار الجديدة. بينما يعرّفه بعض العلماء على أنه حالة خاصة من حالات حل المشكلات مع التركيز على أصالة الحل وقيمته وتفرده. هنا أيضًا يؤكد عبد الحميد ضرورة التمييز بين عدد من المفاهيم المهمة في مجال دراسات الإبداع وهي الذكاء، الموهبة، الإبداع، الابتكار، الاختراع، والعبقرية، ذاكرًا تعريفًا لكل هذه المفاهيم. هنا يكتب عبد الحميد عن جوانب الإبداع، ذاكرًا أن الإبداع هو شيء يتجلى على أنحاء شتى جديدة ومفيدة، ومتحدثًا عن الشخص المبدع، يقول عبد الحميد إنه يتلقى الإحساسات والإدراكات من مصادر خارجية وداخلية، كما أنه يمتلك عقلًا متعدد الأبعاد والعوامل.
كما نعرف، من خلال الكاتب، أن العمليات الإبداعية يمكن تقسيمها إلى أربع مراحل أو فترات اقترحها والاس وطورها آخرون وهي مرحلة الإعداد، مرحلة الاختمار، مرحلة الإشراق، ومرحلة التنفيذ أو التحقيق للعمل ككتابة قصيدة أو رواية على الورق، ورسم لوحة على القماش. وترتبط عمليات الإبداع، على حد قول المؤلف، بقدرات الإبداع التي تقوم بدور مهم في تنشيط عمليات الإبداع بشكل عام.
هنا يذكر المؤلف أن دراسات سايمنتن قد أظهرت أن الاختلاف يساعد على الإبداع أكثر من التجانس، قاصدًا إلى أن التنوع الثقافي يعدّ عاملًا مهمًّا في تحسين البيئة الإبداعية، فهو يحفز التنافس، كما أن الاتجاهات السياسية والاقتصادية الليبرالية والمدعمة للحريات أفضل من تلك الخاصة بالاقتصاد الموجه والنظم السياسية المقيدة لحريات الأفراد وخيالهم.
في سياق كتابته عن المخ والإبداع يقول المؤلف إن أفلاطون ربط بين الخيال والكبد، وقال أرسطو إن الخيال موجود في القلب، بينما قال جالينوس إنه موجود في المخ، أما نيميسوس فقد افترض أن التجاويف الأمامية في المخ تستقبل الإحساسات وتحولها إلى خيال، وأن التجويف الثالث من بينها يحتوي على المعرفة والعقل، بينما يحتوي الرابع على الذاكرة، وبعد شرح ما قاله العلماء عن المخ، يصل المؤلف إلى القول بأن المخ يعمل من خلال شبكات من العلاقات الأفقية والرأسية، ومن أعلى إلى أسفل، وعلى نحو متتابع ومتزامن، وبالتالي فإن الخيال هو نشاط كلي متكامل لمجموع المخ البشري.
العمر الذهبي للإبداع:
هنا يذكر عبد الحميد أن هناك دراسات أخرى تقول إن متوسط إنتاج الأعمال الفلسفية الكبرى يقع في ما بين الخامسة والعشرين والأربعين، وإن عمر الأربعين، مع زيادة أو نقص مقداره خمس سنوات، يبدو أنه العمر الذهبي للإبداع، وأن الصعود الحقيقي على سلم الإبداع يبدو أنه يبدأ في منتصف العشرينيات، أما بعد الخامسة والأربعين فيبدو أن عملية الهبوط تبدأ أولًا بشكل بطيء، ثم بشكل سريع، حسب السمات الشخصية للمبدع، وحسب ظروفه وحسب المجال الذي يبدع فيه.
كما يضيف أن هناك دراسات أخرى تشير إلى أن الإسهامات الخالدة في الثقافة الإنسانية قدمها أفراد كانوا في عمر الأربعين أو أقل، وكما يقول العلماء فإن طموح الشباب هو الذي يدفع العملية الإبداعية نحو الإنجازات العليا، ثم بعد ذلك يُخلي هذا الطموح الطريق لأهداف عملية أكثر.
وقد وُجد أن عمر الذروة بالنسبة إلى أي عمل أدبي نثري، قصصي أو غير قصصي، هو 43 سنة، أما العمر بالنسبة للروائع الشعرية فهو 39 سنة، إذ أن الشاعر ينتج في عشرينيات حياته أضعاف ما ينتجه خلال بقية حياته، وهناك تلازم بين الإنتاج المبكر في الشعر والرياضيات، والمتأخر نسبيًّا في الرواية أو الجيولوجيا.
هنا أيضًا يقول الكاتب إن فحص السير الذاتية لمبدعين مثل أينشتين، كانط، فولتير، فيردي، مايكل أنجلو، بيكاسو وجان جينيه، يدل على أن متوسط السير المهنية المنتجة هو 30 سنة، لكن ليس هناك ما يمنع من أن يمتد هذا المتوسط في حالات كثيرة إلى نصف قرن.
في كتابه ما الإبداع؟ يكتب شاكر عبد الحميد عن الخصائص المميزة للموهوبين، وعن الإبداع والابتكار، وعن الإبداع والعمر، وعن الثقافة والإبداع، وعن علاقة الحرية بالإبداع، ذاكرًا أن هناك دراسات سيكولوجية واجتماعية قد أشارت إلى أن التطور الإبداعي يعتمد على التنوع الثقافي، وأن التمرد أو الثورة ضد الأنظمة الخانقة القامعة يمكن أن يستحضر نهضة في المجال الإبداعي، على الأقل في الأنشطة الفكرية كالعلم والفلسفة والأدب والموسيقى.